العدد 13 - دولي | ||||||||||||||
قبل وفاة الرئيس الإندونيسي، الحاج محمد سوهارتو، كان الرجل الذي حكم البلاد بقبضة حديدية طوال 32 عاماً قد أجبر على الاستقالة وتحول إلى كبش فداء لأخطاء زمن صعد فيه نجمه على وقع أعمال قمع وقتل وكبت للحريات. خلال سنوات حكمه الطويلة تمكن سوهارتو الذي تسلم رئاسة أركان الجيش الإندونيسي في العام 1965 من القضاء، بالمعنى الحرفي للكلمة، على الحزب الشيوعي الإندونيسي الذي كان أقوى حزب شيوعي خارج الكتلة الاشتراكية في العام نفسه، وإقصاء الرئيس أحمد سوكارنو عن الحكم في العام 1967، ممهداً الطريق للابتعاد عن المعسكر الاشتراكي والارتباط بالغرب الذي رحب بأول دولة آسيوية تتجه نحوه بعد طول ارتباط بالشرق. وبمساعدة سخية من الولايات المتحدة التي مدته بالمعونات الاقتصادية والخبرات البشرية، ومن أدواتها الاقتصادية، مثل: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تمكن سوهارتو من بناء اقتصاد قوي معتمداً على الثروة النفطية لبلاده، وبخاصة بعد ارتفاع أسعاره في أواسط السبعينات من القرن الماضي، فعرفت مناطق كثيرة في عهده الطرق المعبدة والمدارس والمستشفيات والتيار الكهربائي، كما شهدت البلاد التي تتكون من 13 ألف جزيرة تدفقاً للاستثمارات الخارجية التي أنعشت الاقتصاد ووضعته بين ما عرف بالنمور الآسيوية. ولكن الفترة نفسها عرفت قسوة لا مثيل لها من جانب "الجنرال المبتسم" الذي كان يخفي تحت ابتسامته شخصية فولاذية عرفتها جيداً قوى المعارضة، من اليساريين إلى الإسلاميين، فهو مثلاً لم يتردد في مطلع التسعينات من تنفيذ حكم الإعدام في عدد من قادة الحزب الشيوعي الإندونيسي الذين كانوا يقبعون في السجن من العام 1965، في خطوة لا تدل على أكثر من الروح الانتقامية التي كانت تخفيها ابتسامته تلك. ولكن النجاح الاقتصادي الذي حققته إندونيسيا ترافق مع نوع فتاك من الفساد الذي استشرى في عهده، وبخاصة من خلال أفراد عائلته التي قدرت ثروتها المختلسة والمكونة من خلال استغلال اسم سوهارتو بنحو 15 بليون دولار. أما سوهارتو نفسه، فقد أعلن البنك الدولي ومنظمات شفافية عالمية أنه كان أكبر مختلس في التاريخ، وقدرت ما اختلسه من أموال بنحو 35 بليون دولار. كان ذلك قبل وفاة سوهارتو بعام، وبعد إجباره على الاستقالة بعشر سنوات، عاش فيها ذليلاً مطارداً بسبب تهم القتل، وكذلك بسبب تهم الفساد التي وجهت له، بعد أن كانت تهم مماثلة وجهت لأبنائه وحكم على أحدهم بالسجن 15 عاماً. الجيش الإندونيسي أجرى لسوهارتو جنازة رسمية، وطالب الرئيس الإندونيسي الحالي يودويونو بتذكر الإنجازات التي حققها سوهارتو، ولكن كثيراً من المعارضين رفضوا إغلاق ملف سوهارتو المرعب في مجال انتهاك حقوق الإنسان، وهكذا وجد سوهارتو نفسه يعيش آخر لحظات حياته في ظل انقسام سياسي شبيه بذاك الذي ركب موجته وجاء إلى السلطة قبل أكثر من أربعين عاماً. |
|
|||||||||||||