العدد 12 - ثقافي | ||||||||||||||
موفق ملكاوي
برحيله عن هذه الدنيا الأحد الماضي، ينهي بدر عبد الحق الفترة (الاختيارية) التي قضاها ملغّما لذاكرته، حسب تعبير الروائي الأردني الراحل مؤنس الرزاز. وباختياره السابق الذي أسر به ذات صحو إلى أسرته الصغيرة بأن يدفن في مقبرة ياجوز إلى جانب الشاعر الراحل عبد الرحيم عمر، يكون بدر انحاز إلى إنسانيته المطلقة بحفظه للعهود والصداقات حتى بعد موته. خمسة عشر عاما صادق خلالها الصمت بعدما زاره ضيفه «إلزهايمر»، فارضاً عليه حضوره، وموشحا إياه بالصمت.. إنه الصمت الذي اختاره هو، ألم يتنبأ ذات مرة قائلا: “ويأتي على الكتّاب زمان، يكون فيه أصدقهم: أكثرهم صمتا، وأكذبهم: أعلاهم صوتا، فإذا خيّرتم فاختاروا الأولى”، فهل اختار هو ما بشر به بنفسه على رأي صديقنا فاروق وادي؟. هل اختار بدر أن يصمت مفضلا الصدق المطلق، على علو الصوت واحتمالات الكذب؟. لم يكن رجلا استثنائيا، وهو بالتأكيد ليس كاتبا استثنائيا، هو مثل كثيرين فقد ولد مثل جميع الناس، تعلم وأحبّ وتزوج وأنجب.. ولكن استثنائيته جاءت من جهة صدقه المطلق: الصدق مع الآخرين، وأولا وقبل كل شيء الصدق مع النفس. ثلاثة وستون عاما قضاها في هذه الحياة، بدأها في حواري مدينة الزرقاء العام 1945، وربما كان لمدينته تلك تأثير كبير على ما كتبه في سنوات لاحقة، فهي «المدينة التي تأسست بواسطة المهاجرين ومعسكرات الجيش»، بحسب تعبير الراحل تيسير سبول في روايته «أنت منذ اليوم»، وهكذا فقد رأى في تلك المدينة جميع الصور التي يمكن للإنسان أن يراها، خصوصا في بدايات تشكل تلك المدينة. تحصل بدر على ليسانس في الشريعة من جامعة دمشق العام 1968، غير أن الأدب والصحافة أخذاه بعيدا عن دراسته، فامتهن الصحافة مطلع السبعينيات، وساهم مع ذلك الجيل في التأسيس لأدب السبعينيات القصصي، إذ كان من الأصوات القصصية المهمة خلال تلك الفترة وما تلاها، وقد أصدر مجموعة مشتركة مع فخري قعوار والراحل خليل السواحري في العام 1972 بعنوان «الملعون»، إضافة إلى كتابه «أوراق شاهد عيان في غرائب هذا الزمان» العام 1986 والذي يضم سبعين مقالة مختارة من نتاجه، وقدم له الراحل مؤنس الرزاز. وفي مجال الكتابة السياسية والوطنية أصدر كتابين هما “حرب الجليل” بمشاركة غازي السعدي، و “شهادات ميدانية من جنود للعدو خلال حصار بيروت”.ومقالته الأسبوعية في زاوية «سبعة أيام» في صحيفة «الرأي»، كما يرى صديقه باسم سكجها، كانت «الأهمّ في الصحافة الأردنية بأسرها».ويرى أصدقاؤه وزملاؤه أنه كان مسالما كثيرا، وأنه لم يعرف له عداوة أو خصومة مع أحد، إلا أنهم يؤكدون بأنه كان يتخذ مواقف حاسمة و“قصووية” تجاه جميع القضايا الوطنية والإنسانية. يروى عنه دائما أنه كان يجيب من يسأله عن أولاده بأنه يقول: «عندي بنتين وبنت»، في إشارة إلى بناته الثلاث ميس ووسن وسمر. رحل بدر بعد عذابات طويلة مع مرض ما يزال غامضا، وظلت أسرته الصغيرة إلى جانبه في جميع منحنيات مرضه الحرج، بعد أن تركه أصدقاء ورفاق كثيرون، متعللين بأسباب واهية لا يمكن أن يصدقها عقل.. ولكن بدر سيصدقهم ويسامحهم على القطيعة. |
|
|||||||||||||