العدد 1 - أردني | ||||||||||||||
يرقد أحمد، ابن السبعة أعوام، على أحد أسرّة مستشفى الهلال في شرق عمان، يغطي نصف وجهه الشاش بعد أن أصيب بانفجار العام الماضي محى معالم وجهه، وأدى إلى بتر قدمه اليسرى على غرار العديد من المصابين العراقيين الذين شردتهم الحرب ويواجهون مشاكل صحيّة.
يقول والده سلمان: إن خمسة من أفراد عائلته قتلوا في انفجار في تشرين الأول/ أكتوبر في العام الماضي في بغداد. «أما ابني فقد كان عندما وجدته في إحدى المستشفيات الحكومية بلا وجه، وكانت رجله مقطوعة، وبعد عدة عمليات فاشلة أجريت له قررت نقله للأردن».
ومنذ أن اندلعت الحرب عام 2003، نزح إلى الأردن 750 ألف عراقي و400 ألف عراقي إلى سورية وثمانين ألفاً إلى مصر، ونحو مائتي ألف إلى دول الخليج. كما تم تسجيل أكثر من 130 ألف عراقي رسمياً كلاجئين منذ مطلع السنة الحالية في دول جوار العراق.
وتقدّر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن حوالي 40 ألفاً إلى 50 ألف عراقي يغادرون شهرياً.
ويزيد هؤلاء النازحون من الضغوط الملقاة على عاتق خدمات الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات في البلاد التي تستضيفهم.
على أن مشاكل هذا الطفل لم تنته لدى وصوله إلى مستشفى الهلال في كانون الأول / ديسمبر 2006، فقد أجرى له أطباء متطوعون عراقيون متدربون في الولايات المتحدة وآخرون أجانب خمس عمليات على الأقل من بينها سحب عضلة من ظهره وزرعها في وجهه لحالة تعد الأصعب من نوعها.
وأحمد واحد من بين 300 مصاب تمت مـــــعالجتـــــهم حتى الثامن من تشرين الأول / اكتوبر في إطار مشروع «أطباء بلا حدود» الذي بدأ في الأردن خلال شهر آب/أغسطس 2006 يعالج حالات الكسور، وجراحة الوجه والفكين، وجراحة بلاستيكية لعلاج الخلل الوظيفي.
وكان الهلال الأحمر الأردني أبرم اتفاقية العام الماضي مع هذه المنظمة لإجراء عمليات ومعالجة العراقيين الذين يعانون من قلة فرص الحصول على الرعاية الصحية في بلدهم المنكوب.
وقالت فاري بابيز، الناطقة الإعلامية لأطباء بلا حدود :«إن المنظمة تهدف لمعالجة 40 حالة في الشهر من العراقيين الذين تعرضوا لانفجارات وضحايا العنف حتى نمنحهم فرص رعاية أفضل»، لكنها تذكر بأنه في شهر تموز/يوليو الماضي لوحده كان هناك 3000 مصاب عراقي.
وتشير بابيز إلى أن عدد الذين ينتظرون فرصة للعلاج في الأردن على لوائح المنظمة قد بلغ 150 مصاباً. وهناك العديد من العراقيين المتعطلين عن العمل الذين لا يمكنهم دفع تكاليف الرعاية الصحية، لكن هناك منظمات أخرى مثل «كير» و«جمعية الهلال الأحمر الأردني» و«كاريتاس» تقدم خدمات رعاية صحية.
وبينما يتصفح سلمان الأربعين صورة مخزنة على جهازه الخلوي لحالة تطور أحمد الصحية، تستمر هذه المعضلة في العراق لضحايا العنف عندما يذهبون إلى المستشفيات التي هجرها أغلب الأطباء إلى الأردن ودول أخرى، بعد تعرضهم للابتزاز والتهديد بالخطف، أما الأدوية والأجهزة الطبية، فتكاد تكون شبه معدومة. ويقول الطبيب نصر فاضل (43 عاماً)، الذي تخرّج من الولايات المتحدة على الرغم من خبرته في معالجة الجرحى منذ إندلاع الحرب العراقية - الإيرانية مروراً بحرب الخليج الثانية وفترة العقوبات الاقتصادية: «لقد صدمت من عدد ونوعية الإصابات التي رأيتها في الحرب الأخيرة».
وفي العراق، يعتبر الأطباء هدفاً سهلاً لعمليات الخطف والابتزاز، أحد الاختصاصيين العراقيين، الذي كان يعمل أستاذاً في جامعة عراقية، يعتبر أن عملية الخطف الأسهل هي للأطباء حيث تطلق عليهم العصابات اسم الخراف. ويقول: «لقد غادر أغلب الاختصاصيين العراق، فقد سمحت لنا الحكومة بالمغادرة، ودائماً تريدنا أن نعود لكن الحكومة لا تستطيع أن تحمينا».
وكان ستة اختصاصيين أنف وأذن وحنجرة من معارفه قد قتلوا العام الماضي، بينما أصيب اثنان آخران أحدهما بسبع طلقات ونجا من إعاقات شديدة.
وما يزال الأردن والدول المضيفة للعراقيين ينتظران من بغداد دفع مبلغ مالي قدر ه 25 مليون دولار أميركي كانت قد تعهدت به من قبل لمساعدة المدنيين العراقيين المهجّرين، وبخاصة في القطاع الصحي.
وقال هاشم المساعد، ممثل منظمة الصحة العالمية في عمّان: إنّ مؤتمراً نظمته منظمة الصحة العالمية في تموز/يوليو الماضي في دمشق قد طالب المجتمع الدولي بتخصيص 80 مليون دولار للأقطار العربيّة التي تستضيف المهجّرين العراقيين لتقديم الرعاية الصحية لهم.
وقال: نناشد المجتمع الدولي «لدعم كل من الأردن ومصر وسورية»، البلدان التي استقبلت ما يزيد على مليوني عراقي منذ اندلاع الحرب.
وبجانب غرفة أحمد، تستذكر عائدة ابنه 37 عاماً التي جاءت إلى الأردن في آذار/مارس الماضي كيف كانت الناجية الوحيدة في حادث انفجار في القادسية في محافظة النجف الذي أدى إلى مقتل احد عشر شخصاً من ركاب الحافلة بما فيهم ابنها الذي كان يبلغ من العمر سنة وعشرة أشهر.
انفجار القادسية أدى إلى تشوه في وجهها وكسور في يديها وأرجلها وخسارة جنينها.
وما يزيد الطين بلّة، أن زوجها قد هجرها بعد الحادث، ولكن بعد أشهر من العلاج تستطيع عائدة المشي بمساعدة العكازات. |
|
|||||||||||||