العدد 12 - كتاب
 

من بين الصحفيين من أمضى حياته المهنية دون استخدام تعبير “المراقبين” لتقويل هؤلاء المجهولين ما يود قوله؟. كاتب هذه السطور لجأ من قبل الى هذه الصيغة، ربما كانت هناك قلة قليلة فقط من المراسلين والمحررين والكتاب العرب، من لم تضطرهم الظروف ولم تأخذهم تقديراتهم الذاتية، للجوء الى صيغة: و “قال مراقبون” و “ذكر مراقبون”، في إعداد تقرير أو كتابة خبر أو تدبيج مقال. والذي يحدث أن الناشئين في المهنة يحتسبون هذه الصيغة متقدمة، فيندفعون إلى استخدامها ما أن يشتد عودهم بعض الشيء في المهنة، وكأنما قطع شوط في مهنة الصحافة يوفر للصحفي الجديد فرصة التراسل الرحماني مع مراقبين مجهولين لا يتحدثون إلا إليه.. ولا يثقون بغيره كي يستودعوه أسرارهم ومكنوناتهم، ليقوم بنقلها إلى قراء أو مشاهدين ومستمعين متلهفين.

وبعض هؤلاء الزملاء ينقل عن المراقبين المزعومين “جميعهم” وبأل التعريف من قبيل “ويقول المراقبون إن..” . ولا يعرف أحد في واقع الحال من هم هؤلاء ومتى أجمعوا وكيف تأتي لكاتب تقرير ما، أن يتناهى الى مسامعه إجماع مراقبين دون سواه من بقية الخلق من سياسيين وصحفيين؟ ويغدو الأمر أسوأ مع استخدام تعبير مثل: “ويجمع المراقبون” علما بان واجب الصحفي التقصي عن او جه التعدد والتباين والاختلاف لا عن اجماع .وكما في الحياة السياسية كذلك في الرصد الصحفي ليس هناك إجماع. فذلك ينافي طبيعة البشر والأفراد .

البديل عن ذلك هو تسمية أسماء، أو صفات محددة: خبير اقتصادي، محلل مالي، دبلوماسي حالي او سابق وخلاف ذلك، لمن لا يرغب بكشف هويته .

ذلك ان الاستمرار في اعتماد صيغة “المراقبين” يعفي صاحب التقرير من تقصي مصادر موثوقة أو على جانب من الأهمية، لمنح تقريره الموضوعية والصدقية المطلوبتين .

ويسترعي الانتباه أن منابر مهمة مثل قناة الجزيرة مازالت تعتمد هذه الصيغة، في ما تبثه من تقارير لبعض مراسليها حيث “يعتقد المراقبون في هذه العاصمة او تلك أن..” وبما ان القناة ذات توجيه شبه مركزي، فإن صيغة المراقبين تسعفها في تمرير ما تشاء من خلاصات ورؤى .

لم تنج صحيفتنا “السجل” من استخدام هذه الصيغة أحياناً، في بعض التقارير والمقالات التي نشرت في الأعداد السابقة.، وإن تم ذلك بصورة محدودة كما يلاحظ القارىء . الآن نسعى للتوقف عن استخدامها نهائياً، ونأمل أن نفلح في ذلك فهناك صحفيون زملاء بيننا على ضآلة عددهم وفدوا من بيئات صحفية مختلفة، وهناك متعاونون من كتاب محترمين يكتبون على طريقتهم.

لكن ذلك لا ينفي ضرورة ضبط الصيغ المعتمدة وتوحيد الهوية المهنية ما أمكننا ذلك. حتى يمكننا وفي أقرب الآجال أن نقول: وداعاً للمراقبين.. ولا نحسب أن هؤلاء سيتولاهم الغضب لأننا تخلينا عن خدماتهم، ولسبب بسيط وجوهري وهو :أن لا وجود لهؤلاء .

محمود الريماوي: وداعاً لـ «المراقبين»!
 
07-Feb-2008
 
العدد 12