العدد 78 - حريات | ||||||||||||||
محمد شما إذا كان المعوق بعامّة يعاني من تمييز مجتمعي بقدْرٍ ما، فإن المرأة المعوقة تتحمل وزرَ التمييز المضاعَف تجاهها، لكونها معوقة أولاً، ولكونها امرأة ثانياً في مجتمع لا يعترف بأهليتها في العمل، بحسب فتيات معوقات التقت بهنّ «ے». الجهود التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني تجاه هذه الفئة من المجتمع، تبدو غير مؤثرة أو ذات جدوى، حيث تقف عشرات الفتيات المعوقات في طابور البطالة، ينتظرن جهةً ما تقبل بأوضاعهن أو تتقبّلها، والأمل يحدوهن أن يُنظَر أولاً إلى قدرة الواحدة منهن على الإنتاج، لا إلى الإعاقة التي ليس لها يد في حدوثها. المفارقة في هذا السياق، أن برامج الهيئات المتخصصة في تبني قضايا المرأة، تبدو خالية من أي ذكْر لحقوق المعوقات. رئيسة الملتقى الثقافي للمكفوفين سهير عبد القادر، ترى من واقع تجربتها مع الفتيات المعوقات أن هناك «تمييزاً في كل شيء»، وتلقي مسؤولية «تكريس ذلك التمييز» على المؤسسات الحكومية. «الكثير من هذه المؤسسات إن أرادات تعيين أحد المعوقين، تكون الحظوة للمعوق الرجل». لكن رئيسة جمعية «ميزان» لحقوق الإنسان، إيفا أبو حلاوة، ترى أن التحدي الذي يواجه الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، هو «عدم وجود شكاوى حول حقوق المعوقات تحديداً»، غير أنها تستذكر شكوى استقبلتها «ميزان» من إحدى النساء قالت إن جيرانها يربطون ابنتهم المعوقة في البيت، وتحدثت أبو حلاوة عن الصعوبات التي واجهتهم في هذه الحالة: «كيف لنا أن نصل العائلة ونفاوضهم بشأن حقوق ابنتهم؟». أبو حلاوة تؤكد على أهمية الدفاع عن حقوق المرأة المعوقة. «عملنا يصل المحافظات المختلفة، أينما تكون المرأة، لكن للأسف أن هناك قصوراً في استهداف المعوقات، ويعود هذا لعدم رغبة ذوي المعوقات في التعاون معنا، بخاصة أولئك اللواتي يعانين من شلل دماغي». وجدان (25 عاما)، ما زالت تنتظر رد أمانة عمان الكبرى على طلب توظيف تقدمت به منذ ما يزيد على العام، وتدرك أن تمييزا خفيا تتعرض له، على حد وصفها، وذلك بعد مشاهدتها عددا من الشبان المعوقين تم توظيفهم في الأمانة بعد أن قدمت طلبها، وهي تعتقد أن طلبها «وُضع في الأدراج وأُغلق عليه». «أنا امرأة قادرة على العمل مثل الرجل»، تقول وجدان التي تعاني من شلل حركي، وتضيف: «يقولون لي في الكثير من المؤسسات التي تقدمت لها إن الشاب له أولوية في التوظيف، لأنه ببساطة يصرف على عائلته، بينما أنا فلا يقبلون بي رغم أن لدي مسؤوليات، على اعتبار أن هناك من يصرف عليّ». البنك الدولي كشف في العام 2008 أن نسبة الإعاقة في الأردن بلغت نحو 5.3 في المئة، بمعدل 250 ألفا من مجموع السكان، من فئات الإعاقة الحركية والذهنية والسمعية والبصرية والشلل الدماغي. لكن دائرة الإحصاءات العامة في آخر تقرير لها (2004) حددت نسبة المعوقين بـ1.23 في المئة، أي أنهم لا يتخطون 180 ألفاً، فيما يرى المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين أن الرقم غير «مقنع»، لكون عدد المعوقين أكثر بكثير مما ورد في تلك التقارير. «مؤهلاتي كثيرة، فقد حصلت على دبلوم كمبيوتر، وتلقيت عشرات الدورات التدريبية»، تقول الكفيفة سعاد (23 عاما). سعاد لها تجارب عديدة مع مؤسسات حكومية وخاصة، سبق أن تقدمت لها بطلبات توظيف، لكنها