العدد 78 - أردني
 

ليلى سليم

شهدت ثلاث سنوات من الشد والجذب بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني ، على خلفية قانون الجمعيات العامة، جولات من المشاورات بين الطرفين، أسفرت عن مشروع قانون تقدم به عدد من هذه المنظمات العام 2006، وتقول إن الحكومة تجاهلته، ومشروع تقدمت به الحكومة العام 2008، وعدلت عليه العام 2009 ويرفضه عدد كبير من هذه المنظمات.

فيما بدا أنه خطوة حاسمة في نظر بعض النشطاء وتصعيداً برأي نشطاء آخرين، دعت منظمتا هيومن رايتس ووتش، والشبكة الأوروبية - المتوسطية لحقوق الإنسان، في رسالة إلى الحكومة في أيار/مايو الجاري، إلى إلغاء قانون الجمعيات المعدل المنوى عرضه على مجلس النواب في حزيران المقبل، واستبداله بـ «مشروع جديد لقانون الجمعيات للعام 2009، يلتزم تماما بالقانون الدولي لحقوق الإنسان».

الرسالة أشارت إلى أن التعديلات المقترحة على قانون العام 2008، الذي سرى مفعوله ابتداء من كانون الأول/ديسمبر العام 2008، تعكس «تحسناً يحظى بالترحيب»، إلا أنها «لا تكفي للوفاء بالمعايير الدولية». وذلك في إشارة إلى تعديلات مثل تشكيل لجنة لإدارة السجل تضم ممثلين عن الحكومة والقطاع الخاص، واستبدال عقوبة الحبس بالغرامة، وتقليل عدد الراغبين في تأسيس جمعية من 11 إلى 7، وغيرها.

المنظمتان أبدتا قلقهما من كون مشروع القانون الجديد ما زال يفرض سيطرة حكومية كبيرة على عمل الجمعيات تهدد استقلالية الأخيرة، فهو يحظر عليها السعي لتحقيق أهداف سياسية يمكن لها أن تنتهك «النظام العام»، وهو مصطلح «فضفاض للغاية»، ويمكن أن يساء تفسيره. وانتقدت المنظمتان اشتراط القانون الموافقة المسبقة على تسجيل الجمعية، ورغم أن التسجيل يكفل حق الجمعية في اللجوء إلى القضاء في حالة الرفض، لكنه «لا يذكر الأسس المشروعة لرفض الطلبات، التي يمكن أن تعد نقطة التركيز في أي طعن قضائي في قرار الرفض».

الرسالة تنتقد أيضا إجراءات «تقييدية» مثل اشتراط الحصول على موافقة كتابية مسبقة من الوزير للحصول على التمويل، ونزع السرية عن الحسابات المصرفية، وإلزام الجمعيات بتقديم خططها السنوية، والإبلاغ مسبقا عن مواعيد الاجتماعات، وإلزامها بحضور مندوب عن الوزارة.

وهو ما حمل المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش» سارة ليا ويتسن على أن تصدر بياناً صحفياً تدعو فيه الحكومة إلى وضع «قانون جديد تمليه التزامات الأردن بالقانون الدولي»، منوهة إلى أنه «ليس من المعقول إضافة تعديلات إلى قانون ينتهج منهجا خاطئا من الأصل».

الرسالة التي وجهت إلى رئيس الوزراء نادر الذهبي، وختمت بطلب لمقابلته «في 14 أيار/مايو، أو أثناء ذلك الأسبوع»، أثارت ردود أفعال متباينة بين ناشطين في مجال العمل التطوعي، ففي حين رحب بها عدد منهم، فإن البعض تحفظ عليها.

رئيس مركز الأردن الجديد هاني الحوراني، اختار أن يمسك العصا من الوسط، فهو من ناحية ثمّن الجهود الدولية في مجال دعم مؤسسات المدني، وأكد موافقته على مطالبها باستقلالية الجمعيات، ولكنه أبدى تحفظه على «اللغة» التي استخدمتها الرسالة «اللغة كانت استعلائية، واتبعت أسلوب الوصاية في مخاطبة رئيس الوزراء، وبخاصة عندما طلبت مقابلته محددة له الموعد».

