العدد 12 - اقليمي | ||||||||||||||
عمر الكرمي
من الصعب أن تعرف كيف تبدو غزة من واشنطن، ولكن ما أن بدأ رجال الأمن المصريون وأولئك التابعون لحماس بالاشتراك في إعادة إغلاق حدود رفح بعد ستة أيام من الدخول الحر حتى كان هنالك شيء واحد مؤكد، هو أن الولايات المتحدة لن تغير موقفها الرسمي من حماس. في مقابلة مع إذاعة (أيه بي سي) الإخبارية وفي أول تعليق له على اقتحام حدود رفح، أبلغ جورج بوش الغزيين في 28 كانون الثاني، بأن حماس إنما “زادتكم بؤساً”. ادعموها “وهذا ما ستحصلون عليه.” على الأرض المشهد مختلف تماماً، فبغض النظر عما قد يأتي به ذلك على المدى البعيد، فإن حماس قد ضمنت نصراً ملحوظاً حين قام رجال مقنعون ينتمون لها في 22 كانون الثاني باستخدام الجرافات ونسف الجدار، الذي يفصل رفح عن سيناء المصرية لإحداث ثغرات فيه. تدفق آلاف الغزيين على الحدود ووقف رجال الأمن المصريون الذين كانوا قد أوقفوا الجماهير قبل ذلك بيوم، جانباً، فبعد تحملهم أياماً من الإظلام والبرد بعد أن قطعت عنهم إسرائيل إمدادات الوقود والكهرباء، سادت الغزيين حالة مفهومة من البهجة. من المؤكد أن الفلسطينيين رأوا في اقتحام الحدود “أكبر عملية كسر لحالة السجن في التاريخ”، كما قالت صحيفة الغارديان في افتتاحيتها في 24 كانون الثاني، لذا فإن حماس حققت مكسباً. وحين رأى المجتمع الدولي عبث محاولة الضغط على مصر لإغلاق حدودها، أصبح كسر حالة السجن عطلة ممتدة. “كل شيء متوافر في السوق الآن،” قال إياد السراج، وهو عالم نفس غزي، “ومن من 40 شاقل إسرائيلي جديد لعلبة السجائر نزل السعر إلى ستة شواقل. هنالك شوكولاته للأطفال، يمكن للناس أن يخرجوا من السجن، حتى لو كان ذلك فقط لمجرد التقاط الأنفاس. الناس يذهبون إلى العريش للتنزه وتناول وجبات السمك وقضاء بضع ساعات، والأسر قد تذهب أحياناً لمدة يوم بأكمله وتعود في الليل، فغزة مكان حيوي الآن.” في 27 كانون الثاني أسقط في يد إسرائيل، ففي لقاء مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بأن إسرائيل ستضمن وصول الحد الأدنى من المحروقات، وتسمح للأدوية والغذاء بالدخول عبر الحدود التي كانت في السابق محكمة الإغلاق، تجنبا لكارثة إنسانية. وبينما يعد ذلك بعودة الوضع في غزة إلى حاله، فإن وصول ما معدله ثماني ساعات من التيار الكهربائي يوميا للمنزل، واستمرار المستشفيات في العمل في حالة الطوارئ وبمساعدة مولدات كهربائية – كان كافياً لحماس لأن تبدأ التعاون مع القوات المصرية لإعادة الانضباط على الحدود. الصقور الإسرائيليون، يرون فرصة للتخلص من المسؤولية تجاه غزة. أما المصريون، وظهورهم إلى الحائط، فقد أجبروا على التنسيق مع حماس على الرغم من ضغوط الولايات المتحدة، كما أنهم ناشدوا سلطة عباس وحماس للدخول في حوار للمصالحة وتحرير القاهرة من عبئها. وقرر المجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة أنه قد يقبل فكرة سيطرة قوات تابعة للسلطة الفلسطينية على معبر رفح على الأقل، وهو أمر غير المرجح الحدوث من دون تعاون حماس. “دعنا ننتظر ونرى ما يحدث في الأيام أو الأسابيع المقبلة،” يقول غازي حمد الناطق السابق باسم حكومة اسماعيل هنية، ومسؤول من رفح ينتمي لحماس، حول ما إذا كان يمكن للحركة أن تعلن الانتصار. “ما نريده هو فتح معبر رفح، فمن خلاله يمكننا جلب الطعام والمحروقات من مصر بأسعار أرخص، ونحقق بعض التحكم بمصائرنا.لكننا لا نريد أن تكون هناك سيطرة مصرية على غزة، ولا نريد لإسرائيل أن تتهرب من مسؤوليتها القانونية علينا بوصفها دولة محتلة.” هذه هي النتيجة التي يأمل بها اللواء يعقوب أميردور من الجيش الإسرائيلي ويعمل اليوم في معهد دوري غولد للشؤون العامة، فاقتحام المعابر سوف “يحقق أحلام كثير من الإسرائيليين” بتسليم مسؤولية قطاع غزة لمصر، كما يقول أميردور. مثل هذا السيناريو سوف يخلق صورة مشوشة لإسرائيل، فمن جهة يخف الضغط الدولي على إسرائيل، كما يقول، ولكن من جهة ثانية، فإنه سوف يسمح لحماس بتقوية نفسها، وهو ما يعقد الخيار العسكري الإسرائيلي. المصريون ليسوا متحمسين لهذا السيناريو، فمصر المحصورة بين الأزمة الإنسانية التي تواجه غزة وبين الضغط الشعبي للمساعدة، تواجه هي الأخرى مخاطرها الأمنية الخاصة والمتشددون في سيناء يقيمون روابط مع المتشددين في غزة. ويضيف عبد المنعم سعيد من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، أن مصر عليها أن تسيطر على حدودها، ولا يمكنها أن تقبل بأن يقتحم أي كان الحدود. ويعترف بأن ذلك سوف يحتاج إلى تنسيق بين مصر وحماس.” مصر تحاول التوسط بين السلطة الفلسطينية وحماس لإيجاد حل يضمن بسط السيطرة على المعابر.” بالنسبة للسيطرة المصرية على غزة، يرفض سعيد الفكرة قائلاً: “غزة مشكلة فلسطينية إسرائيلية وهي تحتاج إلى حل في السياق الفلسطيني الإسرائيلي الأشمل، فمصر لن تسمح بإعادة غزة تحت سيطرتها.” ببسط مصر وحماس سيطرتهما المشتركة على الحدود ثانية وموافقة إسرائيل على استئناف شحن الوقود والكهرباء،على المستوى القصير على الأقل، فإن القاهرة تكون حققت هدفها. ولكن الوضع سوف يبقى عائما طالما لم تبرم اتفاقية بشأن السيطرة على الحدود. لذا، وعلى الرغم من احتجاجات بوش، فإن تعاون حماس أمر حاسم، وأي نشر لقوات تابعة للسلطة الفلسطينية لبسط سيطرتها لن يحدث إلا بالتوافق مع حماس. وسواء من خلال مصر أو مباشرة، فإن تعاون السلطة الفلسطينية وحماس والقاهرة أمر حتمي لإيجاد حل لقضية المعابر. |
|
|||||||||||||