العدد 78 - أردني
 

سعد حتّر

استطلاع الرأي الذي وثّق مساحةَ عدم رضا الشارع حيال أداء مجلس النواب وقدرته على القيام بمهامه الدستورية، يؤشر إلى غياب تمثيل المجلس للشرائح التي انتخبت أعضاءه، ويعمّق ضعف الثقة في سائر مؤسسات الدولة، بحسب ما يرى منفّذ الاستطلاع، مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية.

الاستطلاع، الذي أُعلن الأربعاء 28/5/2009، أظهر أن غالبية المواطنين لا يتابعون أنشطة المجلس، بل يحملون تقييماً سلبياً حيال أداء النواب، على المستوى الكلّي، وأيضاً لجهة تواصلهم مع دوائرهم الانتخابية.

في المحصلة، واحد من كل أربعة أردنيين أيّدَ حل المجلس الحالي قبل إكمال ولايته الدستورية، العام 2011. ويرى الباحث في مركز الدراسات محمد المصري أن توافُقَ ربع المواطنين على قطْع مسيرة المجلس «مؤشر خطير يعكس تذمُّر المواطنين من أهم أدوات الديمقراطية».

يؤكد المصري غياب هذه النزعة في استطلاعات رأي لدى دول متقدمة، لافتاً إلى أن الأمر ينطبق أيضاً على الأحزاب خارج دائرة تدوير الحكم، إذ إنها تقيس أداء المجلس التشريعي من زاوية مهامه الدستورية.

ينسحب عدم الرضا على قدرة المجلس على طرْق قضايا حياتية ملحّة؛ في مقدمتها مكافحة الفساد، تعزيز الحريات العامة، رسم السياسات الاقتصادية والخارجية والخصخصة. إذ توافَقَ أزيد من نصف الرأي العام على «عدم وجود دور لمجلس النواب في هذه العناوين»، على ما يضيف المصري.

غالبية المستطلَعة آراؤهم يرون أن المحدد الأهم لأداء النائب يكمن في «تحقيق مكاسب شخصية وذاتية».

مذ انتخاب هذا المجلس (الخامس عشر منذ 1947، والخامس بعد عودة الحياة الديمقراطية العام 1989)، منحت الحكومة نوابَهُ إعفاء جمركياً على مركباتهم، وأكثر من ذلك: سمحت لهم ببيع الإعفاء. كما ضاعفت مخصصات كلٍّ منهم إلى نحو 2800 دينار شهرياً، إلى جانب «جوائز ترضية»، من قبيل تأشيرات الحج ومنح جامعية وتغطية تكاليف علاج.

يُجمع نواب وحزبيون ونشطاء سياسيون على أن انهيار الثقّة بممثلي الشعب يعود إلى تداخل صلاحيات أذرع الدولة، وتمدُّد الأمني - الحكومي على مساحة التشريعي، وغياب الأحزاب الفاعلة، ما فتح نافذةَ هروبٍ صوب الهويات الفرعية والقبلية. وبالتالي تقلّص الانضواء تحت مظلة الوطن مقابل اتساع المسارب الجهوية، على ما يرى باحث أكاديمي آخر، طلب عدم نشر اسمه.

النائب سميح بينو، ذو الخلفية الأمنية، يودّ لو «لم يقبل النواب امتيازات خاصة»، ويقول: «يا ريت ما أخذوها، لأن النائب - بخلاف الوزير - يستطيع متابعة أعماله الخاصة أو يجمع أكثر من راتب». يقرّ بينو أن نواباً عديدين «يبحثون عن مصالح شخصية أو جهوية، وكأن الأردن بالنسبة لبعضهم يتجسد في العشيرة أو الجغرافيا».

مع ذلك يرى ضابط الاستخبارات السابق أن المجلس الحالي أنجزَ «حزمة قوانين، ويستعد لمناقشة 36 مشروعَ قانون في الدورة الاستثنائية هذا الصيف».

النائب المخضرم بسام حدادين (يساري - منذ 1989) علّق بتهكم: «أبداً.. المجلس يتمتع بثقة الشعب». وأردف: «الناس مبسوطة. ما دام النواب مرتاحين ويتمتعون بامتيازات استثنائية، فالشعب لازم يكون مرتاحاً».

حدادين أرجعَ جرعة عدم الرضا إلى «تغوّل السلطة التنفيذية على التشريعية»، لافتاً إلى أن «العلاقة بين الطرفين استعمالية، على قاعدة المنفعة المتبادلة».

