العدد 78 - أردني | ||||||||||||||
سوسن زايدة رسالة قصيرة ظهرت أسفل شاشة فضائية وطن (WTV)، وُصفت بأنها «أساءت لبنات العبّاد»، دفعت 15 شاباً من كبرى عشائر الأردن فجر السبت (23 أيار/مايو)، لمهاجمة مقر القناة، وتكسير مقتنيات فيه قدَّرَ تكلفتها صاحب المحطة، النائب السابق رائد قاقيش، بـ25 ألف دينار. في ساعات معدودة، ظهرت الرسالة وتكسرت القناة، وتمكن الأمن العام من التعرف على المعتدين، بعد أن زودهم العاملون في المحطة بأرقام السيارات الخمس التي جاءوا فيها إلى القناة، وبشريط الفيلم المسجل لكل من دخل القناة، وبعد أن أُخذت البصمات من أرجاء المكان. لكن لم يتم القبض على المعتدين بعد. «التحقيق جارٍ، والفاعلون معروفون لدينا»، «لو قدم قاقيش شكوى لقدمنا جميع الأطراف للمحكمة، لكنه أسقط حقه»، «من قال إننا ألقينا القبض عليهم؟»، «نحن بانتظار ما سيحدث في جلسة الصلح العشائري، تدخلت وجوه من عشيرة الفايز ونتوقع حل الخلاف»، بهذه العبارات أجاب الناطق باسم مديرية الأمن العام، محمد الخطيب، على سؤال: هل ألقيتم القبض على المعتدين؟. الصلح العشائري قد يحمي من قاموا بمهاجمة محطة «وطن»، لكنه لن يحمي المحطة من هيئة الإعلام المرئي والمسموع التي أعلنت، في رد فعل سريع في صباح أول يوم دوام رسمي لها بعد الحادث، عن «إحالة المتسببين بمخالفة أحكام قانون الإعلام المرئي والمسموع المؤقت رقم 71 لسنة 2002 والأنظمة والتعليمات الصادرة بمقتضاه، إلى الجهة القضائية المختصة، وذلك على خلفية قيام المحطة ببث رسالة قصيرة (إس إم إس) أرسلها مشاهد، وانطوت على عبارات مسيئة». «تعرضنا إلى قرصنة»، يقول قاقيش، «استطاع أحدهم الدخول إلى جهاز (SMS) واختراقه، وظهرت بالخطأ رسالة نصية مسيئة على الشاشة. لم تكن مقصودة إنما كانت عبارة عن فيروس اخترق نظام الرسائل في الفضائية». رجال الدرك يحرسون بيت قاقيش، ورجال الأمن العام يحرسون مقر المحطة في شارع وصفي التل (الغاردنز)، والمحطة أوقفت بثها الذي اقتصر على عبارات اعتذار موجّهة لعشيرة العبّاد على الرسالة المسيئة. ولا معلومات واضحة عن صلح عشائري بعد، رغم «عطوة» عشيرة الفايز، واجتماع عشيرة العبّاد في ديوان المناصير بحضور عدد من النواب والمحامين، ومالك الفضائية قاقيش، ورغم اتصالات مع وزراء ومسؤولين. «نطالب بالإفصاح عن مرسل الرسالة القصيرة المسيئة لفتيات العشيرة، التي بُثت على تلفزيون (وطن)، وإعادة الاعتبار معنوياً للفنان شادن العبادي، وإغلاق المحطة»، يقول إبراهيم العبادي ومثايل الحويان، والدا شادن، المشارك في المسابقة الغنائية في فضائية «وطن»، حيث يرسل جمهورها الرسائل القصيرة. «آل قاقيش سيكونون بوجه جلالة سيدنا حتى تأتي جاهة من جميع العشائر الأردنية، ويكون على رأسها سمو الأمير غازي بن محمد، وفيها ستُطرح مطالب العشيرة»، تقول الحويان. في ظهيرة اليوم الثاني للحادث، تجمهر العشرات من عشيرة العبّاد أمام وزارة الداخلية للمطالبة بإغلاق فضائية «وطن». في عصر اليوم نفسه، تجمع حوالي 200 شاب من عشيرة العباد قدموا بسياراتهم الخاصة وهاجموا مبنى المحطة مجدداً، إلا أن قوات الأمن العام طوقت مبنى الفضائية، وتوجه إلى المكان