العدد 12 - اقتصادي | ||||||||||||||
د. يوسف منصور صحيح أن هذه مشاكل لا يستهان بها، لكنها ليست الجوهر في مسببات الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الأردني، بينما طوت صفحات السنين والنسيان المشكلة الأهم، وكأنها غبار في صفحات كتاب، مشكلة الاقتصاد الأردني الأساسية هي حجم القطاع العام وأوجه إنفاق الحكومة. شعار برامج التصحيح الأول، كان تقليص حجم القطاع العام، وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص، وخلال ستة برامج تصحيح اقتصادي 1989 - 2004، بدأنا بالإصلاح غير أن الغالبية تناست وغضت الطرف عن مبدأ تقليص حجم الحكومة والقطاع العام للتخفيف من مزاحمته القطاع الخاص. فأثر الإصلاحات التي قمنا بها، يصبح مضراً وهامشياً حين تصبح الحكومة أكبر من القطاع الخاص. ما فائدة برامج الاصلاح وإعادة الهيكلة إذا لم تؤد إلى تقليص الحكومة؟ سؤال غاب عن الحوار الدارج، وكأن مبدأ التوظيف في الحكومة أصبح واجباً فرضاً، والتغريد خارج السرب عادة ما يكون مؤلماً لصاحبه، لأن أي انتقاد للحوار بأنه يفتقد لإطار وحلول جذرية، وأي دعوة للرجوع بالمعضلة إلى جذورها، يجعل من قارع الجرس شخصاً غير أردني وهادماً للمنفعة العامة. المبدأ الاقتصادي الأساسي، الذي وجدت من أجله الحكومات الديمقراطية: العمل على تعظيم منفعة الشعب، فالمنفعة العامة تعني أن الجهاز التنفيذي في خدمة الشعب، فهو موظف لدى الأمة، تراقبه السلطة التشريعية ليكون عاملاً لتعظيم منفعة الشعب. أما إذا أصبح الشعب عاملاً لدى الحكومة في أي دولة، لبذل الجهد من أجل تعظيم منفعة الحكومة، عندئذ ينقلب الشعب إلى أداة لجني وسيلة العيش والرخاء للحكومة وليس العكس. كان الأساس في كل برامجنا التصحيحية تقليص حجم الحكومة، وبالتالي موازنتها التي تحصّل الحكومة على الجزء الأكبر منها من خلال الضرائب، لا لتستخدم في دفع الرواتب والتقاعد لمن يخدمون أو لا يخدمون الشعب، بل لتوظف في إيجاد مناهج مدرسية متفوقة، ومدارس عامة حديثة غير مكتظة تنافس القطاع الخاص، وجامعات تمكّن خريجيها من الالتحاق بسوق العمل بكفاءة وجدارة ودون الحاجة للواسطة أو الدعم، ومستشفيات لا يعتدي فيها المريض على الطبيب، لأن الأخير أرهقه كثرة المرضى وشح الموارد ليصبح هو بحاجة لمن يسعفه. كان الأولى أن تستخدم الضرائب لتوفير مياه صالحة للشرب، وتأمين ضد البطالة يحمي العامل وذويه من سنين. لهذا تدفع الشعوب الضرائب، لا لتدفع الرواتب والضرائب فقط. حجم الحكومة لم يتقلص على الرغم من الاصلاح، وكانت المشكلة أبداً هي حجم الحكومة المتزايد، يرافقها تدني دخول العاملين لأن أكبر ثروات العالم حين تقسم على عدد كبير من الناس تنخفض حصة الفرد منها، وفي هذا الإطار خفضت الرسوم الجمركية، وزادت الضرائب لا سيما على الموظفين. وحين لم تتمكن الحكومة من جبي ضرائب الدخل من غير الموظفين فرضت ضريبة المبيعات ضمن وعود بأن لا تتجاوز نسبتها 7بالمئة، ثم 10بالمئة، والآن أصبحت 16بالمئة، وشملت كل شيء بعد أن كان الوعد ألا تشمل الا الكماليات وسلع الأغنياء، لتصبح هذه الضريبة معيقاً إضافياً