العدد 12 - أردني
 

جهاد عواد

تخلّى «عتاقى» المجلس النيابي عن دورهم القيادي التقليدي حين آثروا الابتعاد عن «خط النار» في معركة الأسعار ربما لأول مرّة منذ هيمنتهم على سدّة المجلس منذ عام 1989.

تجلّى «الإنحناء» بغياب الخطابة أو المداخلات النارية تحت القبّة لدى مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2008 المتضمن زيادة أسعار المشتقات النفطية.

ولوحظ أن رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، عبد الكريم الدغمي، ممدوح العبادي، سعد هايل السرور، منير صوبر ومحمد أبو هديب ابتعدوا عن منبر الخطابة ما آثار تساؤلات لدى نواب سابقين.

في موازاة ذلك، لم يسلم «القادمون الجدد» من سهام «العتاقى» إذ تعرضت أساليب مناقشاتهم ومضامين مداخلاتهم لانتقادات النواب المخضرمين.

النائب والوزير اليساري السابق مصطفى شنيكات يرى أن إحجام النائب مهما كان عن إفصاح وجهة نظره «في أمور مصيرية يعتبر هروبا غير مبرر، ولا يرتقي بالمجال الرقابي للمجلس»، مشيرا أن «النقاش لا ينحصر بالقضايا التشريعية وإنما بالرقابية أيضا».

ويعتبر شنيكات أن «تفويت فرصة مناقشات الموازنة والثقة هروب من استحقاقات تهم المواطنين». ويقول: «ليس مهما أن يحجب النائب الثقة أو يرفض القانون أو يوافق عليه بقدر أهمية قول رأيه في ما يعرض على المجلس النيابي».

إلى ذلك يؤكد أن «زعماء الكتل والأحزاب في برلمانات عريقة لا يفوتون هكذا فرصة للحديث حول أمور تخص الوطن والمواطن وإسماع مواقفهم سواء كانوا مؤيدين أو معارضين للحكومة».

وبينما يتساءل عن دور قادة الرأي والفكر والموقف، يرى شنيكات «اعتلاء المنبر لا يمثل حالة ترف فكري أو فسق نيابي وإنما إرساء لتقاليد برلمانية راسخة، على قاعدة أن (العتاقى) يتحملون مسؤولية منح مجلس النواب شكل، ولون، ودور».

الدستور الاردني «منح النواب الحق في الرقابة والتشريع ومتابعة أداء الحكومة بالوسائل كافة»، بحسب شنيكات الذي يذكّر بأن النيابة «موقع سياسي وليس ترفا. ومن هنا فإن ما يقوله النائب يمكن أن يتفق معه آخرون، ويختلف مثلهم».

إلى ذلك يخاطب شنيكات النائب «المفتاح»: «عليك كقائد انتخبك المجتمع أن تقول رأيك بالشكل الذي يعبّر عن موقفك وأن لا تغيب في مواقف مثل الموازنة والثقة».

النائب السابق محمد البزور يرى من جانبه أن «على النائب قول وجهة نظره فيما يطرح على المجلس وبخاصة إذا كان المعروض قانون بأهمية الموازنة»، معتبرا «أن من أهم واجبات النائب اتخاذ موقف سواء إيجابا أو سلبا وعدم الانكفاء».

ويدعو البزور إلى استغلال فرصة تقديم وجهة النظر في قضية معينة «وتحديدا النواب القدامى الذين تقع عليهم مسؤولية الارتقاء بمستوى مجلس النواب والتقدم به إلى الأمام».

تعدّدت دوافع إحجام النواب عن الحديث لدى مناقشة مشروع قانون الموازنة. فالنائب عبد الهادي المجالي اعتاد بسبب كونه رئيسا للمجلس أن لا يلقي كلمة سواء في الثقة أو المناقشة ويستعيض عن ذلك بالكلمة التي تلقيها الكتلة التي يترأسها. الدغمي لم يحضر كامل مناقشات الموازنة. أما السرور وأبو هديب والعبادي فلم يخاطبوا المجلس رغم أنهم لم يتغيبوا عن المناقشات منذ اليوم الأول.

ويرى النائب أبو هديب أن الكلمة التي ألقيت عن كتلة التيار الوطني (60) نائبا التي ينتمي إليها كانت تعبّر عن وجهة نظره، وبالتالي «لم ير ضرورة لخطاب منفصل للحديث عن قضايا خدماتية صرفة».

العبادي، نائب رئيس مجلس النواب، يرى من جانبه أن «الكلام الذي القي في المناقشات بلا فائدة». ويتابع :«جميع الكلمات التي ألقيت لم تقدم أو تؤخر شيئا»، لافتا إلى أنه «قدّم مقترحات وناقش أفكارا حين كان مشروع القانون لدى اللجنة المالية والاقتصادية في المجلس». العبادي ليس عضوا في تلك اللجنة التي يرأسها خليل عطيّة.

ومنحت الكتلة بكامل اعضائها موافقتها للموازنة باستثناء النائب ناريمان الروسان التي امتنعت عن التصويت، وذلك بعد انه اخذت وعدا حكوميا بالتدرج في رفع سعر اسطوانة الغاز وتاجيل رفع الدعم عن الاعلاف الى الاول من نيسان، ما اعتبرته الكتلة انجازا لها.

أما سعد هايل السرور فلم يتسن الوصول إليه إذ أنه لا يجيب على هاتفه رغم تعدد اتصالات (السجل) به لأكثر من 50 مرة، فيما اكتفى النائب منير صوبر بالمخالفة التي قدمّها كونه عضوا في اللجنة المالية والاقتصادية.

كان صوبر اعترض على قرار «مالية النواب» المتضمن تخفيض النفقات الرأسمالية بمقدار 70 مليون دينار، معتبرا أن ذلك سيؤثر على فرص التشغيل، شق الطرق وإقامة مستشفيات وعيادات صحية.

أيد النواب مخالفة صوبر وبالتالي رفضوا كامل توصية اللجنة المالية المتضمنة تخفيض النفقات بمقدار 120 مليون دينار، رغم أن خطاباتهم انصبت باتجاه تقليص النفقات.

بخلاف مشاركته بخطاب انتقادي لاذع أثناء جلسات الثقة بالحكومة لم يلق رئيس الوزراء الأسبق الروابدة كلمة أثناء مناقشات الموازنة واكتفى برفضها حاجبا صوته. وهو الذي منح الحكومة الثقة قبل شهرين، رغم أن برنامجها الاقتصادي هو ذاته الذي تقدمت به لنيل ثقة النواب.

وافق على الموازنة من «العتاقى» الذين لم يتحدثوا خلال المناقشات السرور، العبادي، أبو هديب، صوبر فيما رفضها الروابدة وغاب بداعي السفر النائب عبد الكريم الدغمي.

وشهدت أروقة مجلس النواب طوال مناقشات الموازنة انتقادات من نواب «عتاقى» لأسلوب مناقشات زملائهم «الجدد» وطريقة التعامل مع الموازنة، معتبرين أن ما يناقش تحت القبة بعيد عن المناقشات الحقيقية للموازنة أو لحكومة مقبلة على رفع الأسعار. ويرفض نواب تحدثوا عن ذلك التصريح بأسمائهم خوفا من حساسية زملائهم.

رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي دعا في تصريحات سابقة إلى تقليل مساحة الخطابة تحت القبّة وتجيير النقاشات إلى قاعات اللجان المختصة في مختلف قطاعات الدولة.

“عتاقى” النيابي يبتعدون عن خط النار في معركة الأسعار
 
07-Feb-2008
 
العدد 12