العدد 13 - أردني
 

جمانة غنيمات

يحتدم الجدال حول حقيقة وجود خطر محدق بملاءة مؤسسة الضمان الاجتماعي فيما تتأرجح المواقف من تعديل قانونها بين رافض للتخلي عن «حقوق مكتسبة» وتعديل أسس التقاعد المبكر، ومؤيد يرى فيه مخرجا وحيدا «لإنقاذ» صندوق التقاعد الأهم والوحيد خارج مظلة الحكومة.

بين المؤيدين والمعارضين يصرّ طرف ثالث على أن وضع كبرى المحافظ الاستثمارية في المملكة مريح ولا يستدعي عملية جراحية تشريعية بهذا الحجم.

اللافت أن الجدال بين مختلف أطراف المجتمع ومؤسسة الضمان حول هذا القانون الذي يتعلق بجيوب الناس ومستقبل أجيالها، يدور بدون صخب بعكس حوارات سابقة حول قوانين لا سيما السياسية المتصلة بالأحزاب، الانتخابات، والاجتماعات العامة التي اتسمت بالصخب والغضب، وترتكز - في جوهرها - على تراشق الاتهامات.

الأسباب الموجبة للتعديل

مشكلة الضمان الاجتماعي، كما يلخصها مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي عمر الرزاز، تكمن في أن القانون القديم لم يحدد سقفا للاشتراكات والرواتب مما أدى إلى فرز فئة من المشتركين برواتب مرتفعة بلغ أعلاها 14 ألف دينار شهريا (يساوي راتب مئة متقاعد رواتبهم 140 ديناراً شهرياً) مما أدى إلى استنزف أموال المؤسسة.

بحسب أرقام المؤسسة "1 بالمئة من متقاعدي الضمان تزيد رواتبهم على ألف دينار، عددهم 1691 مشتركاً (منهم 1049 تقاعد مبكر) ويحصلون على 9 بالمئة من إجمالي قيمة الرواتب الشهرية وقيمتها 22 مليون دينار تتوزع على 100 ألف متقاعد.

بمعنى أن" أكثر من 98 ألف مشترك يحصلون على 19 مليون دينار فقط"، فيما "يحصل 1691 مشتركاً على ثلاثة ملايين دينار شهريا".

في المقابل، يحصل 75 بالمئة من متقاعدي الضمان على راتب أقل من 200 دينار، فيما تقل رواتب 95 بالمئة من المتقاعدين عن 500 دينار.

ويقول الرزاز أيضا ساهم التهافت على التقاعد المبكر في استنزاف جزء من أموال الضمان لا سيما أن 75بالمئة من متقاعدي الضمان ضمن معدل سن تقاعد 52 سنة يتركزون في هذا النوع من التقاعد مما يهدد المركز المالي للمؤسسة.

بلغ عدد من تقاعدوا مبكرا العام الماضي 5441 متقاعداً من أصل 7426 متقاعداً. كما ارتفعت قيمة رواتب تقاعد المبكر لتقارب 9ر1 مليون دينار شهريا فيما تدفع المؤسسة 750 ألف دينار لمتقاعدي الشيخوخة.

ومن الأسباب الموجبة للتعديل، بحسب الرزاز، تدني معدلات الرواتب وثباتها النسبي خلال العقود الماضية، مشيراً إلى أن بند ربط الرواتب بالتضخم سيساهم في تحسين الرواتب للمتقاعدين بما يتواءم مع نسب ارتفاع الأسعار سنويا.

بحسب النتائج الأولية للدراسة الإكتوارية السادسة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، يقترب الضمان الاجتماعي من ثلاث محطات حاسمة:

تراجع الإيرادات التأمينية أمام النفقات التأمينية والإدارية العام 2017، تساوي الإيرادات التأمينية والعوائد الاستثمارية مع النفقات التأمينية والإدارية العام 2028 والأخطر من ذلك بلوغ نقطة نفاذ الصندوق بدءا من عام 2038.

وجدت الدراسات أن البديل عن تعديل قانون الضمان لتفادي الخسائر الكامنة يكمن في رفع نسبة الاشتراك الشهري من 16،5 إلى 27 بالمئة، الأمر الذي لا يوافق عليه الرزاز كونه يرفع قيمة الاقتطاع من رواتب المشتركين إلى ثلث قيمته تقريبا.

الرزّاز يؤكد أن الدراسات الاكتوارية تتوقع تفاقم استنزاف موجودات الضمان مستقبلا نتيجة زيادة عدد المتقاعدين مقابل سجل المشتركين.

فبينما كانت نسبة المتقاعدين إلى المشتركين 1 إلى 10 العام 1980، ارتفعت إلى 7-3 العام 1990 ثم 5-5 العام الماضي وصولا إلى متقاعد واحد لكل مشترك العام 2050، حسبما يشرح الرزاز.

