العدد 13 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

قبل أن يغرب حزنها على وفاة والدتها عن أكتافها، التحقت بموقع جديد،

يضيف إلى مسيرتها المهنية المرموقة، سطراً جديداً.

كان من الصعب أن يتنبأ أحد بأن الطفلة التي رأت النور في الكويت، وامتازت بالخجل والتردد والحساسية الشديدة، كما تروي مقربة منها، أن تحقق ما حققته، وتحتل أرفع المناصب أردنياً ودولياً، وتصبح رمزاً بارزاً للمرأة العربية.

أنهت ريما خلف الهنيدي، دراستها الثانوية في عمان، مطلع السبعينات من القرن الماضي، وشدت الرحال وراء طموحها الكبير إلى الجامعة الأميركية ببيروت، والتحقت بكلية الاقتصاد التي نالت منها درجة البكالوريوس في العام 1976. وفي الجامعة نفسها، تعرفت بالرجل الذي صار زوجها رجل الأعمال هاني الهنيدي.

تلك الفترة الصعبة، التي شهدت بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، والمأزق الذي وجدت الثورة الفلسطينية نفسها تراوح فيه، تركت أبلغ الأثر في تركيبتها الفكرية، ووسعت من مداركها السياسية. وهي التي وعت السياسة مبكراً، فقد كانت في يفاعتها قريبة من حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح».

لم ينته طموح التعلم عند ذلك الحد، فلم تلبث أن سافرت الى الولايات المتحدة وحازت على شهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعة بورتلاند في العام 1984.

بعيد عودتها إلى أرض الوطن، التحقت بالعمل في وزارة التخطيط مطلع العام 1985، حيث ظهرت مواهبها، وترقت لتصبح مديرة دائرة الدراسات والتخطيط، ثم انتقلت للعمل مديرة لدائرة المراكز التجارية، فمديرة لدائرة تشجيع الاستثمار.

الخطوة التي تلت مسيرتها المهنية يعزوها مطلعون إلى اكتشافها من قبل مكتب ولي العهد آنذاك، الأمير الحسن بن طلال، من جملة شبان طموحين وواعدين، وهي أصلاً مؤهلة لها. واعتبرت في عقد التسعينات واحدة من فريق اقتصادي قريب من مكتب الأمير.

وعلى خطى والدها المهندس محمد خلف الذي تولى الوزارة مرتين مطلع السبعينات، كانت الأولى في حكومة وصفي التل الخامسة التي تشكلت في تشرين الأول 1970. اختيرت في العام 1993 وزيرة للصناعة والتجارة في حكومة عبد السلام المجالي الأولى التي وقعت معاهدة السلام مع إسرائيل.

عادت في التشكيلة الوزارية لحكومة زيد بن شاكر الثالثة، بحقيبة التخطيط، وهي ليست بعيدة عن تخصصها وخبرتها، واستمرت في منصبها في حكومة عبد الكريم الكباريتي التي تشكلت في العام 1996، كما هو الحال في حكومة عبد السلام المجالي الثانية التي اعقبتها 1997.

عند تشكيل حكومة عبد الرؤوف الروابدة العام 1999، اختيرت نائباً لرئيس الوزراء ووزيرة التخطيط، لكنها لم تلبث أن اختلفت مع الروابدة، وتركت منصبها لا تلوي على شيء.

يكشف موظف كبير عمل معها السبب الحقيقي للخلاف بأنه أولاً اختلاف في النهج والرؤية الاقتصادية، وثانياً لأنها قررت التمديد لموظف في وزارتها جاوز سن التقاعد والروابدة رفض.

يتهمها خصومها بأنها كانت «منفذة» أكثر من أن تكون خلاقة في كثير من مناصبها، وأن جهدها انصب على عرض الأفكار، دون أن تثبت قدرتها على تطبيقها، فيما يرى مؤيدوها «أنها كانت خلاقة في مواقعها، برأي سديد ومعرفة اكيدة وجرأة في الطرح».

لم تغرب الشمس عن ريما بتركها آخر منصب حكومي تولته، كما هو حال كثيرين، فسرعان ما انتقلت للعمل في المسرح العالمي أميناً عاماً مساعداً ومديراً إقليمياً لمكتب الدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. حيث برزت وأبدعت، ما دعا كاتبة أردنية الى اعتبارها فخراً للنساء العربيات.

يصفها مقرب عمل معها في وزارة التخطيط وفي المنظمة الدولية بأنها «على درجة كبيرة من الحرفية في جميع الأمور ذات العلاقة بالاقتصاد السياسي، مجتهدة جداً ومتعبة في العمل، لكنها تحرص على أن يشعر من يعمل معها بأقصى درجات الراحة النفسية».

المقرب المشار إليه ينفي أيضاً شائعة أطلقها عليها البعض بهدف التشكيك في ولائها للأردن، مؤكداً أنها من أكثر الناس إخلاصاً وانتماء، وأنها تدافع عن الأردن والعرب في كل المحافل الدولية.

أثار «تقرير التنمية البشرية» العربية لعامي 2002 و2003م الذي أشرفت ريما خلف على إصداره جدلاً كبيراً، وتعرضت لهجوم كبير على اعتبار أن التقرير «نشر غسيلنا في الخارج» دون أن يلتفت منتقدوها إلى أن الصمت على تفشي الفقر والجهل دفن للرؤوس في الرمال.

أبرز ما جاء في التقرير أنه تحدى القيادات العربية للتغلب على ثلاث عقبات أساسية للتنمية الإنسانية بتخفيف القبضة على الحريات، منح الحقوق للمرأة، وإشاعة المعرفة في المنطقة.واستمرت ريما بعملها في تحليل شؤون التنمية في المنطقة، وقّدمت مبادرات ريادية بما يخص أمور التعليم العربية واكتساب المعرفة و النمو الاقتصادي.

من صفاتها بحسب المقرب ذاته أنها «عنيدة في الحق» ويضرب مثلاً بأن «الولايات المتحدة وإسرائيل ضغطتا كي لا ينشر تقرير التنمية البشرية، ما دفعها للتمسك بنشره، مؤكدة أنه إذا لم يصدر عن الأمم المتحدة فستنشره من خلال أي منبر آخر».

قبلت مؤخراً العمل بمنصب المديرة التنفيذية لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، من ضمن عدة عروض إنهالت عليها، ورفضتها لاعتبارين: مرض ووفاة «ست الحبايب» المفاجئ، وهي الأقرب لها، كونها الوحيدة بين ولدين. ورغبتها بالتأكد من جدية المؤسسات التي تسعى لاستقطابها.

بعيداً عن هموم الاقتصاد والتنمية وهموم العمل، تتبدى إنسانيتها بشكل غامر بعلاقتها بعائلتها، وحبها واحترامها لزوجها، وعاطفتها تجاه ابنيها خليل وعمر، كما تتبدى في أوقات الشدة، خصوصاً حين أصيب أحد ولديها بحادث، وحين وفاة والدتها. تصفها مقربة منها بأنها «أنيقة بلا مبالغة، قريبة للقلب، «رايقة»، تتحدث بهدوء إنما بتصميم، وتعرف ما تريد، تتسم بالديمقراطية، وتمقت الواسطة والمحسوبية، وتهزها الوردة، وتستوقفها».

ريما خلف: التفوق دون جلبة..
 
14-Feb-2008
 
العدد 13