العدد 13 - أردني | ||||||||||||||
حسين أبو رمان وسليمان البزور شكلت الانتخابات النيابية الأخيرة محطة فاصلة في مسار الأحزاب الوسطية. فالمبادرة التي تزعمها المهندس عبد الهادي المجالي قبل الانتخابات واستهدفت تشكيل حزب وسطي كبير تم التراجع عنها. وجاءت استقالة المجالي من رئاسة الحزب الوطني الدستوري، مؤشراً على المأزق الذي وصلت إليه أحزاب الوسط، وعلى إعادة نظر في هندسة المجال الحزبي، بحيث بات يتم العمل على تشكيل الحزب الوسطي المنشود من رحم مجلس النواب، وهو هدف معلن لكتلة التيار الوطني في المجلس النيابي الخامس عشر والتي تتشكل من 59 نائباً ونائبة. الانتخابات التشريعية التي جرت في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي،كشفت ضعف وإرتباك سائر التيارات الحزبية، لكنها كشفت بدرجة أكبر الغياب التام لأحزاب الوسط عن الساحة السياسية، وهذا يعني تراجع صعودهم النسبي في انتخابات المجلس النيابي الثاني عشر عام 1993، في أعقاب حصولهم على الترخيص الذي بات متاحاً للأحزاب السياسية الأردنية بعد 35 سنة من الحظر الرسمي، والذي لم تنج منه سوى جماعة الإخوان المسلمين التي كانت على وفاق مع الحكم. ففي انتخابات 1993 زادت مساحة نفوذ تيار الوسطيين من حزبيين وغير حزبيين لتغطي 47 مقعداً، أي أكثر من نصف مقاعد "النيابي" الثمانين آنذاك. أما في انتخابات 1997، فلم تنجح "الوسطية" في الحفاظ على مكاسبها السابقة رغم صعود نجم الحزب الوطني الدستوري بزعامة عبد الهادي المجالي، ومقاطعة غالبية الأحزاب الإسلامية واليسارية لهذه الانتخابات احتجاجاً على قانون الصوت الواحد. مسيرة "الدستوري" كان قد تأسس الحزب الوطني الدستوري في أيار/مايو 1997 قبيل انتخابات مجلس النواب الثالث عشر، من اندماج تسعة أحزاب وسطية على يد رجال دولة سابقين أمثال: عبد الهادي المجالي، عبد الرؤوف الروابدة، والراحل عاكف الفايز وآخرين. وكانت أوساط الحزب الجديد تراهن على تحقيق فوز كبير في الانتخابات، إلى درجة أن جماعة الإخوان المسلمين التي قاطعت انتخابات 1997، اعتقدت أن "الدستوري" في طريقه إلى أن يصبح حزب الدولة الأردنية. لكن ترشيحات "الدستوري" اقتصرت على 11 مرشحاً ومرشحة، لم يفز منهم سوى اثنين هما: عبد الهادي المجالي وعبد الرؤوف الروابدة اللذان فازا أساساً بنفوذهما الشخصي والعشائري وليس بدعم الحزب لهما. وتراجعت حصص الأحزاب الوسطية في المجلس النيابي. منذ مطلع الألفية تغيرت مقاربة التيار الوسطي حيال الحياة السياسية والانتخابات. إذ نزع هذا التيار إلى عدم الإعلان عن أسماء مرشحيه في انتخابات 2003، وأيضاً في الانتخابات الأخيرة 2007 . أمين عام الحزب الوطني الدستوري، أحمد الشناق، أكد أن تشكيل هذا الحزب من رجالات دولة سابقين "يستهدف بناء ثقل وسطي مواز للتيارات اليسارية والإسلامية، وصولاً للفوز بأكثرية مقاعد المجلس النيابي". ينبع الوطني الدستوري من واقع الحياة الأردنية، بحسب الشناق الذي يوضح أنه تشكّل "ليكون جاهزاً لممارسة السلطة من خلال خطة عمل متكاملة أعدها فريق يضم خبراء في المياه والصحة والتعليم، وغيرها من القضايا التي تهم المواطن". بالتزامن مع ذلك يسعى هذا الحزب لتشكيل كتلة تضم أغلبية نيابية ذات برنامج مختلف. ورغم أن الأحزاب الوسطية لم تنجح باعتبارها قوى سياسية في دخول مجلس النواب، إلا أن العشرات ممن يحسبون عليها نجحوا في "النيابي" بوصفهم