العدد 78 - اقليمي
 

سليم القانوني

تعتمل المنطقة حالة من عدم التيقن وخلط الأوراق قبل أيام من خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة، فيما تطل مؤشرات قلاقل في عدّة دول بانتظار معرفة البوصلة التي ستحددها خطته المفترض أن يفصح عنها لاحقا بما يتصل بتسوية القضية الفلسطينية.

بالتزامن مع الخطّة المنتظرة، تشهد مسارح عدّة دول من إيران إلى لبنان انتخابات على جانب من الأهمية.

لم تشهد المنطقة منذ سنوات حراكاً نشطاً كالذي تعيشه هذه الأيام. تختلط في الحراك الجديد فرص تسوية شرق أوسطية، بمحاذير تصعيد عسكري ضد إيران ولبنان، وما يتصل بذلك من خلط أوراق سياسية.

مضي المئة يوم الأولى من ولاية أوباما قبل اسابيع، وما تخلل تلك الفترة من خطاب أميركي جديد ومقاربة مغايرة لأزمات المنطقة والعالم، سمح بهذا التحرك. على أن وصول نتنياهو إلى الحكم في تل أبيب في الفترة نفسها تقريباً، أسهم في دفع هذا التحرك إلى الأمام الذي اتخذ صفة استباقية، وأدى إلى بروز محاذير من تعطيل فرص الحلول، والعودة إلى خيارات صفرية تتعدى الأزمة الشرق الأوسطية المستعصية والمركزية، إلى مواجهة إسرائيلية مع إيران.

التحركات تشمل مصر مصر التي زار وزير خارجيتها احمد أبو الغيط ووزير المخابرات عمر سليمان واشنطن منذ الثلاثاء الماضي 26 أيار/مايو الجاري. وقد جاءت هذه الزيارة استباقًا لزيارة أوباما المرتقبة الأربعاء المقبل إلى العاصمة المصرية، حيث سيحدد الرئيس الديمقراطي ملامح تحرك ادارته في الملف الفلسطيني الإسرائيلي. كما أتت زيارة المسؤولين بعد نحو عشرة أيام على زيارة نتنياهو الأولى إلى واشنطن، وكانت من المرات النادرة في تاريخ العلاقات الإسرائيلية الأميركية التي يتحدث فيها أرفع مسؤولين في الجانبين بمنطقين متوازيين لا التقاء بينهما.

القاهرة استقبلت كذلك الاثنين 25 الجاري الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ووزير الخارجية السعودية سعود الفيصل، وقد عقد الرئيسان مبارك وعباس والوزير الفيصل، اجتماعاً مشتركاً قبل أن يقصد الوزيران أبو الغيط والفيصل إلى أبو ظبي، والمعلومات الراشحة أن اللقاء الثلاثي تناول مجدداً الملف الفلسطيني الإسرائيلي. أبو الغيط انتقل من أبو ظبي إلى واشنطن.

عباس يحل اليوم الخميس على البيت الأبيض، في زيارة ارتأت السلطة الفلسطينية أن تتم بعد زيارة نتنياهو لواشنطن. يسعى عباس لتقريب خطابه من خطاب الإدارة الأميركية، بالتركيز على حل الدولتين ووقف الاستيطان، كركيزتين للسلام الموعود واستئناف التفاوض. ما رشح عن برنامج الزيارة، لا يفيد أن عباس يسعى لطرح آليات محددة.

في هذه الغضون قامت الدولة العبرية خلال الأسبوع الجاري، بواحدة من مناوراتها العسكرية الكبرى، لمحاكاة ردود إسرائيلية مفترضة على صواريخ تطلق من طهران ومن جنوب لبنان ومن قطاع غزة بصورة متواقتة. وقد دأبت تل أبيب منذ قيامها على وصف كل تحرك لها، بما في ذلك كل هجوم تشنه، بأنه ذو طابع دفاعي. وقد حذرت واشنطن مراراً حلفاءها في تل أبيب من مغبة هجوم مفاجىء على منشآت ومواقع إيرانية، دون أن يبدل ذلك في الخطاب الإسرائيلي الذي يضع التهديدات الإيرانية على رأس سلم الأولويات.

أمين عام حزب الله حسن نصر الله،كان حذر في خطاب له في وقت سابق من أيار الجاري من حرب قد تشنها تل أبيب في الفترة بين نهاية أيار/مايو الجاري والرابع من حزيران/ يونيو المقبل. نصر الله اعتبر تقرير «دير شبيغل» الألمانية التي تحدثت عن دور مزعوم لحزب الله في اغتيال رفيق الحريري، بأنه «تقرير إسرائيلي».بعد نشره مطلع الأسبوع الجاري طالب وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بالقبض على نصر الله. ليبرمان يواجه قضايا فساد ولم يسبق له العمل في المجال الدبلوماسي أو الأمني. علماً بأن حرباً جديدة على لبنان في هذه الظروف، من شأنها تعطيل الاستحقاق الانتخابي في السابع من حزيران المقبل، وزج البلد الأخضر في فوضى سياسية محمولة على حالة الاحتقان الانتخابية السائدة.

