العدد 2 - ثقافي | ||||||||||||||
على الرغم من مضي نحو عامين على صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب المثير الضخم، فإنه ما يزال حتى الآن مثيرا للجدل والنقاش بين المعجبين به، وهم كثر، ومن يخالفون روبرت فيسك الرأي في ما تضمنته هذه المذكرات الصحفية من مواقف ومعلومات. ومما زاد من اتساع المناقشات وحدّتها أن فيسك ما فتئ حتى الآن يجري محاورات موسعة مع زملائه الصحفيين والمراقبين والقراء عن هذا الكتاب، عبر موقع إلكتروني له على الإنترنت.
وربما كانت أكثر المراجعات توازنا هي التي نشرها في الواشنطن بوست (4 حزيران 2006) ستيفن همفريز، وهو أستاذ التاريخ والدراسات الإسلامية في جامعة كاليفورنيا – سانتا باربارا، وله عدة مؤلفات عن قضايا الشرق الوسط. ففي مقالة بعنوان "جذور الغليان: مراسل غاضب ينحو باللائمة على الطغاة المحليين والتلاعب الغربي في اضطرابات المنطقة".
يقول همفريز إن الصحفي البريطاني المخضرم روبرت فيسك ، الذي عمل مراسلا للتايمز والإندبندنت في الشرق الأوسط لنحو نصف قرن، يكتب في ما يزيد على 1100 صفحة التاريخ الدموي للمنطقة الممتدة من أفغانستان إلى الجزائر، مرورا بإيران والعراق وفلسطين وسوريا ولبنان ومصر. وهو يرسم للمنطقة صورة فاجعة وقاتمة لا تبشر بالخير في المستقبل جراء حملة الغزو الغربي – الإسرائيلي الأميركي البريطاني الفرنسي، وأنظمة الحكم القمعية، وخيانة الحكام المحليين لمصالح الشعوب وانعدام الديمقراطية في تلك البلدان. وهو ينظر بازدراء إلى جميع الزعماء في دول المنطقة أو الدول التي لعبت دورا في ما شهدته من تطورات (ولا يستثني من هؤلاء أحدا غير العاهل الأردني الراحل الملك حسين، والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر). كما يندد بالتحيز والتحريف والمخادعة التي تتسم بها وسائل الإعلام في الولايات المتحدة في عرضها للسياسة الأميركية في الشرق الوسط. ومع أن همفريز يأخذ على المؤلف الإسهاب والإطناب في سرد التفاصيل الدقيقة لحياة الناس اليومية التي عاشها وعايشها فيسك، فإنه ينوه بأهمية مضمون الكتاب وأسلوب روبرت فيسك الصحفي الذي يعتمد في استقصاء الأخبار واستقصاء الأحداث على ما يتداوله الناس العاديون في الأوساط الشعبية أكثر من اعتماده على البيانات الرسمية والمقابلات مع القادة السياسيين. فالمراسل الميداني الحقيقي في رأي فيسك هو الذي يأخذ بالشك العميق مقولات المسؤولين والناطقين الرسميين, خاصة في حالات الصراع الدموية، ويشعر بأن من واجبه أن يبحث عن الحقائق, ويغامر, ويصل إلى قلب الحدث, ويميز بناء على الوقائع على الأرض من هو الجلاد ومن هو الضحية فعلاً كما هو في الميدان وليس كما تقول التصريحات الرسمية. ويقول إنه عندما يقوم الجيش الإسرائيلي مثلاً بإغلاق منطقة ويحظر على الإعلام الوصول إليها فإن ذلك هو ما يجب أن يثير فضول الصحفي، فلو لم يكن هناك ما يريد الجيش التستر عليه لما أغلق تلك المنطقة, ومهمة الصحفي هي الكشف عن ذلك المستور.
وستكون هناك أصوات بالتأكيد تقلل من قيمة فيسك المحلل كما ظهر في الكتاب مقارنة بفيسك الصحفي الجريء الذي قدم الكثير مما لم يجرؤ على تقديمه كثيرون.
