العدد 78 - الملف
 

محمد جميل خضر

في روايته «شجرة الآرغان» المنشورة العام 1978، يعاين الروائي سليمان قوابعة حياة امرأة مغربية يقع زوجها ضحية الإدمان، فتضطر لعصر ثمار الآرغان، وبيعها زيتا لتقيم أود العائلة، وتستر واقعها وتعيل أولادها وزوجها المدمن، بتفان استثنائي.

لماذا يكتب أديب أردني عن المغرب؟ ربما يطرح السؤال. والجواب أن قوابعة كان قد غادر إلى المغرب ضمن بعثة تعليمية أردنية، وهناك بدأت مسيرته الروائية الحقيقية.

قوابعة، المولود في الطفيلة أواخر صيف العام 1943، درس صفوفه الابتدائية الثلاثة الأولى في جنين، فقد أخذته والدته مع شقيقاته لتقيم مع ابنها البكر الذي كان جندياً في الجيش العربي، وجاء توزيعه العسكري في جنين.

وما زال قوابعة يحتفظ بذكريات لا تنسى عن تلك المرحلة من عمره، فمكان سكنه في جنين كان عند منحدر جبل أبو ظهير الذي كان يتيح له، إذا ما صعد الجبل، أن يرى مرج ابن عامر الممتد بخضرته وخصبه وجماله الأخاذ.

في جنين سمع من عواجيز المدينة قصصا عن عشيرة الجوابرة الطفيلية، التي هب رجالها ونساؤها العام 1798 لنجدة أهل عكا، عندما علموا أن حملة نابليون وصلت أسوارها، فقرروا أن يكونوا ظهيراً لأهلهم هناك ونصرة لهم، بعد صيحة أطلقتها النساء «يا ستار ما في البيدا رجال». تنادى الرجال والنساء ووصلوا بداية إلى وادي عربة، ومنها إلى قرية سعير في الخليل، ومنها إلى وادي الباذان قرب نابلس، ومن ثم وصلوا يعبد، حيث استقبلهم أهلها.

ويروي قوابعة أن الجبل الذي أبقى رجال الجوابرة نساءهم فيه، قبل أن ينطلقوا صوب عكا، ما زال يحمل اسم جبل الجابريات حتى يومنا هذا. وهو ما أكده

فردريك بيك في كتابه «شرقي الأردن وقبائلها» الذي روى فيه ما يؤكد قصة القوابعة.

قوابعة يتذكر أيضاً من زمن جنين في مسيرته الحياتية، مقبرة شهداء الجيش العراقي واسمها «مقبرة الأميرة عالية»، نسبة لعالية ابنة الأمير فيصل الأول.

عاد القوابعة إلى الطفيلة، وواصل دراسته حتى حصل على الشهادة الثانوية من مدرسة الكرك. ومنها انطلق إلى عمان ليدرس في جامعتها الجديدة آنذاك.

تأثر قوابعة بالحراك الأدبي الثقافي الذي كان سائدا في أجواء الجامعة الأردنية، فكتب العام 1967 أولى رواياته «جرح على الرمال»، وعرضها على الأستاذ هاشم ياغي، الذي أبدى بعض الملاحظات، وطلب منه أن يواصل الكتابة. في العام 1969 نشر قوابعة تلك الرواية، لكنه لم يلق تشجيعاً كبيراً من البيئة القروية التي كانت تحيط به. وفي العام 1976 غادر إلى المغرب معاراً من وزارة التربية والتعليم، للعمل مدرساً هناك.

هناك، في المغرب، سمع قوابعة بمسابقة أدبية أعلن عنها، فما كان منه إلا أن شارك برواية «شجرة الآرغان» التي فازت بالجائزة الأولى. ثم شارك في مسابقة أدبية أخرى في القيروان التونسية، وفاز أيضاً. لكنه لم يعد نفسه كاتباً، إلا عندما عاد إلى الأردن، وسمع من أصدقاء له أن أستاذه القديم هاشم ياغي أشار إليه في برنامج تلفزيوني.

ربطت قوابعة بابن بلدته الطفيلة تيسير سبول الذي كانت علاقة من خلال علاقة والدي الاثنين. لكن تيسير سبقه مع شقيقه الأكبر، شوكت، إلى عمان والزرقاء.

بعد ذلك بأعوام، زار قوابعة تيسير في الإذاعة، حيث كان سبول يقدم مع الشاعر عز الدين المناصرة، برنامجاً يرعى الكتابات الشابة والواعدة، وقرأ قوابعة لسبول قصيدة مطلعها «يا ليل هل ترتقي إلا على رمقي؟ وهل تجوب بنا في أوبة الشفق/ يا ليل يا عين يا أصداء حنجرتي». فبكى تيسير تأثراً بالقصيدة وأجوائها الرومانسية الحزينة، وطالبه بأن يهجر الشعر ويتحول إلى الرواية قائلاً: «لا تسبقني! لا تسبقني! إياك أن تسبقني!» كان ذلك قبل انتحار تيسير سبول بفترة قصيرة. فهل كان تيسير يحذره من ألا يسبقه إلى الموت؟

سليمان قوابعة: من الطفيلة إلى المغرب عبر جنين
 
28-May-2009
 
العدد 78