العدد 78 - أردني | ||||||||||||||
دلال سلامة منذ 11 عاما و«عزّة س» (27 عاما) رهن التوقيف الإداري، ذلك أنها كانت في السادسة عشرة من عمرها عندما تم احتجازها لـ«الاشتباه بالزنا»، وهي منذ ذلك التاريخ رهن الاحتجاز الوقائي بسبب تهديد أشقائها. عزّة التي فقدت قدرتها بعد هذه السنوات على الاحتمال، تريد الخروج رغم التهديدات، وقد عبّرت عن ذلك في لقاء لها مع ممثلين عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»: «لقد أخطأت، لكنني قضيت 11 عاما في السجن، عشت هنا حياتي برمتها.. أنا تعيسة هنا تماما.. إذا لم يطلق المحافظ سراحي فقد أمكث هنا إلى الأبد». هذه حالة من حالات ضحايا التوقيف الإداري التي حفل بها تقرير لـ«منظمة هيومن رايتس ووتش»، أُطلق في عمّان يوم 26 مايو/أيار الجاري، وانتقد بشدة ما يسمى «قانون منع الجرائم»، وهو قانون مطبق في الأردن منذ العام 1954، ويعطي الحاكم الإداري صلاحية احتجاز أي فرد دون تهمة قضائية، إن رأى الحاكم أن وجوده طليقاً يمكن أن يؤدي إلى ارتكاب جريمة. ووفق تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان للعام 2008، فقد بلغ عدد الموقوفين إدارياً 13181 شخصاً، في العام 2008. التقرير المسمّى: «ضيوف المحافظ»، انتقد بشدة بنود القانون الذي يمنح المحافظ حق اعتقال من يرى أنه «في حالة تجعل وجوده طليقاً بلا كفالة خطراً على الناس»، ومن «اعتاد اللصوصية أو السرقة»، ومن «على وشك ارتكاب أي جرم، أو المساعدة في ارتكابه». المحافظ أيضاً لديه سلطة وضع الشخص المعني تحت مراقبة الشرطة بدلاً من الاحتجاز، فيُمنع من نقل «مكان إقامته إلى أي قضاء أو مدينة أو قرية من دون تفويض خطي من قائد المنطقة»، أو «يحظر عليه مغادرة القضاء أو المدينة والقرية دون تفويض خطي من قائد المنطقة»، أو إلزامه بالحضور إلى «أقرب مركز شرطة كلما كلفه بذلك مأمور الشرطة المسؤول»، أو إلزامه بأن «يبقى داخل مسكنه بعد غروب الشمس بساعة واحدة لغاية شروقها، ويجوز للشرطة أو الدرك زوره في أي وقت للتأكد من ذلك». وهو يذكر صراحة أنه «ليس من الضروري في الإجراءات التي تُتخذ بمقتضى هذا القانون إثبات أن المتهم ارتكب فعلاً معيناً، أو فِعالاً معينة». صلاحيات مطلقة مثل هذه جعلت من الحاكم الإداري، بحسب رئيس الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان سليمان صويص، «شيخ قبيلة، ولكن بمسمى عصري هو: محافظ». صويص الذي يصف القانون بـ«العرفي»، يقول إن منظمات المجتمع المدني تحاول منذ عقدين، دفع الدولة باتجاه إلغاء القانون دون أن تنجح. «القانون يقلب موازين العدالة، فيعتقل الضحية، كما هو الحال في حالة النساء المهددات على خلفية جرائم الشرف، أو المهددين بجرائم ثأر قبلية بدعوى حمايتهم، ويترك أصحاب التهديد مصدر الخطر طلقاء». برأي ناشطين، فإن للحكام الإداريين سطوة على المجتمع تفوق سطوة القضاء. رئيس لجنة السجون والمعتقلات في المنظمة العربية لحقوق الإنسان عبد الكريم الشريدة، يقول إن بنود القانون تذكّر بسطوة الحكم التركي. «حدث كثيراً أن قال القضاء كلمته وحكم ببراءة شخص، لكنه عند إطلاق سراحه، يُستعاد بمذكرة من الحاكم الإداري ويعاد سجنه». يلفت الشريدة النظر إلى ما يسميه «افتقاد المعايير الواضحة»، فمن يقرأ بنود القانون يرى أنه يزخر بعبارات مثل «إذا اقتنع المتصرف» و«إذا رأى المتصرف» و«إذا لم يرَ المتصرف». ففي ما يتعلق بالكفالة، فإن للمتصرف أن يرفض قبول أي كفيل «لا يرضى عن كفالته»، وله أيضاً أن يرفض الكفلاء الحاليين إن «رأى أنهم أصبحوا غير أهل للكفالة». كما أن القانون الذي، بحسب