العدد 13 - كتاب | ||||||||||||||
«اعتباراً من الآن، وإلى الأبد، فإن كلَّ يوم سيكون اليومَ التالي للحادي عشر من أيلول». كان هذا هو هاجس الرعب الذي تملّك روجر فيريس، عميل الـــ "سي آي إيه"، الشاب الذكي الجسور الذي كان بعض أصدقائه وجيرانه من جملة الثلاثة آلاف شخص الذين قضوا عند تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. وواتته الفرصة عندما كلفه رئيسه «إد هوفمان»، بمطاردة واقتناص الإرهابي «سليمان»، أحد زعماء القاعدة، مهما كان الثمن، وفي أية بقعة من بقاع العالم الواسع. ونكتشف على مدى سبعة وثلاثين فصلاً وأربعمائة وخمسين صفحة أن بقاع العالم الواسع، هي أكثر اتساعاً والتواءً وتعقيداً مما تخيلته وكالة الاستخبارات المركزية وجميع الأجهزة الأمنية الأميركية، وأن مؤلف «حزمة من الأكاذيب»، ديفيد إغناتيوس، الروائي وصاحب العمود الأسبوعي والمختص بتغطية أخبار الشرق الأوسط، في صحيفة «الواشنطن بوست»، خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، قد انتفع بكل جانب من جوانب خبرته الجيوسياسية، في تقصي آثار سليمان والأحداث والوقائع المرتبطة بأنشطته وعلاقاته وتنقلاته، إن روجر فيريس، يعود إلى واشنطن من العراق، حيث أصيب في رجله في أعقاب الغزو الأميركي الأخير، وقد وضع نصب عينيه شعاراً واحداً لا محيد عنه: "إنها الحرب، وأنت جندي، وسيموت كثير من الناس إذا لم تنجز المهمة"، وتبدأ بعدها مطاردته للزعيم الإرهابي في عدد لا حصر له من المدن والمواقع والبلدات: ميلانو، وفرانكفورت، وبرلين، وروما، وجنيف، وأنقرة، وعمان، ودمشق، وبيروت، وأبو ظبي، ونيقوسيا، وحماة، وطرابلس لبنان، ثم عمان في نهاية المطاف. وقد صرح إغناتيوس في مقابلة أجرتها معه صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه فاتح صديقاً له في أمر هذه الرواية، فنصحه الأخير أن يتوجه إلى عمّان ليتعرف جيداً على «الباشا»، مدير المخابرات الأردنية، الذي يسميه «هاني سلام». وهكذا كان. في عمان يكون اللقاء الأول بين بطل الرواية فيرس المتمرس الذي يتحدث العربية بطلاقة، و«الباشا» المتخيل الأنيق المهذب، المثقف، المقتدر المرفه، صاحب السيجار الفاخر، الذي يدلي بين نفثة وأخرى، بعبارات فقهية ولغوية منمقة: «لغتنا هي لغة شعراء لا مهندسين.. وهي ليست كالإنجليزية, لغة ‘نعم‘ و‘لا‘»؛ «نحن بارعون في فن التقية وفي أساليب المخادعة». وفي عمّان، يبدأ تبلور الأحداث، وتتصاعد أجواء التوتر المثير وبوادر التطورات المتلاحقة التي تشكل الحبكة الأساسية لأحداث الرواية، فثمة منافسة خفية غالباً، ومعلنة أحياناً، بين جهازي المخابرات الأردني والأميركي حول أيهما الأكثر معرفة وتغلغلاً في شبكة الإرهاب، والأكثر قدرة على مساعدة الطرف الآخر في تعقّب سليمان. وتبرز في هذا السياق، عدة شخصيات جديدة، إن فيريس المنفصل عن زوجته المقيمة في واشنطن، يتعلق بــِ أليس ملفيل، الأميركية الناشطة في إحدى الجمعيات الخيرية في الأردن، والمتعاطفة مع الفلسطينيين إلى حد دفعه إلى مرافقتها أكثر من مرة لزيارة اللاجئين في مخيم الحسين، إلاّ أنه يفاجأ عند زيارته لشقتها في شارع بسمان، أنها، في ما يبدو، قد اختطفت بعد عراك مع مختطفيها، مخلفة وراءها بقعاً من الدم، ويهب الباشا لنجدته وإنقاذ أليس ويستنفر شبكات من مخبريه لهذا الغرض. ويعتقد فيريس أن رجال القاعدة هم الخاطفون، وأنه هو المستهدف، فيعرض نفسه رهينة مقابل إطلاق سراحها. وبعد رسالة تصله على هاتفه الجوّال، يهرّبه الباشا عبر الحدود إلى سورية في رحلة حافلة بالإثارة والبؤس والفزع وتخترق به دمشق وحماة وحلب إلى حيث تلاقيه في موعد ومكان محددين، جماعة من الملثمين تنقله إلى موقع ناء في بادية الشام يلتقي فيه وجهاً لوجه، مع سليمان الذي يستقبله بكل ترحاب لأنه قد نما إلى علم الزعيم الإرهابي أن فيريس، إنما هو «فارس» الذي كأن أجداده المسلمون قد هاجروا من طرابلس في لبنان إلى أميركا. غير أن الحفيد، المسلم في أعماقه، يقرر العودة إلى جذوره التي يمثلها الآن تنظيم القاعدة الجهادي، وينضم إلى سي. آي.