العدد 78 - حتى باب الدار
 

يحب المثقفون والمتناقشون عموماً أن يطلقوا على مواضيع نقاشهم واحدة من تسميتين: قضايا أو إشكاليات، وهم عادة لا يقبلون أن يقال إنهم يناقشوا مواضيع أو يطرحون آراء، ويفضلون عليها نقاش القضايا وطرح الإشكاليات، مع الأخذ بالاعتبار أن القضية عندهم أعلى مرتبة وأكثر وجاهة من الإشكالية.

السطور التالية تتناول المفهومين من الناحية الشكلية فقط..

القضية مفهوم وقور، فنقول فلان «صاحب قضية» للدلالة على القدر العالي من الاحترام الذي يتمتع به، والواقع أن الكلمة لا ترد الا بالتلازم مع المعاني المحترمة، فنتحدث مثلاً عن «التمسك بالقضية» أو «الحفاظ» عليها و «الدفاع والذود» عنها، بل أحياناً «الموت» دونها، وأكثر أصحاب القضايا إخلاصاً هو من «ضحى» في سبيلها، وقبل أن يتزوج المرحوم ياسر عرفات فعلياً، كان أنصاره يقولون تحبباً إنه «تزوج» القضية.

بالمقابل ندين من «يفرط» بالقضية أو «يضيعها» أو «يتخلى عنها» و«يضحي بها» أو «يدير ظهره» لها... وهكذا.

أما «الإشكالية» فهي مفهوم أقل وقاراً، على الأقل بالنظر للحالة الثقافية التي نعيشها، فقد تنشأ الإشكالية وتنتهي في جلسة واحدة... على فنجان قهوة «سياسي» أو بوسة لحية «ثقافية» أو «تكويعة نظرية».

صحيح أن هناك إشكاليات كبرى، لكن هذه بالذات يوجد دوماً من يدعو الى «تجاوزها» و «القفز» فوقها وعدم التوقف عندها.

أما مثيرو الإشكاليات فلا نسمي الواحد منهم «صاحب إشكالية»، كما هي حال «صاحب القضية»، بل نقول فلان «إشكالي»، أو مثلاً فلان «مثقف إشكالي»، وهي ألقاب قد تحتوي أصلاً على قدر من الاحترام لولا أنها، في أحيان كثيرة، لا تكون سوى بديل أكثر لطفاً لتسمية «مشكلجي».

أبو القضايا
 
28-May-2009
 
العدد 78