لكن رئيس نقابة العاملين في المناجم والتعدين خالد الفناطسة، يرى أن السلطة التنفيذية تعمّدت ترحيل "أزمة" تختمر في هياكل الضمان منذ سنوات لحين "تسويق مشاريع الخصخصة والتخلّص من بطالة مقنّعة في العديد من الشركات".

الخبير الاقتصادي ثابت الور يعتبر من جانبه أن "تواتر خلع إدارات الضمان" ساهم أيضا في تأخير مواجهة هذا الاستحقاق.

ويرى الور أن "التغيير ليس ترفا بل ضرورة لحماية أموال المشتركين وضمان استمرارية المؤسسة حصانة للأجيال القادمة من خلال وضع حد أعلى للرواتب لوقف المنافع السخية التي حققها البعض من خلال التقاعد المبكر".

ويذّكر بأن شركات المساهمة العامة تمتعت ب"استثناءات من خلال القانون القديم" متوقعا أن يوقف التعديل "هدر أموال مؤسسة ظلّت بوابة خروج الحكومات من الأزمات خلال الحقبة الماضية".

سطوة الحكومة

الور الذي يرى أن التعديلات "تأخرت سنتين" يطالب بتقليص تدخلات الحكومة بالمؤسسة كما يرى أن ربط محافظ الضمان برئيس الوزراء بدلا من وزير العمل يعزّز استقلالية المؤسسة.

ويتفق عضو مجلس إدارة الضمان الأسبق فتح الله العمراني مع الور بأن المؤسسة لن تواجه مأزقا في المستقبل في حال أقر القانون الجديد. ويصف العمراني الحراك الحكومي "بالتهويل".

يحمل الطرح نفسه الرئيس الأسبق لنقابة العاملين في النقل الجوي خليل حياصات الذي يرى أن "آليات التضامن الحالي لا ترتقي إلى مستوى التضامن بل تدور حول تكافل، مذكرا بأن مفهوم الضمان الاجتماعي يقوم على مساهمة أطراف العملية الإنتاجية (العامل، أصحاب العمل، الحكومة)".

يعتبر حياصات أن المؤسسة لا تعيش أزمة لافتا إلى أن المسألة ترتبط بعدم "قيام أطراف الإنتاج بدورهم الحقيقي" كما أن "عدم الالتزام بمواد القانون النافذ أوصلت الضمان إلى هذه المرحلة".

مدير عام الضمان يؤيد موقف الور من مبدأ الاستقلالية، مؤكدا أن القانون الجديد اجترح منصب محافظ يعينه مجلس الوزراء مدة خمس سنوات على أن يربط برئيس الحكومة.

ويلفت الرزاز إلى أن جزءاً مهماً من التشريع الجديد اخضع محافظ الضمان ونائبيه (الاستثمار والتامين) للمساءلة وركز على مبدأ الحاكمية والشفافية في إدارة محفظة الضمان لإعطاء المزيد من الحصانة للقرار الاستثماري من خلال الإفصاح عن جميع القرارات الاستثمارية والجدوى الاقتصادية منها للحفاظ على أموال المشتركين. ويؤكد الرزاز أن الأزمة تختمر "منذ سنوات ولم تكتشف فجأة" لافتا إلى أن التغييرات المطروحة "تنبع من ست دراسات اكتوارية" آخرها العام 2002.

على أن جذور المشكلة تسبق ذلك التاريخ بسنوات، بحسب الرزّاز الذي استلم منصبه في منتصف 2006.

الخلل يتمحور منذ العام 2000 حول التقاعد المبكر ومعادلة احتسابه. الرزّاز يقول إن متقاعدي الشيخوخة "يصرفون على أصحاب الضمان المبكر" الأمر الذي يتنافى مع منطلقات الضمان الأساسية.

ويصر على اقتراب المؤسسة من مرحلة حرجة تحتاج إلى عملية جراحية، مع اتساع مشكلة الرواتب الفلكية منذ أربع سنوات لتصل لدى البعض إلى عشرات آلاف الدنانير.

ويستذكر مدير عام الضمان الاجتماعي تنبيها عن مجلس الأعيان العام 2001 بوجود مشكلة تراكمية في هذه المؤسسة التي أنشئت العام 1978.

الأجندة الوطنية نبهّت أيضا إلى مأزق الضمان، حين أطلقت قبل أربع سنوات كاستراتيجية شاملة لقطاعات ومسارات التنمية خلال العقد المقبل. كذلك توقعت هيئة "كلّنا الأردن" أن يحدق عجز مالي بالمؤسسة.

لذلك المطلوب بحسب الرزاز "تغيير القانون وليس سد الثغرات والتعديل".

