العدد 78 - بلا حدود
 

مهرجان الفحيص السنوي، مبادرة أطلقها نادي شباب المدينة قبل 19 عاماً، ونجح التحدي، لأن المهرجان كان تتويجاً لطموح الأهالي في ترجمة ثقافة مجتمعهم المحلي وانفتاحه إلى إنجاز على المستوى الوطني، وهو إنجاز بات يتمتع بسمعة طيبة على المستوى العربي. لم يبخل أهل الفحيص ومؤسساتهم جميعها برعاية هذا المنتج الثقافي والفني، لكنهم يتطلعون إلى الارتقاء درجات إضافية بالمهرجان، بإقامة مؤسسة خاصة به تنظم المشاركة الأهلية وتديمها وتراكم الخبرة المطلوبة. لاستعراض تطور هذه التجربة والتحديات التي تحيط بها، حاورت «السّجل» ثلاثة من رموز العمل التطوعي في المدينة: عفاف مضاعين، عودة الصويص، ورمزي سماوي.

«السّجل»: هل يمكن إعطاء نبذة عن بدايات المهرجان؟.

- رمزي: بدا التداول في فكرة إقامة مهرجان ثقافي فني راقٍ بين مجموعة من شباب وفعاليات الفحيص العام 1989. ويعد نادي شباب الفحيص هو المبادر إلى إطلاق المهرجان العام 1990 بعنوان «مهرجان الفحيص.. تاريخ وحضارة». تم التشديد منذ البداية على البعد الحضاري للمهرجان، وعلى أساس التفاعل بين الثقافات المحلية والعربية والدولية بآفاق إنسانية. يعقد المهرجان الذي يعد الأول من نوعه في الأردن، من حيث ارتباطه بمبادرة أهلية دورته التاسعة عشرة صيف هذا العام. وقد انتظم المهرجان في دوراته السنوية منذ العام 1990 باستثناء مرة واحدة صيف العام 2006، تضامناً مع الشعب اللبناني الشقيق في مواجهة الحرب الإسرائيلية.

- عودة: فكرة المهرجان استندت موضوعياً إلى خلفية الثراء الثقافي للمجتمع المحلي في الفحيص، وإلى ثقة هذا المجتمع بالقدرة على تقديم ما هو متميز عبر جسور الانفتاح،وتسليط الضوء على الجوانب الثقافية والتراثية المضيئة، وهذا ما جسدته «فرقة الفحيص لإحياء التراث» التي أسست العام 1982، و«مهرجان الفحيص.. تاريخ وحضارة» الذي أطلق العام 1990. ورغم أن إقامة مهرجان يمثل تحدياً لأهالي المدينة ومؤسساتها، إلا أن من هندسوا فكرة المهرجان في البدايات، كان لديهم ثقة بالنجاح وبالقدرة على إيصال رسالة الفحيص الحضارية، وإعادة إحياء ذاكرة المكان والزمان على امتداد الوطن.

«السّجل»: ما أركان المهرجان الرئيسية؟.

- عفاف: أركانه متعددة ومتنوعة، من أبرزها ركن المدينة الذي يتم فيه تقديم إضاءات على مدن أردنية وعربية، وركن الشخصية الذي يتناول واحدة من الشخصيات الوطنية البارزة. وهناك ركن الطفل بأبعاده الثقافية والتربوية والترفيهية. وللفنون حضورها في المهرجان، حيث يتم استضافة فنانين أردنيين وعرب متميزين. وهناك عرض لمسرحيات تجمع بين ما هو ترفيهي وناقد، وعروض لفرق فنية، وهناك أمسيات شعرية وندوات فكرية. وثمة ركن خاص بالمعارض والبازارات لعرض أعمال ومنتجات من داخل الفحيص وخارجها، إلى جانب ركن الأكلات الشعبية والسوق الشعبية.

«السّجل»: كيف يمكن تعريف أهداف المهرجان؟.

