العدد 78 - كتاب
 

حسبما يرد في مقالات محدودة تنشرها منابر إلكترونية، فليس هناك من مواطنين أردنيين ذوي أصول مختلفة، بل هناك توطين.

التعبير الذي لا وجود له في المجال اللغوي السياسي والإعلامي المحلي، يجري استنساخه في عملية تقليد أعمى لمفردات تتردد في الحياة السياسية لبلد آخر هو لبنان، وبإغفال تام لمكونات الحياة السياسية الأردنية وظروف نشوء الإمارة والمملكة، ووحدة الضفتين ومحددات الدستور الأردني الذي يجله سائر الأردنيين، باستثناء نفر يضعون المساواة الدستورية بين قوسين ويضعون بعدها علامة تعجب.

المساواة أو السعي إليها تسمى محاصصة، ومرة أخرى يجري استعارة تعبيرات من الصحافة اللبنانية في وصفها لواقع لبناني.. ثم تتم استعارتها لوصف وضع أردني.

النظر إلى خصوصية كل وضع والتقيد بهذه الخصوصية، هو من سيماء النظرة العلمية، التي تنأى بصاحبها عن التعميم والأحكام المطلقة، وتأخذ بنسبية المفاهيم.

يجري القفز عن هذه المبادئ أملاً في إطلاق حملة تجييش، فلا ينشغل الناس بتحديات خارجية مثل استفحال الخطر الصهيوني الذي يهدد البلدان المجاورة، وسعي أطراف إقليمية لملء الفراغ السياسي في المنطقة العربية خدمة لمشاريع إمبراطورية، ولا ينشغل الناس حتى بتحديات داخلية فعلية مثل الفقر والبطالة والعنف الاجتماعي وسواها..بدلاً من ذلك، فإن الحملة المحمومة شبه الفردية تتوخى أن ينشغل الناس ببعضهم: الجار بجاره والزميل بزميله وراكب تكسي السرفيس بالراكب المجاور، وذلك بالتفتيش عن أصول بعضهم بعضاً وتصنيفهم على هذا الأساس، وما يتبع ذلك من إثارة الغرائز وبذر الشكوك، وتسميم الفضاء الاجتماعي، تلبية لهواجس وتهويمات كاتب ما.

في بعض الدول فإن مجرد سؤال المرء عن دينه وطائفته وأصله، يعتبر مخالفة وتعدياً يعاقب عليهما القانون. ما يتحفنا به نفر ضئيل، يتعدى ذلك إلى التشكيك بالمواطنية ثم بالجنسية، وهي وثيقة تصدر باسم أعلى السلطات، وتترتب عليها جملة واجبات وحقوق، ويرمي هذا النفر بعدئذ إلى إعادة مجتمعنا لعصبيات قرون وسطى، سابقة ليس على نشوء الدول فقط بل على نشوء المجتمعات الحديثة، ويجري إسباغ تعبيرات فخيمة وتحررية على هذا النكوص من قبيل الدولة الوطنية والمشاريع التآمرية ويقظة الضمير، بينما الحصيلة التي ينتهي اليها من يكتبون هي تفكيك المجتمعات وطرح الدستور جانباً، وتشريع النزاع الأهلي.

بات هذا الخروج عن نواميس الحياة العامة موضة لنفر من كاتبين، يتوسلون الإثارة بأبشع مضامينها، لتحقيق صدى ما واكتساب شعبية فورية، ولو أدى ذلك للطعن بأبسط ما تقوم عليه الدول والمجتمعات،مثل: مرجعية الدستور، تحريم التمييز بكل مظاهره، وتجريم إشاعة أجواء تشجع على إطلاق النعرات وممارسة العنف. كتابات بهذا المستوى تحض على الكراهية، هي ممارسات يطالها القانون في سائر دول العالم، وتلقى النبذ في المجتمعات..

محمود الريماوي: علم الكراهية
 
28-May-2009
 
العدد 78