يضاف إلى ما سبق، أن التحدّي الأكبر أمام الضمان يكمن في إدارة محفظته بطريقة علمية ومدروسة حتى "لا نقامر بمستقبل الأجيال القادمة" بحسب رأي مسؤول حكومي.

ويدعو المسؤول، الذي لم يشأ الإفصاح عن هويته، "إلى إدارة المحفظة بأسلوب غير موجه، وإبعادها عن الاستثمار في مشاريع غير مجدية".

تشكيك في الدراسات

السجال حول قضية الضمان يأتي وسط تشكيك في معايير الدراسات الاكتوراية خصوصا ما يرتبط بمتوسط عمر الفرد الذي يحتسب بموجبه "معيار المنفعة" أحد عناصر الحسبة.

المشكّكون في الدراسات يرتكزون إلى الحديث النبوي "أعمار أمتي بين 60 و70 عاما" بخلاف ما توصلت إليه الأرقام الرسمية أن معدل عمر الفرد بحدود 72 عاما.

لكن الرزاز يؤكد أن المعادلة الرئيسية لاحتساب التقاعد تقسم إلى قسمين: الفترات التي يخضع فيها الفرد للضمان والسنوات التي يحصل فيها على راتب تقاعدي.

في الأردن يدفع الفرد اشتراكا شهريا لمدة 18 سنة يسدّد خلالها 5،5 بالمئة فيما يدفع عنه صاحب العمل 11،5 بالمئة. بعد انتهاء الخدمة تقدم المؤسسة رواتب تقاعدية لمدة 40 سنة يأخذ خلالها على الأقل 60 بالمئة من متوسط الراتب آخر سنتين. يشدّد الرزّاز على أن معادلة الضمان ركن من أركان الأمان المجتمعي. إلى جانب ما اصطلح على تسميته "السطو على استثمار أموال الضمان" يقدم حياصات طرحا آخر يؤكد فيه أن المؤسسة لا تعيش أزمة لافتا إلى أن المسألة ترتبط بعدم "قيام أطراف الإنتاج بدورهم الحقيقي" كما أن "عدم الالتزام بمواد القانون النافذ أوصلت الضمان إلى هذه المرحلة".

"فحين تلعب الحكومة دور المراقب أو المشرف، يفرغ الضمان من دوره لتنتفي عنه صفة الضمان الاجتماعي العالمية لا سيما وأن دافعي الضرائب يستحقون مقابل الضرائب التي يدفعونها شيئا من الدعم في هذا المجال"، حسبما يرى حياصات. إلى ذلك يرى أن أصحاب العمل يستبدلون مكافأة "نهاية الخدمة" بالنسبة المطلوبة منهم لتغطية ضمان العاملين لديهم. وبذلك "تنحصر مساهمة هذه الفئة في ضمان العامل بنسبة إصابة العمل البالغة 2 بالمئة".

كما ينتقد أيضا تركيبة مجلس الضمان الاجتماعي الحالية معتبرا أنها "لا تمثّّل جميع الشرائح، إذ تستثني الصيادلة والمهندسين والأطباء فيما تقتصر على أربعة ممثلين للحركة العمالية التي لا تعكس وجهة نظر جميع الأطراف". يختلف النقابي السابق مع مؤسسة الضمان التي تؤكد أن تأخير سن التقاعد المبكر لا يحل مشكلة البطالة، لافتا إلى أن الخروج المبكر من سوق العمل يشكل استثناء وليس قاعدة في الأردن، كما أن معظم من يتقاعدون مبكرا يذهبون للبحث عن فرصة عمل أخرى.

تأمينات جديدة

الرزّاز يؤكد إدخال تأمينات البطالة، الصحة والأمومة ضمن التشريع الجديد لافتا إلى أن تأمين "الأمومة" سيسهم في زيادة نسبة المرأة في سوق العمل، علما أنها في حدود 14،5 بالمئة حاليا.

يعزف أصحاب عمل عن توظيف فتيات حتى لا يتكفلوا بإجازات الأمومة و/أو مرضية متكررة. مشروع القانون يوزع حمل إجازات الأمومة على شبكة المشتركين في الضمان.

أول تعديل على أسس التقاعد المبكر أدخل العام 1982 حين رفع شرط سنوات الخدمة من 15 إلى 18 عاما مع الإبقاء على شرط عتبة العمر عند 45 عاما. يفترض أن يرتفع عمر المشترك إلى 48 عاما.

أعمال شاقة

يوصي حياصات بإحداث تمييز في التقاعد المبكر لمصلحة العاملين بالأعمال الشاقة أو التي تصنف تحت بند "أعمال خطرة" مثل مناجم الفوسفات والإسمنت. كذلك ينتقد تقليص الرواتب عبر زيادة قيمة معامل المنفعة (ثلثا متوسط عمر الفرد) ليرتفع من 40 عاما إلى 50 عاما.