أفراداً، ونالوا حقائب وزارية ومناصب رفيعة في الدولة. يرى الشنّاق أن الضربات التي تلقاها الحزب الوطني الدستوري داخلياً وخارجياً، سرعت في توالي الانسحابات منه. كذلك ساهمت مقاطعة "الإخوان المسلمين" لانتخابات 1997 في "ضرب أسس الأحزاب الوسطية"، بحسب الشناق الذي يرى أنه "بغياب الإسلاميين المؤقت عن ساحة المنافسة لم يعد هناك معادل أو ثقل منافس في الانتخابات". يعتقد الإسلاميون، يضيف الشنّاق، أن الوطني الدستوري هو "حزب الدولة ما أفقد الحزب جانب المنافسة وأهميته كضرورة من حيث المعادل السياسي". يرد الشناق الانسحابات التي تلت انتخابات 1997 إلى اعتبار بعض المنتسبين "الحزب معوقاً لطموحهم الشخصي، فيما اعتبر آخرون أنه لم يلب طموحاتهم". ويرى الشنّاق أن نظرة "الفزعة الحزبية لدى بعضهم"، ساهمت في تلك التداعيات: "فما أن ينسحب أحد المؤسسين حتى يتبعه العشرات". الأحزاب الوسطية راهنت على أن خطابها كأحزاب برامجية وليس عقائدية، سيفتح أمامها أبواب التحول إلى أحزاب جماهيرية، وهو ما لم يحصل. رغم ذلك يؤيد الشناق إعادة إحياء فكرة التيار الوسطي، لكن بشرط "أن تنبع ولادة هذا التيار من معاناة الشعب وتتوافق وضميره وآماله". لكن "وصفة" الشناق تمثل الجانب الأصعب من معادلة النهوض بالحياة الحزبية، أمام حقيقة أن الأحزاب الأردنية بتياراتها الثلاثة: اليمين والوسط واليسار ما زالت تراوح مكانها بعد حوالي عقدين من التحول الديمقراطي وإعادة الشرعية للأحزاب السياسية عام 1992. قصور القوانين قصور قوانين الأحزاب والاجتماعات العامة والانتخابات، برأي حزبيين وسياسيين، من أهم أسباب تواضع وجود الأحزاب في الشارع الأردني، فيما يعزو آخرون تراجعها إلى "ضعف برامج الأحزاب غير الواقعية، التي لا تتلاءم مع نبض المواطنين". يرى حزبيون أن قيادات أحزاب الوسط "هبطت بالباراشوت على الحياة الحزبية، من مواقع رفيعة في السلطة. فمنهم من نادي الباشوات أو جنرالات متقاعدين". الأحزاب الوسطية لم تحسم ما إذا كانت وظيفتها الرئيسية هي أن تكون حزباً للدولة أم تياراً يملأ طيفاً سياسياً ويمتلك خصوصية وطنية وبرنامجية. حول هذه الإشكالية، فإن أمين عام حزب الرسالة، حازم قشّوع، يؤمن "بوجوب الحديث عن كل حزب باعتباره من أذرع الدولة، له منطلقاته الخاصة به، والمميزة عما سواه". ويصر قشوع على أن "حزب الرسالة حزب وطني إصلاحي، ليس وسطياً أو يمينياً، إنما هو ذراع من أذرع الدولة، له منهجه. ويتمحور برنامجه حول ثلاثة مرتكزات، هي: دعم المجتمع المدني، سيادة القانون، والعدالة وتكافؤ الفرص". ويقر قشوع بأن حزبه الذي تأسس أواخر عام 2003، لم يعلن أسماء مرشحيه للانتخابات السابقة لأنه "حتى هذه اللحظة لا يستطيع أن يكون رافعة للعبور إلى قبة البرلمان لوحده دون الاتكاء على العشائرية". ويذكّر بمطالباته المستمرة بضرورة إيجاد قانون للانتخاب على أساس القائمة النسبية لأن "قانون الصوت الواحد لا يساعد على بلورة حزب وتمكينه من القيام بدوره". وسطي .. راديكالي بخلاف ذلك، يقول أمين عام حزب الخضر، جهاد عبوي، أن "الخضر حزب وسطي يندرج تحت مظلة مجلس التنسيق الحزبي" الذي يضم 5 أحزاب وسطية أهمها الحزب الوطني الدستوري. لكن عبوي يستدرك بالقول أن الأحزاب الوسطية "أحزاب راديكالية وطنية بالدرجة الأولى(....)