العدد 12 - أردني
 

سليمان البزور ومنصور المعلا

عمّان – مَدّ سكّة حديد خفيفة بين أكثف مدينتين من حيث عدد السكان، سيكون أكبر مشروع من نوعه في الأردن منذ بناء الخط الحديدي الحجازي، الذي شكّل ثورة في عالم المواصلات في منطقتنا مطلع القرن الماضي.

في ذلك العهد أطلق أجدادنا على عربات الزائر الجديد، تهكما، «جحشات السلطان» نسبة إلى السلطان العثماني الذي شق السكّة من اسطنبول إلى الحجاز بخبرات ألمانية.

في بداياته، اختزل الخط الحديدي رحلة الحج إلى الديار المقدسة من 40 يوماً إلى أقل من أسبوع.

وصل أول «قطار على الفحم» في كانون الأول /ديسمبر العام 1901 بعد افتتاح محطّة عمان، التي مازال اسمها «المحطة» إلى هذا اليوم. وفي العام 1908 وصل أول قطار إلى المدينة المنورة قادماً من دمشق.

بعد افتتاح خط دمشق-عمان خصّصت الدولة العثمانية جزءاً من إيراداته في مد ما تبقى من السكّة جنوباً. وفي أيلول/سبتمبر 1904 وصل الخط إلى معان.

يتلوى الخط الحجازي فوق مسار قافلة الحج الشامي، التي كانت تضم في بعض السنين أكثر من خمسة آلاف رجل وامرأة فوق آلاف الدواب.

كان الحجاج في تلك الأيام يتنقلون مع الكثير من الأمتعة والأطعمة على طريق تمتد (1302) كم. في آذار/مارس 1900، أصدر السلطان عبد الحميد الثاني فرماناً لإنشاء سكة حديد الحجاز لتصل بين دمشق والمدينة المنورة مروراً بمكّة المكرمة، بكلفة 3.5 مليون ليرة عثمانية جمعت من التبرعات، عائدات الدولة العثمانية من بيع الطوابع فضلاً عن ضريبة خاصة فرضتها الدولة على رعاياها في البلاد العربية.

كان يستغرق القطار خمسة أيام في قطع مسافة بدلا من 40 يوماً على متن القوافل، وذلك بواقع 76 ساعة مسير. أما اليومان المتبقيان فكانا يخصصان لمحطات التوقف وتغيير القاطرات.

أقيمت محطات القطار تقريباً في المواقع نفسها التي كانت تتوقف فيها قافلة الحج الشامي، طبقا لتوافر خدمات المياه والتزويد.

في شرقي الأردن شيدّت 12 محطة: المفرق، وخربة السمراء، والزرقاء، وعمان، واللبّن، والجيزة، وخان الزبيب، والقطرانة، والحسا، والمنزل، وجرف الدراويش ومعان.

أثناء تشييد الخط الحجازي أنشئت في الزرقاء محطة ومركز حراسة ما ساهم في نشوء مساكن وانتشار أعمال مساندة لخدمة المحطة والمارين والمسافرين. ويذكر هنا ان المواطن فتح الله القيسي هو من أقدم العاملين في السكة.

كان الخط الحديدي يتفرع في محطة درعا جنوباً إلى الأراضي الأردنية ثم إلى الديار المقدسة أو غربا إلى ميناء حيفا على الساحل الفلسطيني حتى عام 1948. محطات سكك الحديد كانت حجرية متواضعة بسقوف قرميدية على الطراز الألماني، ولم يكن لها علاقة بنمط البناء البدائي في شرقي الأردن آنذاك.

كان طريق الحج الشامي يسير بمحاذاة المناطق الزراعية وأطراف الصحراء. واعتبر الخط الحديدي في الأردن فاصلاً بين البدو والحضر، إذ كانت الصحراء تمتد شرقي السكة بينما تمتد المناطق الزراعية غربها.

 واجه إنشاء السكة العديد من الصعوبات لا سيما هجمات البدو في المناطق الجنوبية الذين عارضوا المشروع في البداية، درجات الحرارة المرتفعة، انتشار الأمراض بين البنّائين والعمال،عدم توافر مصادر مياه قريبة، وصعوبة نقل المواد الى مناطق العمل.

أنشئت القضبان من حديد والعوارض من الخشب، وهي مسألة بدت غير عملية في الصحاري العربية بسبب حرارة الجو، ولأن السكان المحليين قد يستفيدون منها كحطب. فاستبدلت بعوارض حديدية. تعرضت السكة لكثير من الاعتداءات: استغلال الأخشاب والعوارض في الكثير من الأعمال، خاصة في إقامة المزارع، فضلاً عن الاعتداء على حرم السكة عبر إقامة أكشاك أبنية غير مرخصة على طرفي الخط.

استمرت سكة حديد الحجاز تعمل بين دمشق والمدينة المنورة ما يقارب تسع سنوات، استفاد خلالها الحجاج والتجار، إلى أن نشبت الحرب الكونية الأولى (1914 - 1918م). فتعرّضت أجزاؤه للقصف والنسف على يد القوات البريطانية وجيوش الثورة العربية الخارجة من الحجاز وذلك لقطع إمدادات جيوش دول المحور المعادية.

منذ ذلك الحين لم تفلح محاولات إعادة تشغيل الخط أو تحديثه.

بعد إدخال القطار الفحمي أو ما كان يعرف ب”البابور”، أوقفت الدولة العثمانية “الصّرة” نسبة إلى أموال كانت توزعها على بعض العشائر لحماية القوافل في شرقي الاردن.

بينما كان يطلق البدو على الزائر الجديد “جحشات السلطان” مقابل “الحصان الحديدي”، التوصيف الذي أطلقه الهنود الحمر حين شاهدوا القطار في أميركا قبل عقدين.

اسطنبول-الحجاز.. عمان-الزرقاء من الفحم إلى الكهرباء
 
07-Feb-2008
 
العدد 12