العدد 13 - ثقافي | ||||||||||||||
السّجل - خاص لم يكن ممن تترد أسماؤهم في الأخبار والتصريحات الصحفية أو التغطيات الإعلامية، ولم يكن هو من الراغبين فيها أو الساعين إليها أساسا. ولكنه كان في نظر أصدقائه وعارفيه الكثر أكبر من أن تنصفه أية مظاهر دعاوية براقة، وكان وقعه النضالي والفكري في نفوس من عرفوه وفي عقولهم أعمق من جميع ما تحفل به ساحات المجالس الفكرية والثقافية من موجات الهذر والسفاهة والتبجح. كان مثقفا "ابن بلد" وتحديدا " ابن مادبا" التي نشأ فيها، وفيها ترعرع، قبل أن تتكشف أمامه آفاق الفكر العربي والعالمي، وتتبلور في نفسه المنطلقات اليسارية المستنيرة التي تضع نصب عينها مصالح "عامة الناس" وهمومهم، والجذور الشعبية الأصلية الأصيلة في شخصية المواطن العادي. ويعرف عارفوه - ولا سيما من يخالفونه الرأي - أنه على الرغم من يساريته المعلنة قد جعل واحداً من همومه الأساسية أن يبحث عن المنافذ إلى "الآخر"، وأنه، في غياب الإجماع فيما يتصل بالقضايا العامة، إنما يسعى، دونما ضجيج، إلى بناء الجسور ونقاط التلاقي والقواسم الفكرية والسياسية المشتركة مع جميع من تواصل معهم على الأصعدة المحلية والعربية والدولية. وإذا كان منذر قراعين قد عاش بصمت، وعمل بصمت، ورحل في صمت، فإن التقاء ما ينوف على خمسمائة شخص من الأردن، وفلسطين،وأقطار أخرى، لتأبينه في أربعينيته في مادبا في الأسبوع الماضي، إنما يمثل خير دليل على مكانته الفكرية والنضالية في أوساط عارفيه. وان دل مثل هذا التجمع المهيب على شيء، فإنه يدل على أن الخواء السياسي الذي يكتنف حياتنا العامة في هذه الآونة الأخيرة إنما يعود إلى غياب قيادات مستنيرة ونشطة من نوع منذر قراعين، وان عزوف المواطنين عما نشهده من مظاهر التهريج المصلحي أو العشائري لا يعود إلى أصول أصيلة لدى المواطنين، بقدر ما يعود إلى هزال الرموز التي تدعي تمثيله والحديث باسمه. غير أن غياب منذر قراعين، وتكريمه على هذا النحو، من شأنه أن يقنعنا بأن الدنيا مازالت بخير! |
|
|||||||||||||