للاستثمار والاستهلاك وأحد أسباب الغلاء. بعد ذلك، بعنا المؤسسات لتخفيض حجم الحكومة، ولكن حجم الحكومة زاد. وقالوا لا تنفقوا أموال التخاصية هباء، ولكن الحكومات زادت إنفاقها هنا وهناك، وصرفنا ما في الجيب، ليأتينا ما في الغيب. وبعد التخاصية قالوا يجب أن تخفض الحكومة من إنفاقها، وقلنا ليس الحجم بل النوع معضلة الإنفاق فلم يصغ أحد، واستمرت الحكومات تنفق 70بالمئة من دخلها على أجور الموظفين، و10بالمئة على من تقاعدوا منهم، و10بالمئة أخرى لسداد ديونها نتيجة هذا الإنفاق (هذا ما أشارت إليه الأجندة الوطنية قبل سنوات). ما تبقى من عوائد الخزينة كان من المفروض أن يعود للمواطنين على شكل شوارع، ومجاري، ومطارات، ومدارس، وجامعات، ومستشفيات، ومياه نظيفة، وتأمين ضد البطالة وكل ما يمكّننا من أن ننافس في باحة العولمة التي دخلناها دون أي استعداد. وحين تحتاج الحكومة الى المال، أول ما تقلصه هو حجم الإنفاق الرأسمالي برغم أن عدد الضرائب وصل 82 ضريبة بحسب حسابات البعض، فيما تبلغ قيمة الرسوم التي يتجاوز عددها المئة مليار دينار. تقبلنا على مر السنين معدلات البطالة الرسمية، فأرسلنا خيرة شبابنا للخارج لكي تعمل وتنفق على الدار، وحرم الآباء الأبناء لكي لا يتقهقر ميزان المدفوعات. وحين لم يستطع صاحب العمل أن يدفع أجوراً ملائمة للأردنيين تقيهم عوز الفقر، سمحنا للأخوة من الخارج بالقدوم والعمل بدلاً منهم، وقلنا الأردني كسول لا يحب العمل، ونسينا مئات آلاف الاردنيين الذين يكدون في الخارج. ثم قبلنا بمعدلات الفقر وكأنها ناموس مكتوب، برغم كل شيء، ونسينا برامج معالجة الفقر والتقليل منه ونتائجها التي لم تأت أكلها، وأصبح ما أنفقناه مصدر توظيف وتعظيم لحكومة أكبر. وحين جاء الغلاء، تعايشنا معه بحجة أنه “أتى من الخارج”، وتناسينا أن الحلول موجودة في الداخل. وحين ناقش النواب زيادات الرواتب، فرح الناس بالزيادات، ونسوا أن مصدر 80بالمئة منها رسوم وضرائب سيدفعوها، وأن الباقي سيكون ديوناً بفوائد على الأجيال، يسددونها من خلال الضرائب. إذا كنا نجحنا في الإصلاح فعلاً، فلماذا ارتفعت موازنة الحكومة بنسبة تضاهي ضعف معدل نمو الاقتصاد؟ ولماذا ما زال حوض الديسي دون استثمار؟ ولماذا تراجعت معدلات نمو الصناعة بالنسبة للاقتصاد؟ ولماذا اندثرت الزراعة؟ ولماذا تقهقر ترتيب الأردن في تقرير التنافسية العالمي وتقرير بيئة الأعمال، وارتفع لدينا مؤشر الفساد؟ لأننا على الرغم من كل ما أنجزناه لم نحل يوماً مشكلة حجم الحكومة التي أصبحت تستهلك نصف دخل الأردن. لذا، حين نناقش مشاكلنا، يجب أن نلاحظ أن كل ما هو مطروح من حلول لا يتعدى كونه حلولاً مؤقتة وسطحية ينجم عنها الكثير من المضار إلا “القرار الصعب”، وهو مواجهة المشكلة الأساس؛ وبما أننا الاقتصاد العربي الأصغر، يجب أن يكون أيضاً حجم حكومتنا هو الأصغر. مشكلة الأردن الاقتصادية لا تكمن في الغلاء أو البطالة أو حتى الفقر، المشكلة ليست مواجهة أسعار الطاقة والسلع الأساسية المرتفعة، فهذه مسألة عالمية تعاملت معها الدول بحصافة وحسن تخطيط، ولم نفعل. |
|
|||||||||||||