من بين أدوات التغلغل الحكومي، يضيف نائب الزرقاء، «انفراد الحكومة بصوغ قانون انتخاب مؤقت، وتدخّلها في سير العملية الانتخابية وحتى التركيبة الداخلية للمجلسين (أعياناً ونواباً)». ويشير أيضاً إلى «نظام داخلي شمولي يعمل منذ نصف قرن حين كان المجلس النيابي ظلاًّ للحكومات، ويعطي رئيس المجلس صلاحيات فوق نيابية، إدارية ومالية دون رقابة».

في ظل تلك الموازين والتأثيرات، يصف حدّادين المجلس النيابي، بأنه «سلطة عاجزة عن التأثير».

قانون الانتخاب المؤقت المتكئ على نظام الصوت الواحد (1993)، إلى جانب غياب حياة حزبية حقيقية، وتشكيل كتل نيابية تجريبية على حساب الحياة الحزبية.. أسبابٌ تقف وراء ضعف الرابط بين الناخب والنائب، على ما يرى عضو المجلس محمد عقل (جبهة العمل الإسلامي - منذ 2003).

يضيف عقل إلى هذا الثالوث: «مأساة تزوير» الانتخابات الأخيرة خريف 2007، وبالتالي تحول اهتمام النائب من صون الحريات العامة إلى «قطف منافع شخصية وتسديد فواتير»، للجهات التي أوصلته إلى القبة.

هكذا، باتت «عين النائب على الانتخابات الماضية، وعينه الأخرى على المقبلة، ضمن منظومة غير دستورية».

حمزة منصور، رئيس كتلة جبهة العمل التي تضم ستة نواب، لم يفاجأ بنتيجة الاستطلاع، بحسب ما ذكر لـ«ے»، ويضيف: «النائب مدين للقانون والجهة التي أوصلته للمجلس، وبالتالي يحرص على عدم إغضابها حتى يضمن عودته من جديد». لذلك، يؤكد منصور: «سيبقى الحال على ما هو عليه، إلى أن يغير صاحب القرار نظرته إلى المجلس والعملية الانتخابية، حتى يصبح التنافس صحياً على قاعدة البرامج الانتخابية».

في استطلاع مقارن، وضع المواطنون ثقةً أعلى بجبهة العمل الإسلامي من تلك المعلّقة على «مؤسسة مجلس النواب». إذ نالت الأولى، التي تشكلت العام 1992 ذراعاً سياسيةً لجماعة الإخوان المسلمين (1946)، 58 في المئة من ثقة المستطلَعة آراؤهم، مقابل 51 في المئة للمجلس.

لحظَ الاستطلاعُ انقساماً في الرأي حول مدى استقلالية المجلس النيابي عن السلطة التنفيذية، كما أظهر أن ثلث الرأي العام «يرون أن النواب يتعرضون لضغوط من قوى اجتماعية وسياسية واقتصادية، ويستجيبون لها».

لا أبالية القواعد الانتخابية وتراجع ثقتها بالمجلس النيابي، تجلّت في كون 42 في المئة من أفراد العينة «لا يعرفون أهم إنجاز حققه المجلس منذ انتخابه، فيما أفاد 29 في المئة بأنه لم يقدم أي إنجاز». هذا يعني أن اثنين من كل ثلاثة أردنيين «غير قادرين على تسمية إنجاز واحد لهذا المجلس».

هكذا، يطغى عدم التفاؤل على تقييم غالبية المستجيبين، فيما يرى أردني من كل اثنين أن «أداء المجلس لا يتوافق مع تطلعات المواطنين أو توجهاتهم». بالمقياس نفسه (سلّم من عشر درجات)، نالت الصحافة أعلى نسبة توافق مع التطلعات؛ 6.4 نقطة، تلتها الحكومة 6.1 نقطة، فمجلس الأعيان 5.3، وأخيرا المجلس النيابي الحالي 4.8.

القراءة النهائية في الاستطلاع تشي بتراجع اهتمام الناس بأهمّ أداة ديمقراطية. إذ إن ثلث المواطنين فقط عبّروا عن رغبتهم في المشاركة في الانتخابات إن جرت غداً. ذلك أنه «ليس لديهم ثقة بأن النائب يمثّل المواطن أو يعمل لمصلحة الوطن».

هذه النسبة تثير القلق إذا استذكرنا أن 57.02 في المئة من المسجَّلين في قوائم الاقتراع أدْلوا بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة.

اغتراب النواب يقوّض ثقة المواطن بمؤسسات الدولة .. استطلاع للرأي يكشف خيبة أمل الأردنيين في المجلس المنتخَب
 
28-May-2009
 
العدد 78