الرزّاز يتحدث من جانبه عن صعوبة في تصنيف "الأعمال الخطرة" إذ تطالب عدة مهن بإدخالها ضمن هذه الخانة، معتبرا أن التجربة العالمية أثبتت صعوبة فتح الباب أمام مثل هذا التصنيف. في المقابل يتوسع التشريع الجديد في منح تسهيلات لمن يتعرض لإصابات عمل أو أمراض ناشئة عن العمل، وذلك بموجب توصية لجان مرجعية، حسبما يضيف الرزاز.

توسيع مظلة الضمان

يقرّ الرزاز بأن الحكومة لا تساهم بدعم اشتراكات الخاضعين للضمان مذكرا بأن القاعدة العالمية تنص على أن الحكومات تساعد الشرائح الفقيرة وليس الفئات التي تسعى للحصول على التقاعد المبكر.

عرضت المؤسسة على الحكومة توسيع مظلة المشمولين بالضمان الاجتماعي من "خلال تأسيس صندوق خاص لهذه الغاية أو من خلال صندوق المعونة الوطنية"، الذي تخصص له الحكومة 70 مليون دينار سنويا. يكشف تقرير حكومي أعد العام الماضي عن أن 55 بالمئة من الشركات لا تساهم في استكمال التغطية للعاملين لديها، ما ينقل العبء على الفرد.

يحث التقرير القطاع الخاص على إنشاء صناديق تقاعد جديدة بمشاركة شركات تأمين ضمن ضوابط تنظيمية واضحة ووضع استراتيجية لإصلاح أنظمة التقاعد وضمان استدامة ومتانة المركز المالي للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي.

بينما يشير التقرير إلى أن 60 بالمئة من القوى العاملة المقدرة ب مليون و 300 ألف شخص، غير مشتركة بالضمان الإلزامي، يتوقع التقرير ارتفاع نسبة التغطية إلى 65 بالمئة العام 2012 و75 بالمئة 2017 إذا ووجهت التحديات والاختلالات الحالية.

الخبير الاقتصادي طلال الحلواني يرى أن نسبة "عدم الاشتراك في الضمان عالية لأن أرباب العمل لا يظهرون بياناتهم الحقيقية ويتهربون من إخضاع العاملين لديهم للضمان الاجتماعي عبر تخفيض عدد العمال دون الخمسة"، شرط الاشتراك في الضمان.

هذه المعادلة "لم تنجم عن قصور في التشريع بل من ممارسات الأفراد، وضعف المتابعة لجهة تطبيق القانون والالتزام به"، حسبما يضيف الحلواني.

ربط الرواتب بالتضخم

في الوقت الذي تشكك بعض الجهات بالتزام المؤسسة بربط الرواتب بالتضخم سنويا يؤكد الرزّاز أن مشروع القانون نص على الربط شرط أن لا تتجاوز قيمته الـ 20 ديناراً شهرياً. ينبّه إلى أن عدم ربط الراتب التقاعدي بالتضخم، سوف يقلص من مداخيل المتقاعدين، ما يعني- بحسب الرزاز- "أن أصحاب الرواتب المتواضعة ينفقون على التقاعد العالي".

يرفض الرزاز الأصوات التي تطالب بتثبيت "الحق المكتسب" لافتا إلى أن المراجع القانونية حصرت هذا الحق بمن استحق معادلة التقاعد قبل تطبيق القانون الجديد.

وزير عدل أسبق يؤيد موقف الرزاز في حول النقطة ويقول إن التراجع عن الحق المكتسب سيخلق مشكلة قانونية.

على أي حال تنص المادة 95 من القانون المعدل على أن "كل من انطبقت عليه شروط التقاعد المبكر" قبل سريان القانون وحتى نهاية العام الحالي لا يخضع لمعادلات القانون الجديد. بين الأصوات المؤيدة والمعارضة تتجه الحكومة وإدارة الضمان إلى اعتماد مشروع القانون الجديد بأسرع وقت تحاشيا لوقوع كارثة مستقبلية.

الوضع الآن دخل مرحلة الخطر، بحسب الرزّاز. فبينما تقدر موجودات وسيولة الضمان بخمسة مليارات دينار، على هذه المحفظة استحقاقات آنية تصل إلى 20 مليارا فيما لو تقرر صرف رواتب ودفع استحقاقات للمشتركين.

كي لا ينفق فقراؤنا على أغنيائنا وللحد من “استراحة منتصف العمر”: تعديلات الضمان استحقاق إنقاذي .. متأخر
 
14-Feb-2008
 
العدد 13