الشريدة، يعطي المحافظ حق طلب كفالة مالية «لا يحدد سقفاً للكفالة، ومن هنا نرى أن المحافظ يطلب أحياناً مبالغ تعجيزية تصل إلى أربعين أو خمسين ألف دينار». الصلاحيات الواسعة للحاكم الإداري تستند، إلى حد كبير، على ما يسميه الشريدة «المصطلحات الفضفاضة» في صياغة بنود القانون. «من يحدد المقصود بعبارات مثل (خطر على الناس) أو (أفعال تعكر صفو الطمأنينة العامة)؟». المشكلة في رأي ناشطين في مجال حقوق الإنسان، لا تقتصر على أن بنود القانون تعطي صلاحيات واسعة للحكام الإداريين ليست من حقهم، وإنما هي من حق الجهاز القضائي، بل في أن هؤلاء الحكام تجاوزوا حتى على بنود القانون نفسه. يعطي الشريدة مثلاً لذلك بما يدعوه «التواطؤ ما بين الحكام الإداريين والأمن العام»، ذلك أن القانون يقضي بعرض المشتبه به على الادعاء خلال 24 ساعة، لكن «إذا أرادت الشرطة احتجاز شخص دون سند قانوني، فإنها تلجأ إلى الحاكم الإداري، حيث يستصدر لهم مذكرة توقيف إداري، يُحتجز بموجبها المعني في النظارات ومراكز التوقيف التابعة للبحث الجنائي». استغلال القانون لصالح «الخصومات الشخصية»، في رأي صويص، شكلٌ آخر من أشكال التجاوز، حيث تلعب هذه الخصومات أحياناً دوراً في استصدار مذكرات توقيف بحق أشخاص لا يشكلون بأي حال مصدرَ خطر على أحد. الشريدة يقول إن المتتبع لحالات الاحتجاز الإداري يكتشف قصصاً في غاية الغرابة. بحسب الشريدة فإن محافظ الزرقاء يحتجز ومنذ فترة تقارب الشهرين، شقيق الجاني الذي قام برشق الطالبتين بمادة الأسيد. «المحافظ يطلب منه أن يبيع منزله، ليدفع تعويضاً لعائلتي الفتاتين»، يضيف الشريدة: «أيّ قانون يجيز لمحافظ أن يفعل هذا». المرأة ضحية التوقيف الإداري تعاني من ظلم مزدوج، فلا يكفي كما تقول رئيسة اللجنة الوطنية العليا للمرأة أسمى خضر، أنها وُضعت في ظروف جعلتها مطاردة، ومرفوضة من المجتمع، ومهددة بالقتل، بل هي إضافة إلى ذلك تُحتجَز حريتها، وتُغلَق أمامها آفاق المستقبل. في رأي خضر، إن نظام تكفيل المرأة هو أيضاً شكل آخر للظلم المضاعف. «لا تخرج المرأة إلا بكفالة رجل من أقربائها، وهذا يسد الطريق أمامها، فالرجال من أقارب المرأة هم في الأساس مصدر التهديد لها». تضيف خضر: «حتى النساء اللواتي لا يحتملن الوضع القاسي للاحتجاز، ويقررن الخروج، يعامَلن كقاصرات، ويُمنع الإفراج عنهن إلا بكفالة وليّ». وزارة الداخلية رفضت على لسان ناطقها الإعلامي زياد الزعبي، التعليق على تقرير المنظمة. الزعبي صرّح لـ«ے» أن «الوزارة لم تستلم إلى الآن التقرير بشكل رسمي، وعندما تفعل فإنها سوف تعدّ ردّاً مفصّلاً ومتكاملاً عنه». المواجهة الآن في رأي صويص هي مواجهة بين «نقيضين»: سلطة القانون، والعقلية العشائرية. وهي مواجهة يرى أنها صعبة، ذلك أن «الحكومة تقاوم بشدة المطالب بإلغاء القانون، لأنها تعرف أن إلغاءه يعني سحب الصلاحيات غير المحدودة التي تتمتع بها». الشريدة يخالف صويص، حيث يرى أنه بالإمكان تحقيق نوع من التوازن بين التركيبة العشائرية للمجتمع التي هي واقع قائم «إنْ تجاوزته المنظمات الغربية، فلا نستطيع نحن تجاوزه». يضيف الشريدة: «نحن بحاجة إلى قانون لمنع الجرائم لحفظ الأمن، فلا أحد يستطيع إنكار أن الفتيات في مجتمعنا معرضات للقتل على خلفية جرائم الشرف، وأن هناك من يقتل بدافع الثأر، وهناك بالتالي حاجة لحماية هذه الفئات من الناس». خضر توافق صويص، وترى أن القانون يجب أن يُلغى. «إذا كان قانون منع الجرائم حقّقَ الأمن في فترة من الزمن، فقد آن الأوان لتجاوزه، وإعادة الاعتبار لسلطة القانون». |
|
|||||||||||||