العدد 13 - كتاب | ||||||||||||||
ارتفاع العجز في الميزان التجاري (الفارق بين الصادرات والمستوردات) بنسبة مقدارها 23.4 بالمئة في 2007 عما كان عليه في 2006، بينما تراجع معدل نمو الاقتصاد المحلي من 6.3 بالمئة في 2006 إلى 5.8 بالمئة في 2007. دراسة تستحق الوقوف عند أسبابها. قد يتوقع البعض أن سبب هذا النمو غير المسبوق للواردات هو أسعار النفط ولكن الفاتورة النفطية ارتفعت فقط بـ 2.1% في 2007 عن 2006، بينما ارتفع بند "الآلات والأدوات الآلية وأجزاؤها" بـ 37.8%، وبند "الآلات والأجهزة الكهربائية وأجزاؤها" بنسبة 40.1%، وبند "الحديد ومصنوعاته" بنسبة 27.5% وبند "الحبوب" بنسبة 75.3%، بينما تراجع بند "العربات والدراجات وأجزاؤها" بنسبة 3.6%. النفط ليس السبب في ارتفاع العجز التجاري. فلقد تراجعت الكميات المستهلكة من النفط نتيجة ارتفاع أسعاره في المملكة بعد أن بحث المواطنون عن مصادر أخرى للطاقة لتدفئة المنازل وتراجعت وتيرة الإنتاج المحلي نتيجة لغلاء الأخير على الرغم من أن الحكومة لم ترفع أسعاره محلياً في 2007. فلم ترتفع نسبة الإنتاج الصناعي في العام الماضي بأكثر من 2.2%، وهي أقل بكثير من معدل النمو الكلي. أما الحبوب فلقد ارتفعت أسعارها عالمياً، بخاصة مع انخفاض الدولار، ليصبح أثر هذا الارتفاع أكثر بكثير على الدول التي تربط عملاتها بالدولار كالأردن مثلا، حيث أصبحت عملاتها أرخص وارتفعت أسعار الحبوب لتواجه بذلك غلاء تراكمياً. وبذلك تكون الزيادة الكبرى في الأسعار في بنود الآلات بأنواعها والحديد والتي تشكّل بمجملها ثلث المستوردات أو حجم الصادرات الوطنية (باستثناء المعاد تصديره والذي لا ينتج في الأردن بل يستورد ثم يصدر لجهات أخرى). قراءة الأرقام الرسمية، تظهر تراجع معدل النمو في 2007 عن 2006، وارتفاع العجز التجاري نتيجة ارتفاع أسعار مستوردات لا يصنعها الأردن أو ينافس فيها. وبما أن الاقتصاد تراجع بالأرقام الحقيقية، فإن نسبة الزيادة في هذه البنود كانت نتيجة ارتفاع أسعار العملات الرئيسية لا سيما اليورو أمام الدولار، وليس نتيجة لارتفاع كميات المستوردات. وبما أن هذه البنود تدخل في الإنتاج الصناعي ارتفعت أسعار الإنتاج الصناعي بنسبة 8.2% في ذات الفترة بينما ارتفعت كمياته بنسبة 2.2% فقط. السؤال الذي يطرح نفسه: ألم يكن من الأفضل للأردن ولحسابه التجاري وحسابه الجاري وميزان المدفوعات رفع سعر الدينار ليقلل بذلك من فاتورة المستوردات التي وصلت في العام الماضي إلى 9593.5 مليون دينار لتبلغ تماماً ثلاثة أضعاف فاتورة الصادرات و87 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي؟ الإجابة طبعاً واضحة؛ لكن ينادي البعض ا بأن لا نفعل شيئاً وهذا أثره خطير كما أنه توجه مغلوط، ولعدة أسباب: 1. سعر صرف الدينار هو سعر تم إقراره خارج آليات السوق، وبذلك فإنه سعر وهمي وليس سعر حقيقي، يحق لنا تعديله بما يتماشى مع مصالح الأردن ككل. 2. غالبية المستوردات مواد تستخدم في الإنتاج أو تشكّل جزءاً كبيراً من دخل المستهلك وبذلك فإن الطلب عليها ليس مرناً (أي أن تخفيض كلفتها لن يؤدي إلى ازدياد الواردات بشكل يرفع من فاتورتها الكلية، الأسعار مضروبة بالكميات) لأن أصحاب المصانع يعملون بأقل من طاقتهم الإنتاجية ولذلك لن تزداد مستورداتهم من الآليات لأن سعرها انخفض قليلاً بل سيقومون أولا بتشغيل ما لديهم من استثمارات؛ أيضاً، فإن المستهلك لن يقوم بشراء سيارة أخرى لأن سعرها انخفض بشيء بسيط، فسعرها يشكّل أضعاف دخله ويؤدي إلى الاقتراض بفوائد عالية والتزامات مادية على مدى سنين، وهذه قاعدة معروفة في الاقتصاد. 3. إن صادرات الأردن كما هو مبين في الجدول ليست ذات قيمة مضافة عالية كالألبسة مثلاً والتي تناقصت في العام الماضي نتيجة هجرة المستثمرين إلى مصر وفيتنام بحثاً عن عمالة أرخص من العمالة الأردنية. كما أن البوتاس والفوسفات يباع حسب اتفاقيات دولية وليس حسب أسعار وآليات السوق. وكما هو موضح من الجدول فإن صادراتنا لم تزداد بشكل يذكر على الرغم من انخفاض سعر صرف الدينار نتيجة مواءمته لمسيرة الدولار التعيسة في العام الماضي. لذلك، وبما أن هذه الأرقام تدل بوضوح على عدم الحاجة للتخوف من هبوط احتياطي الاردن من العملات الأجنبية، فإنه لا خوف من ازدياد المستوردات أو تراجع الصادرات في حين أبقينا على الربط ولكن بأسعار تتماشى ولو قليلاً مع تقلبات العملة التي أضرت بالأردن في السنوات الأخيرة. دعاة أن لا نفعل شيئاً يريدوننا أن نستورد كمية آليات أقل بأسعار أعلى بدلاً من استيراد كميات أكبر قليلا بأسعار أقل، ويدّعون بأن التوجه (رفع سعر الدينار ضد الدولار) سيؤثر على الاحتياطي ولكنهم نسوا أن يدرسوا صادراتنا وهي من المواد الخام أو السلع التي لا تعود بقيمة مضافة على الاقتصاد، وطبيعة مستورداتنا التي وصل حجمها إلى 87 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لأننا أصبحنا ندفع أكثر لكميات أقل. الأرقام تبين أهمية الحوار الشفاف العقلاني في مبدأ الإبقاء على الربط مع تعديل سعر صرف الدينار المربوط بالدولار الذي هبطت قيمته بما يعادل 17% في العام الماضي أمام اليورو. |
|
|||||||||||||