، وهذا لا يعني أنها محسوبة على الدولة أو الحكومة، إنما هناك مواقف تختلف حسب الموقف وطبيعته، مبدياً تأييده لفكرة وجود ثلاثة تيارات سياسية". يذكر أن الملك عبد الله الثاني دعا مراراً إلى اندماج الأحزاب الـ 36 القائمة في إطار ثلاثة تيارات سياسية: يسارية، وسطية، ويمينية، مسترشداً بنظرية "الزحام يعيق الحركة" للملك الراحل الحسين بن طلال. قانونا الأحزاب والانتخابات "العقيمان" كما يصفهما عبوي، هما "السبب في عدم أداء الأحزاب لدورها الحقيقي". ولهذا لم يعلن الحزب عن مرشحه غازي مشربش الذي ترشح عن دائرة عمان الثالثة، وحصل على 3595 صوتاً، لكنها لم تكن كافية لحصد مقعد في "النيابي". وسط إسلامي تلاوين أخرى ضمن تيار الأحزاب الوسطية يبدو أنها لم تصل بعد إلى الاستخلاصات التي توصل إليها عبد الهادي المجالي، فهناك حزب الوسط الإسلامي الذي تأسس عام 2002 على يد شخصيات انفصلت في معظمها عن جماعة الإخوان المسلمين، يتطلع إلى المشاركة في السلطة من خلال حزبه، لكنه هو الآخر لم يعلن عن أسماء مرشحيه للانتخابات النيابية. بهذا الصدد يقول رئيس المكتب السياسي لحزب الوسط الإسلامي فايز الربيع إن "افتقار الحزب للسلطة وغيابه عن المشاركة فيها يقف عثرة في طريق تحقيق برنامج الحزب المتكامل في مختلف القضايا التربوية والاجتماعية والاقتصادية"، رافضاً احتكار العمل الإسلامي لجهة بعينها. ويعرف الربيع الوسطية بأنها "النظرة للأمور بشكل وسطي والثبات على المنهج دون غلو أو تفريط"، نافياً أن تعني الوسطية "إمساك العصا من المنتصف". ويرجع الربيع عدم إعلان أسماء مرشحي الحزب للانتخابات النيابية، "للصراع على كعكة ما بعد الانتخابات والتقسيمات العشائرية السائدة". وهوَ ينفي غياب الوسط الإسلامي عن الانتخابات، كاشفاً أن الحزب رشّح ثمانية من أعضائه، دون مظلة، فاز خمسة منهم بمقاعد في المجلس النيابي. وسيعلن عن انتمائهم للحزب خلال الفترة المقبلة، حسبما يؤكد! . على غرار التيار اليساري والقوميين تتخوف أحزاب وسطية من الإعلان عن مرشحيها للانتخابات، مفضلة أن يخوض هؤلاء الانتخابات بوصفهم مستقلين، وذلك خشية عزوف الناخب عن التصويت لحزبيين..وهو ما يثير التساؤل حول قبول الأحزاب بهذا الواقع ثم تكريسه ،عبر التمويه المتعمد على الهوية الحزبية للمرشحين . أما أحدث تجارب تيار أحزاب الوسطي، فقد جاءت على يد "الجبهة الأردنية الموحدة"، لكن أحد أقطاب الحزب عبد الرزاق طبيشات يؤكد اختلاف هذه الكتلة عن سائر التنظيمات الوسطية. ويضيف: "نحن أنموذج مختلف استفدنا من تجارب السابقين. وبعد التشاور بين المؤسسين خلصنا إلى تشكيل الجبهة التي هي أوسع من حزب. هدفنا تفعيل الأغلبية الصامتة لأن الأحزاب الأخرى لم تنجح بتفعيل دورهم". لكن برغم ذلك، فإن هذا الحزب الذي تشكل قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، لم يلحظ له حضور في هذه الانتخابات ، ولم يشارك أقطاب بارزون فيه مثل عبد الرزاق طبيشات، وأمجد المجالي الذي حاز لاحقاً على مقعد في مجلس الأعيان،في السباق إلى القبة. "لا نصنّف أنفسنا معارضة أو موالاة ونتحرك بحسب الموقف. إذا قامت السلطة بأمور إيجابية نشكرها ونقف معها. أما إذا سلكت مسلكاً سلبياً نخالفها بكل قوة"، بحسب طبيشات. إلى ذلك، يرفض طبيشات تصنيف الجبهة ضمن تيار وسطي أو يميني أو يساري، ويقول: "نحن حزب وطني نؤمن بالدستور الأردني والثوابت الوطنية والنظام الهاشمي، مبادؤنا هي تحقيق العدالة الاجتماعية التي هي حق لكل مواطن". |
|
|||||||||||||