العدد 78 - اقليمي
 

معن البياري

يصرّح الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في دمشق الأحد الماضي 24 أيار الجاري أن عجلة المصالحة العربية دارت، لكنها تسير ببطء. يبدو هذا التوصيف في محله، فليس ملحوظاً وجود زخم في مسار «العجلة»، ولا ليونةً ومرونةً ترجّح اندفاعتها.

الحرارة غائبة عن العلاقات بين دمشق والقاهرة، رغم تصريح الوزير السوري وليد المعلم، على هامش مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في دمشق،بأن العلاقة الثنائية «طبيعية»، وثمة متطلبات غير قليلة لإنعاش حوار دائم بين قيادتي البلدين، صدورا عن أن لكل من مصر وسورية أدواراً جوهرية في المسائل الإقليمية القائمة. وليس ثمّة ما يثير تفاؤلا بانتهاء الجفاء القطري المصري الراهن، الذي له تأثيراته الخفية والظاهرة في غير مسألة.

عليه، فإن المصالحة العربية ماضية في بطئها، في الصيف المرتقب، ما يبعث على القلق، خصوصاً أن استحقاقات ما بعد خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة الخميس المقبل، وما بعد الفشل غير المستبعد للحوار الوطني الفلسطيني في الرابع من تموز/يوليو، وما بعد الانتخابات اللبنانية بعد نحو أسبوعين، وما بعد انسحابات ميدانية للجيش الأميركي في العراق الشهر المقبل، جميعها وغيرها توجب إجماعات أو على الأقل تفاهمات عربية، تدرأ حالة الاحتقان التي تصاحب هذه الاستحقاقات.

ليس متوقعاً أن يعلن أوباما في الخطة الأميركية الشاملة للتسوية في المنطقة تصوراً يستجيب تماماً للتطلعات العربية والفلسطينية، وليس ظاهراً أن الخطة ستتبنى مبادرة السلام العربية، التي حظيت وجهتها إلى علاقات عربية مع إسرائيل من سيد البيت الأبيض بقدر من الثناء، من دون كبير التفات منه إلى الاستحقاقات الواجبة على إسرائيل قبل ذلك. والبادي أن أوباما في الشأن الفلسطيني، لا يخرج عن صيغة حل الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية، وتجميد الاستيطان، وترحيل موضوع القدس إلى مفاوضات ذات مرجعية غائمة، وربما يطرح توطين أعداد كبرى من اللاجئين الفلسطينيين في البلاد التي يقيمون فيها، مع موازاة هذا كله، وغيره أيضا، بوجوب أن تكون الدول العربية «أجرأ»، بحسب تعبير أوباما نفسه، في إقامة صلات مع الدولة العبرية. ولأن الكلام سيكون وفيرا عن «خيبة أمل» عربية وفلسطينية من الرئيس الذي أُغدقت على إدارته مواصفات الاختلاف عن سلفه جورج بوش، يصير الأجدى تبيّن العجز العربي التام عن تظهير البدائل، وتحقيقها في الواقع، ووضعها في الأجندتين الأميركية والدولية. والبادي أن تشوشاً مُقلقاً يكتنف المشهد السياسي العربي راهناً ومرشح للامتداد، بعد أن يجهر أوباما بما لديه، لأن الاستقطابات ستنشط، ولأن دعاوى المزايدة من أطراف وجهات وفصائل ستتوالى.

في هذه الغضون، لا يلوح أن جولة الحوار الوطني الفلسطيني، وهو في حقيقته حوار بين حركتي فتح وحماس، في الرابع من تموز/يوليو، ستُختتم باتفاق بين الحركتين ينهي الانقسام القائم، ويُغلق ملفات الخلاف المعقدّة. وقد لا يكون لدى القاهرة ما قد تقوم به، وهي التي ترعى الحوار المذكور وتستضيفه، وأنذرت طرفيه بأن جولته المقبلة ينبغي أن تكون الأخيرة، وأن تنتهي بالاتفاق المأمول. وسيزيد الوضع الكارثي في المشهد الفلسطيني حدّةً إذا سارت الأمور على النحو الذي هي عليه، ما قد يعني أن مقادير من القلق ستطغى على المشهد الفلسطيني في الصيف المنتظر. في البال أن زخم الإجماع العالمي على إعادة الإعمار والبناء في قطاع غزة ضَعُف كثيرا، ويدفع أكلاف ذلك أهل القطاع الذين لا يتضح أن إنقاذهم من الحصار والاستهدافات الإسرائيلية العدوانية، في صدارة مشاغل طرفي الحوار، المضجر والمفتعل من فرط حالة التكاذب بينهما.

