العدد 2 - اقتصادي | ||||||||||||||
تطرح استجابة البنوك الضعيفة للتصريحات المتكررة للمسؤولين حول أهمية إندماج المصارف لتشكيل جهاز مصرفي قوي تساؤلا مهما فحواه، لماذا لا تندمج البنوك طوعا؟ ففي في شباط 2006 صرح محافظ البنك المركزي عن توجه المركزي إلى تجميع الجهاز المصرفي في وحدات مصرفية كبرى قوية ومتينة مالياً وفنياً، "قادرة على المنافسة إقليمياً ودولياً تخضع للمعايير التي أعدها البنك المركزي بالتعاون مع جهات إقليمية دولية"، في بداية الشهر الجاري، قال المحافظ "يبدو أنهم لا يفضلون الاندماج الطوعي وإنما القسري"، لأن المنافسة الدولية تتطلب استثمارات كبيرة و"سيأتي وقت لن تتمكن فيه (البنوك) من المنافسة."
نحو عقدين مرا على بدء الإصلاحات الهيكلية في القطاع المصرفي منذ 1989 والتي بلغت ذروتها في منتصف التسعينات، فأصبح في الأردن الآن 23 مصرفا، خمسة منها أجنبية وثلاثة عربية، تحقق أرباحا عالية مستفيدة من معدلات النمو والطفرة الإقتصادية شبه المتواصلة التي شهدها الإقتصاد الأردني في السنوات الثلاث الماضية ليصل حجم التسهيلات الممنوح من البنوك نهاية أيلول 11.2 مليار دينار، على الرغم من صغر حجم رؤوس أموال البنوك.
السؤال الذي يطرح نفسه، هو: لماذا لم تتوجه المصارف الأردنية إلى عمليات الدمج لتعظيم حجمها وبالتالي إلى تحسين قدراتها المصرفية والمعرفية في مواجهة تحديات العولمة؟ الإجابة تتمحور حول عدة عوامل. فمن جانب، نجد أن بعض المصارف الصغيرة نسبياً تهيمن عليها الإدارات العائلية، فيسيطر على مجالسها الجو العائلي. وبما أن بعض هذه العائلات لها إستثمارات أخرى متعددة خارج القطاع المصرفي، فإنها تستطيع أن تستفيد من وجود البنك كصمام أمان تمويلي لهذه الشركات وبالتالي فإن من الصعب عليها أن تندمج مع بنوك أخرى فتفقد العائلة هذا المصدر التمويلي المهم.
ومن ناحية أخرى، فإنه وبغياب تفعيل قانون الإئتمان لا تجد هذه المصارف وازعاً للإندماج، فكل مصرف يملك قاعدة بيانات مفصلة عن عملائه تم بناؤها على مدى العديد من السنوات وهي قاعدة بيانات غير متاحة لمنافسية من البنوك. أي أن البنك يقوم بإحتكار العلاقات الإئتمانية للمتعاملين معه، مما يؤدي أيضاً إلى صعوبة إنتقال العميل من مصرف إلى آخر، حيث أنه بذلك قد يفقد تاريخه الائتماني ويضطر إلى أن يبدأ من جديد مع مصرف جديد. وبهذا تساعد هذه الممارسة الإحتكارية المدعّمة بغياب التشريع اللازم لكسرها على التعامل بشكل احتكاري يؤدي في كثير من الأحيان إلى تناقص الكفاءة.
فقانون الإئتمان يستطيع أن يوفر هذه البيانات ليس للمصارف فقط ولكن على مستوى الوطن ككل، بحيث يستطيع الراغب في الحصول على تمويل أن يعطي الجهة الممولة حق الإطلاع على تاريخه الإئتماني المفصل من قاعدة بيانات الإئتمان الوطنية وبالتالي معرفة كامل سيرته الذاتية بالنسبة لقدرته على الإقتراض والسداد في الأوقات الملائمة.
وهكذا، تبقي البنوك من خلال قاعدة عملائها، ملكية معلوماتية محتكرة لجهاز البنك فقط، خاصة وأنه درجت العادة أن يقوم البنك المركزي بنشر قائمة سوداء بمن تعثرت ديونهم فقط؛ وبهذا يبقى فراغ كبير في الجهاز الإئتماني وخلل واضح في زمن المعلوماتية وتوفر كم هائل من المعلومات يصعب الحصول عليها في الأردن.
أيضا، فإن معظم البنوك توجهت في السابق نحو الأنشطة الاستثمارية أو التجارية ولم يكن هناك تركيز يذكر، حتى بضع سنوات خلت، على قطاع التجزئة (الأفراد). مع أن المصارف الأردنية توجهت مؤخراً إلى تعظيم محافظ قطاع التجزئة فيها، غير أن المنافسة ما زالت في أوائل اطوارها وما تزال محافظها الاستثمارية تشكل مصدر الدخل الأكبر. ولكن مع تزايد المنافسة على قطاع الأفراد (أو التجزئة) ومتطلباته من تقنيات حديثة وتطوير متسارع، سيندحر البعض ويربح الآخر، وبهذا سنجد أن بعض البنوك ستندمج "قسرا"، فتبيع قواعدها الائتمانية لمن استطاع أن ينافس ويتوسع.
وعلى الرغم من توجه البنك المركزي إلى رفع رؤوس أموال البنوك والتشديد على معدلات الإقراض، فإن الطفرة الإقتصادية التي يشهدها الأردن أسوة بغالبية دول العالم العربي الذي وصلت معدلات نموه في السنوات الثلاث الماضية إلى 6.2 % وهي أعلى نسب نمو منذ السبعينات، ساعدت المصارف على رفع رؤوس أموالها من خلال الإكتتابات ودون الحاجة إلى الدمج. وبهذا يكون نجاح الاقتصاد العالمي والأردني سببا لتراجع حوافز الإصلاح والمنافسة ومن بينها الإندماج اللازم. وفي حال تراجع معدلات النمو الإقتصادي، كما هو محتمل في الأردن وعالميا، سترتفع وتيرة الإندماج بين البنوك لمواجهة تحديات العولمة.
ومن ناحية أخرى، فللدمج مخاطره النابعة من اختلاف البيئة الإدارية من مصرف إلى آخر حسب حاكميه وأسلوب إدارة كل منها. فحين يندمج بنكان، كل منهما يُدار بعقلية وكفاءة إدارية مختلفة عن الآخر، تحتاج الوحدة الجديدة المندمجة إلى العديد من السنين للتفاعل كوحدة واحدة وبثقافة إدارية موحدة، الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى تراجع الأداء بمعدلات كبيرة.
ومع الاختلاف الواضح في أساليب الإدارة بين البنوك، لا بد من التشديد على تطبيق مبادئ الحوكمة كما أشارت تعليمات بازل 2 والبنك المركزي مؤخرا، وذلك للتقليل من تباعد أساليب الإدارة بينها وتحسين إمكانية دمج البنوك في وحدات عملاقة قادرة على المنافسة عالميا. نرجو أن لا ينتظر القطاع إلى أن تطل عليه الحلول "القسرية" لا "الطوعية". |
|
|||||||||||||