العدد 77 - كتاب | ||||||||||||||
حين نشرت رواية «عزازيل» للمرة الأولى في أول طبعة قبل نحو العام فقط، ثارت شائعات حول أن الرواية لمؤلفها يوسف زيدان، تنسج على منوال رواية شيفرة دافنشي لدان براون، قيل إنها تكرر رواية أخرى لكاتب بريطاني غير معروف. سرت هذه الشائعات في الوسط الأدبي والإعلامي، أما في الوسط الديني، فقد لقيت احتجاجات عليها من لدن الكنيسة القبطية، غير أن الرواية ظلت على أرفف المكتبات، وحظيت بدفع قوي مع نيل صاحبها المركز الأول في مسابقة البوكر العربية، وذلك من بين 121 رواية عربية تأهلت لخوض المنافسة. تدخل الرواية منطقة غير مطروقة، تتعلق بالصراع بين الكنائس في القرن الخامس الميلادي حول مسائل لاهوتية، وبالذات حول طبيعة السيد المسيح، هل هي إلهية أم بشرية، أم مزدوجة، وكيف يتمظهر هذا الازدواج. عزازيل، هو الاسم العبري للشيطان أو لإبليس، وقد استخدم سابقاً في العربية لوصف ابليس، الذي كان ملاكاً رفيع المقام بين الملائكة ثم انحدر إلى صفته الإبليسية. لكن عزازيل في الرواية يتخذ سمت الصوت الداخلي، والمعبر عن الشطر الآخر في النفس البشرية الذي يجري إسكاته. وبينما يقوم العمل على تقنية بسيطة: العثور على رقائق قديمة وترجمة ما تحويه من يوميات ومذكرات، لراهب مصري يدعى هيبيا، هجر بلاده نحو حلب بعد أن تآمرت أمه على قتل أبيه وتشرّد الصبي، فإن متن الرواية مفعم بالحوادث المثيرة والوقائع التاريخية عن صراعات دينية، وأوصاف دقيقة للأماكن، وشخصيات (ثانوية) تدخل الرواية وتخرج منها لكنها تترك أثراً في نفس قارئها. أما التأملات والمناجيات، فهي تحف بالأحداث وتنبثق منها. مع انشغالها بالموضوع الديني، كمحور لها، فإن رواية عزازيل (380 صفحة) لا تحمل رؤية دينية بالمعنى الدقيق للعبارة، فهي خلاف ذلك تنطوي على إدانة شديدة للعنف والاحتراب، ومن الفصول المثيرة ذلك الفصل المتعلق بمقتل سيدة تلقب بالاستاذة وهي عالمة رياضيات وتدعى هيباتا، جرى قتلها العام 417 ميلادية في الإسكندرية لتمسكها بديانتها الوثنية القديمة، رغم ما كانت تحظى بها من احترام حتى لدى المؤمنين. والواقعة حقيقية في الأصل، وكل ما في الأمر أنه جرى إعمال الخيال في رسم شخصيتها، ووصف قتلها بصورة بشعة : إحراقها بعد تمزيق جسدها. أما البعد الثاني في رؤية المؤلف، فيتمثل في تظهير ما يعتري النفس البشرية من أهواء حسية ومن قلق ميتافيزيقي، حتى لدى راهب منقطع إلى التعبد وكتابة الشعر، ومع ذلك لا يمتلك سوى الإصغاء لأصوات تنبثق من داخله، وتجد لها صدى في نفسه باتجاه الدفع إلى الصدق مع الذات ومع الآخرين، حتى لو كان هذا الصدق يجافي معتقدات صاحبه. تسلّح المؤلف المصري المسلم يوسف زيدان (51 عاماً) بمعرفته باللاهوت الديني الإسلامي والمسيحي، وقربه الشديد من رجال دين مسيحيين لدرجة استدعته كنائس لإلقاء محاضرات فيها أمام راهبات. وذلك قبل صدور روايته التي أفقدته صداقات معظم ذلك الوسط، وإن ارتفعت أصوات تنصف الرجل، على الأقل من زاوية تقدير القيمة الأدبية للرواية. |
|
|||||||||||||