- عودة: المهرجان ليس مجرد أسبوع من الفعاليات والفرح. فهو قبل كل شيء رسالة. هناك توافق على أن تبقى الرسالة مستمرة ومتدفقة عاماً بعد عام. للمهرجان فلسفة عامة ينضوي تحتها، لكن في كل عام هناك رسالة تنبثق عن هذه الفلسفة، وهذا أحد هواجسنا في الجناح الثقافي. فعندما نبحث في ركن الشخصية، فإن شخصية العام يجب أن تعكس خصوصية ما. لذلك فإن المتتبع للشخصيات التي تم اختيارها على مدار المهرجانات السابقة، سيكون أمام لوحة تسطر ذاكرة الأردن الوطنية. وفي ركن المدينة، خرجنا مثلاً إلى فضاءات عربية، من دمشق إلى بغداد إلى القاهرة، ارتباطاً بقيم معينة. في الجانب الفني، فإن استضافة فنانين كبار مثل: سيد مكاوي، ووديع الصافي، يحمل الكثير من المعاني، لكن هناك أيضاً احتياجات الشباب لغناء وموسيقى تحاكي وجدانهم.

«السّجل»: هل هناك دور خاص للمرأة الفحيصية في المهرجان؟.

- عفاف: للمرأة في الفحيص دور مميز في المهرجان، بالنظر إلى مشاركتها الواسعة سواء في الإعداد له، أو في تنفيذ أنشطته وحضور هذه الأنشطة. وهي تشارك عملياً في مختلف اللجان ذات العلاقة، ولها باع طويل في العمل التطوعي. وتضفي المرأة بحضورها الفاعل في المهرجان على مستوى الإعداد والمشاركة نكهة خاصة، إذ يصعب تصور المهرجان في غياب المرأة عنه. ويجب التنويه الى أن دور المرأة في المهرجان، ليس معزولاً عن دورها العام في حياة الفحيص وعن انفتاح المجتمع الفحيصي. إلى جانب الأدوار المشتركة التي تؤديها، هناك أنشطة تنفرد بها مثل ركن الأكلات الشعبية الذي تشرف عليه جمعية الشابات المسيحية منذ العام 1998، والذي يقدم مجاناً خلال أيام المهرجان مئات الصحون من الأكلات مثل المجدّرة والرشوف والفطيرة والمهلبية وغيرها، إضافة إلى ما تنتجه كروم الفحيص من فواكه الصيف من عنب وتين ودراق.

«السّجل»: كيف تواجهون صعوبات التمويل؟.

- رمزي: يمكن القول إن هناك سيطرة، بشكل عام، على موضوع التمويل، ويساعدنا في ذلك أن المهرجان يعتمد في الجوانب ذات الصلة بالوضع المحلي على العمل التطوعي. كما أن مؤسسات محلية تقدم أشكالاً مختلفة من الدعم، فلجنة الكنيسة الأرثوذكسية في الفحيص توفر موقع المهرجان مجاناً، وتقوم بلدية الفحيص وأمانة عمان بتأمين البنية التحتية للمهرجان، وتقديم الدعم المادي أو الخدمات. ولا شك أن استضافة النجوم العرب هو الأكثر تكلفة على المهرجان. لكن المهرجان يتلقى الدعم أيضاً من مؤسسات رسمية مثل: وزارة الثقافة، ووزارة التخطيط، والمجلس الأعلى للشباب، وكذلك من القطاع الخاص مثل شركة الشرق الأوسط للتامين وغيرها. نتوقع أن نواجه هذا العام ظروفاً أكثر صعوبة من الأعوام السابقة بسبب الأزمة الاقتصادية، لذلك سنقتصر على دعوة نجم عربي واحد مع التركيز على الفنانين المحليين. وفي ضوء الترتيبات الخاصة بمهرجان الأردن، فإن الوزارة يمكن أن تتكفل بنفقات النجم العربي الذي نستضيفه في الفحيص.

«السّجل»: كيف تقيمون دور المؤسسات والأهالي في الفحيص في رعاية المهرجان؟.