العميد حمدان السرحان، مدير إقليم العاصمة، وعدد من المسؤولين الأمنيين. حادثة الاعتداء على مؤسسة إعلامية أو على صحفيين، بسبب بث أو نشر شيء ما، ليست الأولى من نوعها. من أبرز هذه الاعتداءات اعتداء نواب على مصورين صحفيين بالضرب تحت قبة البرلمان، واعتداء شبان على الكاتب جميل النمري. إضافة إلى تهديد إعلاميين بالاعتداء أو الضرب، كُشف عن بعضها ولم يُكشف عن أخرى، لخشية الإعلاميين من التبعات. نائب نقيب الصحفيين الأردنيين، حكمت المومني، وصف الحادثة بأنها «غريبة على المجتمع الأردني»، ودانها، وشدد على أهمية اللجوء إلى القضاء في حال تعرض أي مواطن للإساءة أو التشهير،من قبل مؤسسة إعلامية وليس الاعتداء عليها. عضو مجلس النقابة وأمين سرها ماجد توبة، يقر بوجود المشكلة، ويؤكد على ضرورة إيجاد حل جذري لها. «مبدأ الاعتداء على أي مؤسسة إعلامية وأخذ الحق باليد مرفوض ومدان ومستنكَر». لكن القضية وفقاً لتوبة، أخذت بعداً آخر عندما تنازل صاحب هذه الفضائية عن حقوقه. «يبدو أنه أدرك أن هناك خطأ ارتُكب وأراد أن ينهي المشكلة. وهذا يعيدنا إلى ما تمرره بعض وسائل الإعلام من رسائل وتعليقات مسيئة على الفضائيات أو المواقع الإلكترونية، حيث تدخل في باب المخالفة القانونية أو مواثيق الشرف الصحفية، والتشهير والطعن الشخصي. وهذا أمر يتطلب تنظيماً مهنياً وضبطاً وإدارةً من وسائل الإعلام لكي لا نقع في المحظور، ولكي لا نتيح الفرصة لمعاداة الإعلام وتقييده». للقضية شقّان، كما يرى مدير مركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور. الأول: الاعتداء على مؤسسة إعلامية، «وهذا خط أحمر لا نقبل تجاوزه، وندينه مهما كانت المبررات. نحن في دولة سيادة القانون، لا يجوز أن يقرر أحدهم أن هذا مذنب وأن يعاقبه بنفسه». والشق الثاني: ظهور رسالة مسيئة على فضائية، «وهذا غير مقبول على الإطلاق، لأن هناك مدونات سلوك ومواثيق شرف تمنع الإساءة للناس. هناك قضاء يستطيع أي متظلم أن يلجأ له وأن يأخذ حقه من خلاله»، يقول منصور. الحادثة، كما يرى الكاتب الصحفي فهد الخيطان، «سلطت الضوء على حال الفضائيات الأردنية الخاصة التي انطلقت منذ أربع سنوات تقريباً». ويصف في مقالة نشرتها «العرب اليوم» الاثنين (25 أيار/مايو) «أزمة (وطن)» بأنها «ليست إلا واحدة من عناوين أزمة تطال كل مناحي الحياة في بلادنا...». ويتابع: «تتجلى مظاهر هذه الأزمات في الميل المتزايد للعنف، والانكفاء نحو الولاءات التقليدية، وتنامي مشاعر العداء بين الناس، والعجز عن الإبداع، والسقوط في عالم الجريمة، وفقدان الثقة بالقيم الجمعية والحضارية». «في مثل هذه الظروف يتجه الناس إلى أخذ القانون بأيديهم، الجمهور الغاضب يريد الفوز لفريقه (خاوة)، وطالب الوظيفة لا يفكر بغير الوساطة لتحصيل حقه، والسياسي يسعى للمنصب بالتزلف والتقرب... هكذا تدور العجلة في المجتمع. عندما تتراجع سلطة القانون والمؤسسات، ويندثر المشروع الوطني الجامع، ونفتقد قيم العدالة والمساواة، ينحدر الوعي الاجتماعي إلى أدنى درجاته، ويدخل الوطن -كل الوطن- في أزمة، بحيث تكفي رسالة نصّية مسيئة لإشعال حريق اجتماعي وسياسي»، يقول خيطان. |
|
|||||||||||||