وكان الصحفي البريطاني الإيراني الأصل أمير طاهري قد نشر قبيل ذلك في صحيفة الشرق الوسط التي تصدر في لندن تعليقا يقول فيه إن الكتاب يبدأ كمذكرات لمراسل قديم ظل يغطي أخبار الشرق الأوسط، إلا إنه يتحول بسرعة صوب اتهام بريطانيا والولايات المتحدة اللتين يضعهما تحت تسمية واحدة "الأنغلو ـ ساكسونيون" باعتبارهما المصدر الرئيسي للشر في العالم خلال المائة عام الأخيرة. وقد بدأ هؤلاء بوضع أحابيلهم عن طريق تدمير الإمبراطورية العثمانية، حاثين على مذبحة الأرمن، التي سماها بـ "الهولوكست" ليتحركوا صوب السيطرة على الشرق الأوسط، وتكوين إسرائيل، وإقامة أنظمة استبدادية عربية، وتغيير النظامين في أفغانستان والعراق من خلال الغزو العسكري.
يصف فيسك الآيرلنديين باعتبارهم "فلسطينيي أوروبا"، ويشير إلى أنه كلما وجد نفسه محاصرا في مكان ما داخل الشرق الأوسط ادعى أنه آيرلندي. ولأنه يتعاطف مع كل "الشكاوى العربية"، فإن فيسك يتبنى كل نظريات المؤامرة التي تتم حياكتها في المقاهي الممتدة ما بين بغداد والقاهرة أملا باتهام الآخرين على ما لحق بالعرب من مساوئ. فالعرب هم ضحايا لا حول لهم ولا قوة. وكل الزعماء الأميركيين والبريطانيين منذ عام 1914 متورطون في جرائم حرب وجرائم ضد البشرية.
ويتماشى الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير مع تلك التقاليد التي يسميها فيسك بـ"الجرائم اليومية" في أفغانستان والعراق.
ولا تترك طريقة فيسك، كما يقول أمير طاهري، مساحة كافية لدراسة القوى المعقدة التي صاغت الواقع العربي وهذا يشمل تيار القومية العربية والحركات الإسلامية ومختلف الحركات المعادية للاستعمار، وأكثر من نصف قرن من النفوذ السوفيتي.
ويقول طاهري أن فيسك لا يحترم زملاءه الصحافيين الذين ينعتهم بـ "السذاجة" أو "الارتزاق". وعلى ضوء ذلك هاجم في كتابه عشرات المراسلين الأميركيين والبريطانيين متهما إياهم بالكذب أو لأنهم يقومون بنشر البروباغاندا "الأنغلو ـ ساكسونية". بل إنه يتهم حتى مراسل صحيفة الـ "إندبندنت" في القدس بالكذب دعماً لإسرائيل، بالرغم من انه أحد مراسلي هذه الصحيفة، كذلك فإنه ينتقد بقسوة الكثير من الصحف والمحطات التلفزيونية ابتداء من صحيفة "التايمز" اللندنية و"واشنطن بوست" إلى محطتي "بي بي سي" و"سي إن إن"..
ولا تعادل كراهية فيسك لـ "الانغلو ـ ساكسونيين" إلا كراهيته لإسرائيل التي يتهمها بأنها ارتكبت الكثير من جرائم الحرب وجرائم بحق البشرية. ويقول أيضا إن "اليهودية ضد المسيحية والإسلام". غير أن كتابه، كما يشير طاهري، متخم بالأخطاء المتعلقة بالوقائع والناجمة أحيانا عن عدم فهم، بسبب عدم تعوده على لغات المنطقة وتاريخها وسياساتها وثقافتها. فهو يقول إن "نصف القمر هو رمز الإسلام" ويزعم أن الخلافات ما بين الشيعة والسنة هي حول موقع الخليفة علي بن أبي طالب، وتحتل الأخطاء في الأسماء العربية والفارسية والتركية عدة صفحات. |
|
|||||||||||||