إيه باعتبارها الطريق الأقصر للوصول إلى الزعيم سليمان، غير أن أمر فيريس ينكشف في تلك الليلة. فينقض عليه سليمان ورجاله بضروب من التعذيب الجسدي كان آخرها البدء ببتر أصابعه واحداً بعد الآخر، وعندها، تداهم الموقع قوة كبيرة مسلحة بقنابل الغاز والرشاشات، وتعتقل سليمان وتجهز على رجاله، وتطلق سراح فيريس الذي يعتقد آنذاك أن رئيسه هوفمان وجهاز الاستخبارات الأميركي هم الذين خططوا ونفذوا عملية إنقاذه واعتقال سليمان. وعند هذا المنعطف، يبدأ القارئ بالتهام الصفحات ليعرف الإجابة عن فيض من التساؤلات: ترى، من هو المدبر الحقيقي لكل هذه الأحداث؟ ومن هو المخادع الأكبر الذي رتب لاختطاف أليس، بل إخفائها، وأوصل فيريس إلى موقع سليمان الصحراوي بعد ما أوهم الأخير أن عميل الاستخبارات الأميركي ذاك إنما هو شاب عربي سُنّي عائد إلى حظيرة أجداده؟ ومن القادر على تزويد فيريس برادار بحجم الولاعة يمكِّن من معرفة مكانه وإنقاذه أينما كان على وجه المعمورة؟ ومن هو الذي يرتب لأليس، وهي من أعوانه أساساً، أن تزور حبيبها في المستشفى الذي نقله إليه في طرابلس ويعود بهما في طائرة خاصة إلى عمان؟ ربما كان وجه الجدّة في «حزمة من الأكاذيب» هو اتخاذ الكاتب للأردن مسرحاً رئيسياً للأحداث واعتبار «الباشا» هاني سلام، مدير المخابرات المفترض، الشخصية المحورية في الرواية. وربما كان في ذلك ما يستهوي جانباً من القراء العرب، ولا سيما الأردنيين. فالرواية تُعلي من شأن المخابرات ومن قدرتها الاستقصائية والعملياتية - داخل الأردن وخارجه على حد سواء - لتحقق قصب السبق على نظيرتها الأميركية في مكافحة الإرهاب. ولا بد من الإشارة،من جهة أخرى، إلى أن ديفيد إغناتيوس، لا يكاد يرقى، في فنه القصصي وقدرته على تطوير الحبكة الروائية إلى مستوى كُتّاب غربيين آخرين، عالجوا موضوعات مخابراتية أو تجسسية مشابهة، مثل جون لوكاريه (مؤلف «الطبّالة الصغيرة» The Little Drummer Girl)، وغريهام غرين («صلب المسألة» The Heart of the Matter) على سبيل المثال، فالفصول الثلاثة الأخيرة من «حزمة من الأكاذيب» التي تروي قصة زواج فيريس وأليس، وعيشهما فيما بعد «في تبات ونبات»، وما إلى ذلك، هي من باب لزوم ما لا يلزم، بل إن تلك الفصول أفسدت طابع المفاجأة الذي تختتم به جميع التطورات في الرواية. وعلى الرغم من ولع إغناتيوس بالتفاصيل الجغرافية والتاريخية، فإنه يقع في كثير من الأخطاء والهفوات؛ فالجيش البريطاني، على سبيل المثال، لم ينسحب في الحرب العالمية الثانية من دنكيرك العام 1939، بل العام 1941، والناظر من أية بقعة في عمّان أو الغور في أمسية صافية لا يمكنه أن يشاهد أضواء القدس؛ والبتراء لم يبنها الرومان بل الأنباط، والقبة الذهبية لا تغطي المسجد الأقصى بل الصخرة المشرفة. غير أن إغناتيوس كان بلا شك، واعياً تماماً للمسحة الهوليوودية المثيرة في الرواية التي تصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعاً ورواجاً بعد صدورها عام 2007، إذ يجري الآن، في المغرب، تصوير «حزمة من الأكاذيب»، فيلماً سينمائياً من إخراج ريدلي سكوت (مخرج «مملكة السماء»)، ويقوم بدور روجر فيريس فيه ليوناردو دي كابريو (التايتانيك). |
|
|||||||||||||