لم تحصل على رد. وتذكّر بقانون «حقوق الأشخاص المعوقين» لسنة 2007 الذي ينص في الفقرة (ج) منه على تشغيل نسبة خاصة بالمعوقين تبلغ 4 في المئة، وفقا لأعداد عمال الشركة. تضيف سعاد: «دائما ينظرون إلى مؤهلاتنا نحن الفتيات على أنها ليست أفضل من مؤهلات الشبان المعوقين»، وتستشهد بما حدث معها. من بين الجمعيات الخاصة بالمعوقين، تظهر جمعية الكفيفات التي تهتمّ بواقع الكفيفات فقط. هذه الجمعية يرأسها رجل كفيف هو خليل عمران (66 عاما)، لا ينكر أن هناك حالة من الإحباط العام لدى المنتسبات للجمعية، رغم أنهن على قدر من الكفاءة والمسؤولية في تسيير الشؤون الإدارية والأسرية. «المرأة هي المرأة، سواء كانت معوقة أو غير معوقة، أما الاختلاف فيكمن بالكفاءة»، يقول عمران، ويضيف: «لا تقلّ الواحدة منهن عطاءً وإبداعاً وعملاً عن الرجل، لكن للأسف، التمييز يلازمهن بسبب الوصمة الاجتماعية تجاه المعوق». لكن رئيس نادي الشعلة للمكفوفين مصطفى الرواشدة، يرى أن التمييز يوصَم به المعوق عموماً، دون النظر إلى جنسه. «الجميع ينظر إلى المعوق والمعوقة على أنهما عاجزَين وغير قادرَين على القيام بالمهام المطلوبة منهما على أكمل وجه، وكأنهم يربطون القدرة الذهنية بالجسدية، وهذه المصيبة الكبرى». حتى الآن لم يتحرر المعوق من الوصمة الاجتماعية السلبية، كما يقول الرواشدة، ورغم ما تقوم به الجمعيات من نشاطات ودورات تأهيلية «غير أننا لم نصل إلى وقت نشعر فيه أننا جزء من المجتمع». المادة الثانية لقانون حقوق الأشخاص المعوقين لسنة 2007، توصي بضرورة الدمج واتخاذ التدابير التي تهدف الى تحقيق المشاركة الكاملة للشخص المعوق في شتى مناحي الحياة، دون أي شكل من أشكال التمييز. ويتحدث البند (ج) من المادة الثالثة من القانون نفسه على «تكافؤ الفرص وعدم التمييز بين الأشخاص على أساس الإعاقة»، وينص البند (د) على المساواة بين الرجل والمرأة المعوقين في الحقوق والواجبات. لكن النصوص القانونية لا تجد مكانا لها على أرض الواقع. يقول الرواشدة إن المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين منذ تأسيسه في العام 2007، لم يتخذ الإجراءات الحازمة لإلزام المؤسسات على تشغيل المعوقين. ويتابع: «بذلك تفقد النصوص مكانتها». عضو مجلس إدارة الجمعية الأردنية لذوي الاحتياجات الخاصة، محمد حياصات، يقول إن «التمييز موجود» منذ الأزل، لكن «ثمة حوادث متكررة نشهدها يوميا تُرتكب بحق المرأة، ولا نستطيع إيقافها». يضيف حياصات إن هناك فتيات يزرن الجمعية ويطلبن منها مساعدتهن في الحصول على أي وظيفة في أي مؤسسة، وإن الجمعية تحاول مساعدتهن لكن دون جدوى. «إحدى الفتيات سعينا لتوظيفها في أمانة عمان، لكن بالعربي الفصيح قالوا لي أنْ لا شاغر حاليا للتوظيف بشكل عام، فكيف إذا كان صاحب طلب التوظيف معوقةً؟». حياصات يتوقف عند ما يخلفه «التمييز» بحق الفتاة المعوقة. «قد تصبح انعزالية وتحتاج إلى وقت طويل لكي تتواصل مع الآخرين». ويدعو وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، إلى لعب دور أكبر في هذا المجال. الفتيات المعوقات يسعين كي يكنّ مقبولات في مجتمعهن، ويدركن في الوقت نفسه أن المجتمع ما زال لا يقبل عمل المرأة غير المعوقة على اعتبار أنها «قاصر»، فكيف سيكون الأمر إذا كانت المرأة «معوقة» أيضاً؟!. |
|
|||||||||||||