العدد 13 - دولي
 

في مقال له في صحيفة التايمز اللندنية شبه الصحفي والكاتب البريطاني ريتشارد بيستون الرئيس الكوبي فيدل كاسترو بشخصيات صديقه الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، فهو شخص "يتحدى الزمن والتاريخ" كما يقول الصحفي البريطاني.

تشبيه بيستون للرئيس الكوبي بشخصيات ماركيز يحمل إشارة إلى الزمن الطويل الذي قضاه فيدل كاسترو في حكم كوبا بقبضة من حديد، الذي يعود إلى مطلع العام 1959، حين استولى الثوار الذين كان يقودهم على هافانا وخلصها من ديكتاتورية فولغنسيو باتيستا المدعوم من الولايات المتحدة، أي أنه أقدم حاكم على وجه الأرض. وهو خلال حياته المديدة التي تعدت الثمانين عاماً شهد قدوم ورحيل أجيال من الكوبيين، تماماً مثل العقيد بوينديا في رواية مئة عام من العزلة، كما شهد صعود ورحيل عشرات الرؤساء والزعماء في العالم، بمن فيهم نحو 10 رؤساء أميركيين اختلفوا كثيراً فيما بينهم، ولكنهم أجمعوا على العداء لفيديل ودبروا له نحو 11 محاولة اغتيال، وحاصروه اقتصاديا ليخنقوا الجزيرة التي لا تبعد عن فلوريدا أكثر من 90 ميلاً.

وهو لم ينج من محاولات الاغتيال فقط، بل ومن محاولات للإطاحة بحكمه ربما كان أشهرها المحاولة العسكرية للاستيلاء على الجزيرة عبر خليج الخنازير في العام 1961، وأهم من ذلك أنه شهد قيام نظام عالمي جديد وانهيار آخر قديم لعب فيه الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي دوراً في استمرار نظام كاسترو، ولكنه تمكن من تجاوز الزلزال واستمر في الحكم محققاً بعض أهم الإنجازات مثل: الرعاية الصحية، والتعليم في بلد فقير الموارد، إلى جانب العديد من الإخفاقات الاقتصادية والسياسية على المستويين الداخلي والخارجي.

غير أن إنجازات كاسترو هذه لم تكن بلا ثمن، وكان الشعب الكوبي هو الضحية، لذا لم يكن غريباً أن عبر هذا الشعب مراراً عن ضيقه بالأوضاع الاقتصادية، ودفع كثيراً من سكانه نحو الهجرة بالآلاف شمالاً في اتجاه فلوريدا على متن قوارب بدائية الصنع، حيث يقيم قسم كبير من الكوبيين الذين غادروا البلاد على دفعات منذ الإطاحة بباتيستا، وجلسوا ينتظرون اللحظة المناسبة للعودة ظافرين مطالبين بمزارعهم وممتلكاتهم التي أممها النظام الاشتراكي.

اليوم، يبدو كوبيو فلوريدا الأكثر اهتماماً بمصير كوبا بعد كاسترو الذي يعاني من مرض منعه من الحكم المباشر منذ أكثر من عامين، فهم يرون أن تغير النظام في كوبا رهن برحيل كاسترو. أما كاسترو بشخصيته الطالعة من روايات ماركيز، فقد أعلن في شهر كانون الأول الماضي أنه سوف يتخلى عن الحكم، غير أن كثيرين يعتقدون أن كاسترو لن يتوقف عن "توجيه" دفة الأمور في بلاده طالما بقي على قيد الحياة. قبل عامين، كان كاسترو قد أوكل لشقيقه وزير الدفاع راؤول كاسترو مهام الحكم، وهو منذ ذلك الحين الحاكم باسم كاسترو، ولكن الكوبيين لا يرون في راؤول أكثر من نسخة باهتة من فيدل، فهو عاش في ظله مقاتلاً في الجبال قبل أن يعيش في ظله طوال سنوات حكمه. ولكنه في السابعة والسبعين، فهو ليس من جيل الشباب الذي وعد كاسترو بألا يسد الطريق أمامه، وهو ما يعني أن راؤول كاسترو الذي سيحتفظ بالرئاسة بعد شقيقه، سيتعاون مع عدد من الشبان الذين يتمتعون بالثقة وبالخبرة أيضا لكي يقودوا السفينة الكوبية بعد رحيل القبطان المعمر، "فالتوريث غير مطروح في كوبا، بل الاستمرار،" كما قال كاسترو في إحدى خطبه التي يلقيها عبر التلفزيون الحكومي بين حين وآخر. وربما كانت هذه الجملة تحديدا قد جاءت ردا على أنباء ترددت عن أن خليفة كاسترو سيكون ابنه فيدل كاسترو دياز بالارت، أو فيديليتو، كما ينادونه. وقد كان مسؤولا عن الطاقة النووية في البلاد قبل عزله من منصبه في التسعينات، ثم إعادته أخيرا إلى الأضواء بوصفه مستشارا لوالده، غير أن هذا الاحتمال مستبعد، وإن كانت هناك شبهة توريث، فهي تأتي من خلال تسلم راؤول الحكم، فعلى الأقل استمد راؤول شرعيته من نضاله في صفوف الثورة الكوبية ولعبه دورا مهما في بناء الدولة، وبخاصة على صعيد الجيش الذي أسسه بعيد الثورة، وليس من كونه شقيقا لكاسترو.

وباستثناء راؤول وفيديليتو، فإن هناك ما يشبه الإجماع على أن الشبان المرشحين لقيادة السفينة مع راؤول هم: كارلوس لاج دافيلا المولود في العام 1951، وهو نائب رئيس مجلس الدولة، ولكنه أيضا مهندس العلاقة بين كوبا وفنزويلا، وهي خطوة مهدت لحصول كوبا على احتياجاتها النفطية من فنزويلا بأسعار خاصة لقاء تقديم الرعاية الصحية لفنزويلا.

وهناك أيضاً فليبي بيريز روكي، وهو قيادي ينتمي إلى جيل الشباب حقاً، فهو ولد في العام 1965، ويحتفظ بحقيبة الخارجية، كما أنه عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي. وهناك ريكاردو أليركون، رئيس الجمعية الوطنية، وهو في التاسعة والستين من عمره الذي قضى شطراً منه ممثلاً لكوبا في الأمم المتحدة. وينظر إليه الأميركيون بوصفه شخصية منفتحة على الولايات المتحدة وعلى الغرب.

كوبا بعد كاسترو: توريث أم استمرار؟
 
14-Feb-2008
 
العدد 13