العدد 77 - حتى باب الدار
 

قل كيف هو جسمك

أقل لك من أنت

كنا في ما مضى أولاداً لا نميز بين القلب والبطن، أو في الواقع كنا نسمي القلب بطناً، وكان الواحد منا يضع يديه على بطنه، ويقول: «قلبي يؤلمني».

مر الزمن وكبرنا، وعرفنا أن البطن شيء والقلب شيء آخر، لكننا أيضاً عرفنا أن الخلط بين الاثنين لم يأت من فراغ، بل هناك أصل لهذا الخلط، سواء كنا نقول كلاماً عامياً أو فصيحاً. نقول، على سبيل المثال: «قلبي مليان عليك» بالمعنى نفسه الذي نقصده عندما نقول: «بطني مليان عليك»، وصحيح أن «المبطون» هو من يأكل كثيراً وبشراهة، لكننا أيضاً نسمي من في قلبه حقد وغيظ «مبطوناً».

وهناك بعض الاختلافات، فـ«كبير البطن» لا يشبه «كبير القلب»، وليس بالضرورة أن يكون الثاني أفضل من الأول، ذلك أن كِبَر القلب الحقيقي هو مرض خطير نسميه «تضخم القلب»، بينما تضخم البطن ليس دائماً حالة مرضية، فهو قد يحمل لصاحبه أحيانا مؤشرات لها علاقة وطيدة بالوجاهة. كذلك فإن «هز البطن» صار مهنة تدر مالاً كثيراً، فيما هز القلب قد يكون مرضاً لا يقل خطورة عن تضخمه.

وعلى عكس ما هو شائع، فإن المعاني المشتقة من البطن جميعها تشير إلى الخفايا والسرائر، بعكس المعاني المشتقة من القلب. البطانة هي ما يبطن به الثوب، وهي كذلك المجموعة من الناس يختارهم الشخص كي يأتمنهم على أسراره، والباطنية فرقة تؤمن أن للشريعة ظاهراً وباطناً، أما «بواطن الأمور» فيعرفها الأذكياء ذوو العقل الراجح والخاصة من الناس، أما أمثالنا فمهما «قلبوا» الأمور فلن يحصلوا إلا على «وجع القلب».

ننزلق قليلاً إلى «الخواصر» وهي من أضعف أجزاء الجسد، فهي موقع «الدغدغة» الرئيسي، ويضحك الواحد منا إلى أن «تتشقق خواصره» وقد تضرب أحداً على خاصرته ضربة خفيفة «فيفحم» أي يغمى عليه، وتحذّر الأم أبناءها من أن يمسكهم أحد من خواصرهم.

أما إذا نزلنا قليلاً من الخواصر إلى الأسفل من الأمام أو من الخلف، فنكون قد دخلنا أو وصلنا إلى المحظور على غناه، إلا ان شروط الكتابة العربية المعاصرة تقتضي التردد في هذا المجال، على عكس ما كانت عليه الحال في «عصور الظلام». وسألتزم هنا بهذا التردد ولن أضع «بيضي» في سلة واحدة، ولن أتيح لأحد مجال الادعاء أني انطلق من «خلفية» واسعة.

على ركبة ونصف

الركبة - فسيولوجيا - هي التقاء أعلى الساق مع أسفل الفخذ، ويقال عن الرجل «أرْكَب» والمرأة «ركْباء» إذا كان كلاهما يمتلك ركباً كبيرة.

ما علينا..

يسجد المؤمن على ركبتيه تذللاً أمام خالقه، وهو فعل محمود يثاب عليه، بينما «يجدِي» الخاضع الذليل على ركبتيه ايضاً أمام الطاغية وصاحب السلطة استجداء ومهانة وذلاً، لكنك إذا قعدت لشخص «على ركبة ونصف» فإن في ذلك إشارة إلى التحدي والمواجهة.

نقول فلان «سابت ركبتاه» أو «سرسبت ركبتاه» دلالة على خوفه وجزعه، أما ثبات الركبتين عند الوقوف، ففيه إشارة على ثبات صاحبهما.

والركبة قد تكون مؤشراً على «الحشمة» أو «قلة الحشمة» بحسب ثقافة الناظر أو المنظور إليها، فثوب المرأة تحت الركبة حشمة، وفوق الركبة قلّة حشمة، أما «الركابية» فهي قطعة القماش التي تستر بها الأم بنطلون ابنها في منطقة الركبة إذا اهترأت.

«وصل الدم إلى الركب» دلالة على اشتداد الحرب، وكثرة القتل، ونقولها اليوم حتى في المعارك الكلامية.

وقد يكون للركبة دلالة طبقية، بحسب شكلها وانسجامها مع بقية الساقين، وأذكر هنا أننا كنا حوالي ستين حزبياً في السجن، وأغلبنا من الشيوعيين، وعندما سمح بممارسة الرياضة ذات يوم، وكشف الشباب عن سيقانهم بشكل جماعي، اقترحت أن نقوم بدراسة «التركيب الطبقي للحزب الشيوعي من منظور سيقاني» أي نسبة إلى هيئة سيقان أعضائه، وتراوحت النتيجة بين سيقان الفلاح علي الذي كانت ساقاه أشبه بجذع شجرة جاهز للتحطيب، وبين سيقان رفاق آخرين مسبقة الصنع ذات الركب «منها وفيها».

قدم المساواة

من الثابت في قولنا «قدم المساواة» أن للمساواة قدماً، بمعنى أنه ليس لها رأس أو قلب أو صدر أو خلافه، أو على الأقل لا نعرف إن كان لها مثل ذلك.

ومن الثابت أيضاً، بحكم تكرار القول، إن الناس يعاملون على قدم المساواة، وعليه، فإن قدم المساواة تلك لا بد من أن تكون ضخمة جداً كي تتسع لجميع الناس، مع أن ذلك سيخلق مشكلة في محاولة العثور على حذاء مناسب لها، لهذا علينا التروي قبل القول إن المساواة في بلادنا مثال «يحتذى».

الشاطر منا من يكون في الصفوف الخلفية للناس الذين يعيشون على «قدم المساواة»، وذلك بصراحة كي يكون بعيداً عن أصابع تلك القدم، والأسباب معروفة بل «مشمومة» جيداً، خصوصاً أن أحداً لم يقل إن الفراغات بين أصابع قدم المساواة تختلف عن تلك التي بين بقية الأقدام، بما في ذلك «قدم السعد»، التي من المرجح أنها ترتبط بصلة قرابة مع «قدم المساواة» مع أن الأولى لا تشهد اكتظاظا كالذي تعانيه الثانية. «قدم المساواة» قد تدوسك، وتجعل مصيرك بين «أقدام المساواة»، وهي قد «تدفشك»، للأمام أو للخلف، ومن يـطاله التوفيق منا، فهو غالباً مـن يجد من «يدفشه»، ومن لا يطاله التوفيق، فـهو بالتأكيد لم يجد من «يدفشه»، وعبثاً يحاول المجتهد إذا لم يجد قدماً «تدفشه»، وقلة هم من يتمكنون من «دفش» الأبواب بأقدامهم غير هيابين.

الناس سواسية كأسنان المشط... الخشية أن يكونوا مثل «مشط القدم»، لكن المشكلة أن تطور أكسسوارات العناية بالشعر، لم يبق على أسنان الأمشاط متساوية.

محاولة في ميدان أنثروبولوجيا الجسد
 
21-May-2009
 
العدد 77