العدد 2 - استهلاكي
 

يجاهد أرباب الأسر الأردنية لإجتياز موجة رفع أسعار جديدة طالت حبة القمح والخبز هذه المرّة، بينما تسعى مخابز المملكة للتعافي من حالة دربكة وصلت إلى حد وقف خطوط انتاج الكعك وقوالب الخبز الافرنجي مؤقتا بانتظار اتضاح قرار حكومي بمضاعفة سعر الطحين.

وبدأت المخابز تشكو من انخفاض مبيعاتها إلى الثلثين.

وقع المفاجأة تفاوت بين الغضب العارم وبين القبول بالأمر الواقع في بلد يشكّل الفقراء فيه أكثر من ثلث عدد السكان المقدر بستة ملايين نسمة. فبيما تقبّلت الطبقة الميسورة جنون سعر الخبز على مضض لامس حدود عدم الاكتراث، جاء وقع هذا القرار قاسيا على الطبقة الوسطى والفقراء لا سيما في مناطق عمّان الشرقية والجنوبية وسائر المحافظات.

يقول أرباب أسر وأصحاب مخابز إن ارتفاع الأسعار دفع مستهلكين لتغيير "أنماط" غذائهم ليتجهوا إلى تقليل استهلاك الخبز الفرنجي (الحمام) المخصص لسندويشات الأطفال مقابل زيادة شراء "الخبز الصغير" الذي انخفض سعره وواختلفت جودته بعد تغيير نوع الطحين المستخدم في انتاجه.

وفرضت الحكومة على المخابز استخدام الطحين "المدعوم" في إنتاج الخبز الصغير والكبير على حد سواء، فيما سمحت باستخدام غير المدعوم أو "الزهرة" و"الزيرو" في سائر منتجات المخابز. لكن بعد خفض سعر الصغير من 30 الى 24 قرشا والحفاظ على سعر الكبير عند 16 قرشا- وهو خط أحمر لم تتجاوزه الحكومة منذ رفعت عام 1996 أسعار منتجات الطحين غير المدعوم بنسب تراوحت بين 20 % للحلويات و60 % للخبز الافرنجي.

وكانت المخابز اتجهت للفرز بين الأرغفة الكبيرة (المدعومة وحدها سابقا) والصغيرة (من الطحين المحسن) عقب أول رفع للدعم عن الطحين ومشتقات الخبز عام 1996.

أحد أصحاب المخابز في منطقة خلدا يرى أن وتيرة البيع وإقبال المسهلكين لم يتغيرا. ويقول :"لم نواجه أي تعقيدات بعد رفع الأسعار بخاصة أن المواطنين هنا لا يسألون عادة عن سعر كيلو الخبز بل يكتفون بدفع قيمة ما يشترون".

لكن في أحد مخابز الأشرفية، يواجه صاحب مخبز آخر احتجاجات يومية متبوعة بالإحجام عن شراء الخبز الافرنجي أوالكعك. يلفت صاحب المخبز، الذي رفض الإفصاح عن هويته، إلى اندلاع "العديد من المشاجرات مع الزبائن الذين يعتقدون بأنني رفعت الأسعار رغبة في تحقيق ربح أكبر".

يشتكي هذا المخبز من انخفاض مبيعاته إلى النصف مما يعرف ب"الخبز المحسّن" والكعك وقوالب الافرنجي، فيما ازدادت مبيعات الخبز الصغير. لمواجهة تغيّر المعادلة، اتجه صاحب المخبز لتخفيض انتاجه من الخبز الافرنجي والكعك.

رئيس نقابة اصحاب المخابز عبد الإله الحموي يقول أن آلية "الدعم الجديدة" تعني حصول المطاحن على القمح من وزارة الصناعة والتجارة بالأسعار العالمية، على أن توجّه الحكومة الدعم بشكل مباشر لأصحاب المخابز كل بحسب كميات إنتاجه من الخبز بما يضمن عدم بيع المطاحن للطحين المدعوم لمصنعّي الأعلاف.

تبرّر الحكومة رفع سعر طن الطحين بنسبة 150 % بالسعي لوقف "ظاهرة استخدام الطحين مادة علفية بعد رفع أسعار الأعلاف (... ) وعقب قرار سوري بوقف تصدير القمح للأردن".

القرار الحكومي يضاعف سعر طن القمح غير المدعوم تسليم المطاحن ثلاث مرات من 90 إلى 280 دينارا، كما يضاعف سعر الطحين من المطاحن الى المخابز من 140 دينارا إلى 360 دينارا.

وحذّرت وزارة الصناعة والتجارة أصحاب المخابز من بيع مادة الطحين للمواطنين لغايات استخدامها علفا للمواشي. ونظرا لارتفاع أسعار الأعلاف، لجأ مربو المواشي لشراء الطحين من أصحاب المخابز وخلطه مع الصويا والذرة والشعير كغذاء للأغنام.