- عفاف: كل مؤسسات الفحيص تتعاون لإنجاح المهرجان بحسب إمكانياتها، فتتبرع مؤسسات بعينها لتوفير خدمات أو أنشطة معينة. ولتنظيم مساهمة المؤسسات، تتشكل لجنة خاصة لتنظيم المهرجان من نحو 30 الى 40 مؤسسة. وتنبثق عن لجنة التنظيم لجان فرعية تتولى جوانب محددة من العمل. كما أن أهل الفحيص ينهضون بعملية تنظيم المهرجان من خلال مختلف أشكال العمل التطوعي على الصعيد الفردي والجماعي. وما استمرارية المهرجان إلا خير دليل على ذلك.

- عودة: للوقوف على دور المؤسسات والأهالي في إنجاح المهرجان، من المهم إدراك أن أهل الفحيص يستشعرون رسالة المهرجان ودورهم في تقديم المهرجان للآخرين. والأهالي لم يكونوا يوماً عثرة أمام المهرجان بل هم شعلة من العمل التطوعي، وهذا يشمل كل الفئات ويساعد على التكامل في الأداء. فمثلاً جمعية البيئة كان لها دور مهم في رفع سوية الوعي بالمخاطر البيئية، حينما كان ينبغي مواجهة قرار استخدام الفحم البترولي.

«السّجل»: كيف تقيمون علاقتكم مع الجهات الرسمية ذات العلاقة؟.

- رمزي: وزارة الثقافة تلعب دوراً داعماً للمهرجان وتحترم ما يمثله من خصوصية وإنجاز، ولا تتوانى عن تقديم الدعم المادي والمعنوي له. وتعتزم الوزارة القيام بالعمل التنسيقي اللازم لربط المهرجانات المحلية بمهرجان الأردن، ما قد يوفر لها دعماً إضافياً. علاوة على أن الوزارة لم تقم بفرض أية قيود على فعاليات المهرجان، فإدارة المهرجان كانت تتمتع دائماً بالحرية الكاملة لاختيار فعاليات المهرجان. كذلك يقدم الحكام الإداريون في المحافظة واللواء ومركز أمن الفحيص، كل التسهيلات لإنجاح المهرجان.

«السّجل»: بماذا تفكرون الآن بعد عقدين على إطلاق المهرجان؟.

- عودة: المهرجان يثير حوارات وجدلاً دائمين بين أهل الفحيص حول مضامين الفعاليات. وهذا الجدل ظاهرة صحية، ودليل حرص على سوية المهرجان. الآن هناك فريق واسع من الفحيصيين يتطلعون إلى الارتقاء بوضع المهرجان، في الاتجاه الذي يسمح بتوثيق فعالياته ومراكمة الخبرات. وهذا يتطلب بناء مؤسسة تكون حاضنة له. نريد الانفكاك من حالة الاندفاع العاطفي التي تأخذ شكل «الفزعة» لإنجاح المهرجان، والانتقال إلى بناء مؤسسة خاصة به، تراعي، بطبيعة الحال، أدوار مختلف المؤسسات، وفي مقدمتها نادي شباب الفحيص، لكن من المهم أن يتكرس المهرجان كمؤسسة، ولا يخضع لتقلبات من أي نوع.

«السّجل»: ما أبرز عناصر برنامج هذا الصيف؟.

- رمزي: «ركن المدينة» سيخصص هذا العام لمدينة الكرك بصفتها عاصمة الثقافة الأردنية، وارتباطاً بذلك سيخصص «ركن الشخصية» لحابس المجالي. في الجانب الفني، ستشارك فرقتان فنيتان من الكرك وبيت ساحور. كما سيتم عرض مسرحية «خضرا وزعل» للفنانين حسن سبايلة ورانيا إسماعيل. ويشارك من الفنانين المحليين؛ ماجد زريقات وجهاد سركيس. وفي الجانب الثقافي، ستكون هناك مواضيع ساخنة تتناول الهم العام. وهناك مسرحيات خاصة بالأطفال. وسيشهد مهرجان هذا الصيف تخصيص ركن للإبداع لشبان وشابات الفحيص في مختلف المجالات، وركن ثانٍ لذوي الاحتياجات الخاصة، وركن ثالث لرجالات الفحيص و«أيام زمان» فيها.

بعد أن نجح في تأدية رسالته: أهالي الفحيص يتطلعون إلى مؤسسة خاصة بالمهرجان
 
28-May-2009
 
العدد 78