تصر حكومة الليكود حتى تاريخه، على أن الملف الإيراني يتقدم على كل اعتبار آخر. الهدف إضافة إلى سعي تل أبيب على الانفراد بامتلاك أسلحة نووية، هو إطفاء الاهتمام بمركزية التسوية العربية الإسرائيلية، والبحث عما يسمونه في تل أبيب بمساحة مشتركة ضد إيران مع الدول العربية، وبخاصة المعتدلة منها.

مسؤولون إسرائيليون بينهم رئيس الاركان غابي أشكنازي، دعوا الثلاثاء الماضي 26 الجاري واشنطن صراحة الى دعم حرب إسرائيلية على طهران في حال فشل الحوار الأميركي مع طهران. وهي دعوة نادرة في إشهارها خيار الحرب علانية.

نتنياهو ووزراء آخرون استغلوا تجارب صاروخية نووية أعلنت عنها كوريا الشمالية السبت الماضي ولقيت تنديداً دولياً واسعا شمل مجلس الامن ، للتحذير من خطوة إيرانية مماثلة ومرتقبة وللتصعيد ضد طهران وملفها النووي.

الرئيس مبارك في أول ظهور له بعد الحداد العائلي على وفاة حفيده، رفض هذه المقاربة في لقاء مع كبار المسؤولين المصريين السبت الماضي. الدول العربية «المعتدلة» لا تجد هذه المساحة المشتركة ضد إيران وتشدد على استحقاقات التسوية كأولوية، كما في تصريحات أردنية وسعودية متواترة.

مع ذلك لا تفرغ الجعبة الإسرائيلية من ألعاب الحواة: نتنياهو في لقاء مع أركان حزبه الثلاثاء الماضي، أعرب عن استعداده لمقايضة تفكيك المستوطنات العشوائية في الضفة الغربية المحتلة، وعددها نحو 26 بؤرة، بتصفية الملف النووي الإيراني. نتنياهو بذلك بوعي أو دون وعي، «يفاوض» طهران على مستقبل الأراضي المحتلة، وفي ذلك ما يلبي طموحاً إيرانياً مستتراً.

تستخدم تل أبيب البؤر الاستيطانية التي يبادر مستوطنون لإقامتها، للإيحاء بأن ملف الاستيطان كله يتعلق بهذه البؤر، في الوقت الذي يتم فيه الإعلان تباعاً عن المضي في توسيع المستوطنات القائمة لأغراض «النمو الطبيعي».

هناك محاذير جدية من تحول المستوطنات الكبيرة، وهي بمثابة مدن متكاملة، إلى أمر واقع كما يسعى الاحتلال الإسرائيلي، فقد رشح عن «مبادرة أوباما» أنها تعرض تبادلا في المناطق بين الجانبين. فيما اقترح المفاوض الفلسطيني أحمد قريع منح المستوطنين وعددهم لا يقل عن ربع مليون الجنسية الفلسطينية، دون الإشارة إلى ملكية الأراضي المقامة عليها المستوطنات والسيادة عليها.

كان الملك عبدالله الثاني، وهو أول مسؤول عربي يستقبله الرئيس أوباما، قد حث ساكن البيت الأبيض على التقدم بسرعة على طريق التسوية، وإلا فإن حرباً مقبلة ستقرع الأبواب بقوة قبل مضي 18 شهراً. الأردن نفى أي تعديل على المبادرة العربية للسلام التي أطلقت قبل سبع سنوات في بيروت، مع الاستعداد لتوسيع إطارها لتشمل العالم الاسلامي. غير أن ما رشح عن مبادرة أوباما أنها تقفز عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذي شردوا من ديارهم العام 1948 وتحصر العودة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.

المحادثات عالية المستوى التي باشرها الوفد المصري في واشنطن، تتناول حُكماً بين موضوعات أخرى«مبادرة أوباما» التي سيطلقها صاحبها من جامعة القاهرة. من المهم تضييق شقة أي خلاف محتمل على بنود في المبادرة،كعودة اللاجئين، قبل إشهارها. مبادرة السلام العربية تمثل أساساً غير قابل للقفز عنه، وقد سبق أن أُدرجت في قرارات لمجلس الأمن. العرب بادروا من جهتهم وفي وقت مبكر لشمول دول غير متاخمة للدولة العبرية في مبادرتهم، بما يشكل عرضاً سخياً يضاف اليه عرض شمول الدول الإسلامية في التطبيع مقابل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.

يحذر أستاذ اكاديمي أردني من «الانسياق إلى سجال وتنافس في المبادرات السلامية، فالمهم أن يتغير السلوك الإسرائيلي على الأرض، وأن ينتقل الحديث إلى إنهاء الاحتلال وبدء سحب القوات المحتلة، كاستحقاق لا غنى عنه لمنح العملية السياسية معنى، طالما افتقدته منذ إجهاز اليمين الإسرائيلي على اتفاقية أوسلو بعد اغتيال إسحق رابين قبل ثلاثة عشر عاماً».

المناورات الإسرائيلية السياسية والعسكرية تقتضي موقفاً عربياً يتجاوز مجرد التمسك بمبادرة السلام، إلى اتخاذ إجراءات حازمة كتضييق هامش التطبيع، والمطالبة بإحلال قوات حماية دولية في الأراضي المحتلة، وبرعاية دولية مباشرة لأية مفاوضات.

تحرك مصري لضبط “مبادرة أوباما” تلويح إسرائيلي بتصعيد عسكري يخلط الأوراق
 
28-May-2009
 
العدد 78