ويؤكد الحموي أن النقابة درست احتمالات استيراد القمح من الخارج رغبة في تخفيض التكاليف الا انها اصطدمت بالسعر العالمي للطحين والذي يتجاوز الـ500 دولارا. هذا يعني، بحسب الحموي، "أن القمح غير المدعوم الذي تبيعه الحكومة أرخص من الاسعار العالمية يصبح مدعوما أيضا."

يشتكي الحموي من انخفاض مبيعات مخابــــزه من الخبز "غير المدعوم" بنسبة 30 %، لافتا إلى أنه "لاحظ أن المواطنين اتجهوا لتقنين استهلاكهم من الخبز الافرنجي في مسعى لضبط انفاقهم ضمن المعدّلات المعتادة."

فضلا عن الخبز الافرنجي والكعك، ارتفعت أسعار الحلويات و"كعك العيد" بسبب ارتفاع أسعار السميد، فيما توقعت مصادر ان يشهد السوق حالة مماثلة من الارباك قبل عيد الأضحى الذي يتزامن أيضا مع عيد الميلاد أواخر العام.

وتفاوتت تعليقات خبراء الاقتصاد بين مؤيد ومعارض لقرار رفع الدعم عن الطحين.

المحلل الاقتصادي يوسف منصور ينتقد رفع الدعم عن المواد الغذائية لافتا إلى أنه يفضّل رفع الدعم عن سلع أخرى مثل مشتقات النفط. يرى منصور أيضا "أن سياسات الدعم الحكومية كانت فاشلة مثلما فشلت إجراءات رفع الدعم عن المواد الغذائية".

فبحسب منصور:"كان من الأولى على الحكومة التي ترغب في تخفيض الانفاق ضبط نفقاتها في بنود أخرى خاصة برفاهيتها مثل رواتب تقاعد النواب والوزراء."

المحلل الاقتصادي حسام عايش يصف قرار الحكومة "بالذكي" مقارنة بقرارات رفع أسعارسابقة. إذ يقول :"نلاحظ أن الحكومة ابتعدت عن رفع أسعار الخبز الذي يستخدمه غالبية المواطنين ورفعت سعر الخبز الذي تقبل عليه الطبقات المتوسطة العليا والغنية".

وتوقّع عايش أن تكون خطوة الحكومة "فاتحة لقرارات رفع دعم شبيهة في العام المقبل والتي يتصدرها قرار وشيك برفع الدعم وللمرة الخامسة خلال عامين عن أسعار المشتقات النفطية".

بحسب عايش، "سيشهد عام 2008 تحولا خطيرا في الأسعار وتبعات اقتصادية واجتماعية قاسية جداً بخاصة أن تحرير الأسعار سيؤدي الى تأثر قرارات الإستهلاك وبالتالي المستوى المعيشي للمواطنين".

وأظهر مسح اجرته دائرة الاحصاءات العامة أخيرا زيادة في متوسط إنفاق الأسرة الأردنية السنوي بنسبة 22 % في السنوات الأربع الماضية، بينما زاد دخل الأسرة السنوي 11 % فقط في الفترة نفسها. وهكذا اتسعت الفجوة بين متوسط إنفاق الأسرة السنوي ودخلها إلى 1331 دينارا سنويا العام الماضي، بعد أن كانت نحو 630 دينارا عام 2002.

ويشدّد المحلل الاقتصادي عايش على ضرورة مواجهة ارتفاع الأسعار بتشجيع الاستثمارات في مشاريع انتاجية لتشغيل المواطنين و"تحريك الاقتصاد الوطني". إلى ذلك يعتقد "أننا لن نستطيع مواجهة ارتفاع الأسعار بشعارات المرشحين الانتخابيين فقط".

ولم تسلم الحكومة من اتهامات بالإستغلال وجّهتها أحزاب معارضة رأت في بيان مشترك أن الحكومة "تستغل انشغال المواطنين بالانتخابات النيابية لرفع أسعار الطحين". وزادت أن رفع سعر الطحين يأتي ضمن خطوات "ممنهجة ومدروسة من أصحاب المصالح" ستؤدي الى تعويم أسعار الخبز، كما رفضت وصفت تطمينات الحكومة بأن ذلك لن يمس الفقراء باعتبار أنهم يعتمدون على أنواع أخرى من الطحين "عار عن الصحة".

أحزاب المعارضة قالت أنها كلّفت لجنة مختصة تابعة لها "بالعمل الحثيث على وضع برنامج إنقاذ وطني للأزمة الاقتصادية المتصاعدة".

ويشير خبراء اقتصاد بأن استيراد القمح من سورية كان يوفر على خزينة الدولة 68 مليون دولار سنويا. تصل فاتورة القمح إلى 400 مليون دولار سنويا يأتي ربعها تقريبا من الولايات المتحدة ضمن حساب المنح السنوية في بلد يستورد زهاء 700 ألف طن في العام.

دربكة في المخابز وغضب في الشارع بعد رفع الدعم عن الطحين – علا الفرواتي
 
15-Nov-2007
 
العدد 2