لبنانياً، يُقرأ المكتوب من عنوانه، وفيما يكاد الاتفاق في مختلف التوقعات والاجتهادات عامّا، على أن أحد طرفي المعادلة السياسية هناك ستكون له الأغلبية النيابية بعد انتخابات السابع من حزيران/يونيو بمقاعد قليلة، وأن التنافس الحقيقي بين تكتلي 14 و8 آذار يكاد ينحصر في الوسط المسيحي، بل تكاد النتائج الحاسمة مرهونة بعدد ما قد يجنيه التيار الوطني الحر بزعامة ميشيل عون، المتحالف مع حزب الله من مقاعد، وإن كان الاقتراع ستتم معاينته بانتباه خاص في بعض الشمال اللبناني، وفي صيدا جنوبا حيث فؤاد السنيورة مرشحاً. وتكشف تصريحات قيادات وزعامات التكتلين أن تداعيات تحقيق أيٍّ منهما الأغلبية كثيرة ومقلقة. فتشديد قوى «14 آذار» ذات الأغلبية النيابية الراهنة على عدم مشاركتها في حكومة وحدة وطنية إذا ما قيض الفوز لخصومها، يعني أن لبنان سيشهد حالا من التباعد الدولي عنه، وأن إسناده اقتصاديا وسياسيا وعسكريا قد يغيب أو يضعف. وقد صرح نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ذلك بوضوح في بيروت، قبل أيام، أن استمرار دعم بلاده للبنان وجيشه مرتبط بتركيبة حكومة ما بعد الانتخابات.

وإذا حافظت قوى « 14 آذار» على الأغلبية النيابية، وتمسكت برفضها صيغة «الثلث المعطل» لقوى المعارضة في الحكومة المقبلة، وهذا ما تعلنه في هذه الأيام، فإن تأزما سياسيا حادّا سيعبر فيه لبنان في الصيف، مع ما يعنيه ذلك من تدخلات ورياح سورية وسعودية وإيرانية وأميركية على الحلفاء والأصدقاء في لبنان، والذين غالبا ما تكون خياراتهم السياسية صدى لأهواء الخارج. ولأن الحال اللبناني يمضي إلى هذا الالتباس، بعد انتخابات مجلس النواب الجديد، والموصوفة بأنها مصيرية وتاريخية، وهي كذلك، فإن القلق على هذا البلد مسوّغ تماما.

ويسوغ مقادير من التحسب في مطرح عربي آخر، هو العراق، أن انعطافاً ميدانياً سيعبر إليه هذا البلد في الصيف، ففي أواخر حزيران/يونيو هناك استعدادات لانسحاب وحدات جيش الاحتلال الأميركي من المدن والقصبات إلى قواعد خارجها، وفقا للاتفاق الأمني مع واشنطن، وهو استحقاق يضع القوات العراقية أمام اختبار جدّي. وحسب مصادرعسكرية مأذونة، فإن 111 معسكراً أميركياً سُلمت إلى الجانب العراقي، وتبقى 86 معسكرا يُتوقع تسليمها قبل الانسحاب الأميركي من المدن. ويفترض أن تبعث هذه الأخبار بعض الارتياح لدى العراقيين والعرب، طالما أن الانسحابات الأميركية المنتظرة، خطوات أولى في اتجاه تخفّف العراق من وطأة تواجد قوات الاحتلال الأجنبي في أراضيه. وقد يسوّغ الارتياح إعلان وزارة الداخلية العراقية أنها ووزارة الدفاع أعدتا خطة أمنية متكاملة، لإعادة انتشار القوات العراقية بعد انسحاب القوات الأميركية، تقوم على مبدأ عدم الاعتماد على الجانب الأميركي في شكل كامل، على عكس خطط أمنية سابقة.

المأمول أن يصيب التوفيق هذا التصور العملياتي في البلد العربي المتعب، غير أن للقلق مبرره من أن يكون حال قوى الأمن والشرطة والدفاع العراقية، على غير التشخيص الذي يشيعه المسؤولون هناك، فتجد قوى الشر والتطرف الأعمى وعناصره من جماعات القاعدة والجهاديين المذهبيين، وكذلك خصوم هؤلاء في انتماءات طائفية أخرى واصطفافات مغايرة وارتباطات خارجية مختلفة، تجد المشهد الميداني المرتقب أيسر لاستئناف أنشطة القتل والتخريب في غير مكان، يذهب ضحاياه من المدنيين والعسكريين الأبرياء، عدا عن إضعاف المؤسسات والمنشآت. وقد يبرر شيئا من التطير أن مثل هذه الأنشطة تصاعدت على نحو ملحوظ في الأسابيع الماضية في بغداد وغيرها، بعد أن ساد الاطمئنان في الأشهر القليلة الماضية، على مسار الهدوء والسيطرة الأمنيين.

هي حالات من القلق بشأن ما قد يحدث في فلسطين والعراق ولبنان على أبواب الصيف، ولا يعني اقتصار الحديث هنا عن الملفات الثلاثة، مضافة إليها تعقيدات المصالحة العربية ذات العجلة البطيئة، أن أحوال بلدان أخرى في المشرق والمغرب العربيين تبعث على التفاؤل والحبور، فالذي تكابده اليمن وتتنازعه السودان وتراوح فيه موريتانيا، أمثلة على مشروعية تعميم القلق عربياً، في الصيف وما بعده.

استحقاقات في لبنان، فلسطين والعراق قلق على أبواب صيف سياسي ساخن
 
28-May-2009
 
العدد 78