العدد 78 - ثقافي
 

لا يتوقف البحث في مفهوم العمارة عند حدود البناء والتشييد: شكلاً ووظيفة وتكلفة وإنشاء – كما يقدّم في مبادئ الهندسة المعمارية – لذلك جاء التنظير في هذا العلم متقاطعاً مع علوم إنسانية واجتماعية عديدة، وغير بعيد عن السياسة والاقتصاد والبيئة، ومتجاوراً للفنون وعلم الجمال والفلسفة.

ولعل اشتغال ابن خلدون على مفهوم العمران البشري، وفّر أولى القراءات للعمارة مشتملاً على دراسة الظواهر السكانية (ديمغرافية)، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية والثقافية، كما يصفه في مقدمته فهو « خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة هذا العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن الكسب والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال».

بين المطبوعات العربية المتخصصة بالعمارة تبرز مجلة «دوموس» العربية، التي تصدرها الشركة السعودية للنشر المتخصص ومقرها الرياض، تؤكد على هذه الرؤية من خلال محتوى متخصص ورصين، اشتمل عدداها لشهري آذار ونيسان، على تحقيق موسَّع حول المخطط الهيكلي والاستراتيجي لمدينة الرياض، والرؤية المستقبلية للواقع المعماري فيها خلال السنوات الخمسين القادمة تحت عنوان: «الرياض 2060»، ومقابلة مع المعماري الأردني رامي ضاهر قارب قضايا عديدة ذات صلة بالعمارة كمنتج أكاديمي وبحثي، والتراث وهوية المدينة العربية والخطاب المعماري.

إلى جانب مواد تتناول قوى التجديد في العمارة، وتقنية التصميم الرقمي وأثرها في العمارة التقليدية، وعرضاً لمشروع مركز الملك عبد الله المالي، وآخر لمجمع الشاطئ الغربي في قطر، وتقارير تتعلق بفكر بعض المعماريين والفنانين البارزين وتوجهاتهم، الذين أسسوا مدارس خاصة بهم في العمارة والتصميم والفنون.

دوموس العربية تلتزم باتفاق شراكة مع شركة Editoriale Domus الإيطالية، الناشر لمجلة Domus العالمية، التي تعد من أهم مراجع المعماريين والمصممين في العالم منذ ما يزيد على 81 عاماً، وتعد النسخة العربية من المجلة خطوة هامة في صناعة محتوى متخصص ومتميز يلبي احتياجات المهتمين العرب بالعمارة المعاصرة والتصميم الداخلي والفنون.

ارتباط العمارة بالفنون، تعرضه «دوموس» في عدديها الأول والثاني من خلال قراءة تجربة النحات المصري محمود مختار، والفنان الأردني مهنا الدرة، وينبثق الارتباط من استيعاب العلاقة العضوية على المستوى الجمالي والمهني، كما تحضر المنحوتات والأيقونات واللوحات والتصاميم التي قدّمها الفنانون ضمن رؤية المبنى الواحد طوال التاريخ، إضافة لكون العديد من المعماريين هم في الوقت نفسه من رموز الفن التشكيلي والنحت والتصوير.

تفتقر المكتبة العربية للمراجع والكتب المعمارية، وكذلك الحال في الصحافة، ما يدّل عليه صدور واحتجاب العديد من المجلات المعمارية التي تعثر صدورها رغم تميز بداياتها، وفي البال ذلك الجدل الذي لا ينتهي حول الحداثة والتراث في العمارة وهو جدل يبدو أكثر حدة مما هو قائم في حقول معرفية عديدة، فعمارة الحداثة – كما هو معلوم- شكلت قطيعة وصدمة غير مسبوقة مع التراث.

“دوموس”: مطبوعة تؤاخي بين الإنسان والمكان
 
28-May-2009
 
العدد 78