الحوراني يرى أن المنظمتين بالغتا في مطالبتهما بنسف القانون «هناك نقاط خلافية في القانون، لكنها نقاط يمكن معالجتها بإجراء المزيد من التعديلات»، يضيف الحوراني « جاء القانون ثمرة سنوات من المباحثات بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، وهي مباحثات كانت المنظمات الدولية على اطلاع عليها، فلماذا تأتي الآن لتطالب بنسف هذا الجهد كله؟!».

الناشط في مجال حقوق الإنسان سليمان الصويص، لا يرى أن اللغة هي قضية جوهرية «هناك معايير دولية يجب احترامها عند صياغة القوانين. إذا التزمت الحكومة بهذه المعايير، فإنها تقطع الطريق على أي احتجاج، وإذا لم تفعل كما هي الحال، فإن الاحتجاجات المحلية والدولية مشروعة». وعن المشاورات مع الحكومة «نعم كانت هناك مشاورات، لكن الحكومة لم تأخذ بوجهات النظر التي طرحتها المنظمات».

يوافقه على ذلك رئيس «مرصد جذور للاستشارات في حقوق المواطن والتنمية المستدامة» فوزي السمهوري بالقول «لو أن الحكومة حريصة على سمعة الأردن، وعلى تحسين صورته وسجله على الصعيدين المحلي والدولي، لما أقدمت على إصدار هذا الكمّ من القوانين المتناقضة مع المواثيق الدولية وعلى رأسها قانون الجمعيات».

وعن التعديلات فإن السمهوري يقول إنها «شكلية، ولم يتضمن القانون الجديد سوى تعديل واحد حقيقي هو إلغاء موافقة الوزير على نتائج الانتخابات».

أمين عام لجنة خبراء حقوق الإنسان في جامعة الدول العربية، ورئيس مرصد الإنسان والبيئة، طالب السقاف، رحب بالرسالة وقال إنها تعكس وجهة نظر مؤسسات المجتمع المدني، ذلك أن التعديلات التي أجرتها الحكومة على القانون كانت مخيبة «مثلا اقترحنا أن تكون الجهة التي تتعامل معها الجمعيات، هيئة مكونة من ممثلين عن الحكومة والقطاع الخاص، فجعلتها الحكومة هيئة بأغلبية حكومية ساحقة، وخصصت 3 مقاعد لمن أسمتهم خبراء في العمل التطوعي، تقوم هي بتعيينهم».

الحوراني، أبدى تحفظه على انتقاد الرسالة تقييد القانون لنشاط الجمعيات الدينية غير الإسلامية «كانت هذه مسألة مقحمة، ولم يكن يتوجب إثارتها، صحيح أن مشروع القانون الذي تقدمت به بعض منظمات المجتمع المدني العام 2006 أثارها، لكن هذا ظل اجتهادا لهذه المنظمات، ولم يعكس وجهة نظر الجميع».

السقاف يعلق على إثارة القضية، فيقول إن المشروع المشار إليه، لم يطرح «الجمعيات الدينية بالمعنى اللاهوتي فقط، وهو الذي ركزت عليه المنظمة الدولية، لقد جاء بمعنى الإيمان بعقيدة أيا كانت، كجمعيات النباتيين مثلا التي تحض على عدم تناول اللحوم».

لكن السمهوري، يرى أن لا مشكلة في إثارة المسألة. يقول: «الحرية هي المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه عمل الجمعيات الخيرية، ونحن نطالب بتطبيق هذا المبدأ للجميع».

“لا يفي بالمعايير الدولية” منظمتان دوليتان تدعوان لإلغاء مشروع قانون الجمعيات
 
28-May-2009
 
العدد 78