العدد 77 - كاتب / قارئ
 

«دول ذابحة حالها لتحل مشكلة التلوث ومش قادرة، جاي إنت تحلّها»، عبارة يسمعها مثنى، طالب الصف التاسع في مدرسة ثغرة الجب للبنين في محافظة المفرق، كلما بادر شخصياً إلى تنظيف ساحة المدرسة أو غرفة صفه بإتقان، لا بوصف ذلك واجباً يريد الانتهاء منه.

لا يكتفي الطلاب أو بعض المعلمين بالتقليل من أهمية ما يحاول تقديمه مثنى طواعية لمجتمعه المدرسي، بل يبادره بعضهم بالقول: «يعني هاي المشكلة إنت اللي بدك تحلها؟!».

ردود الفعل السلبية هذه وغيرها الكثير، بحسب مثنى (15 عاماً)، دفعته إلى التخلي عن فكرة العمل التطوعي نهائياً مهما كان بسيطاً، ويقول: «ليش أغلّب حالي ما دام الكل ينتقدني؟».

أحمد، طالب في الصف الثامن في المدرسة نفسها، الوضع مختلف بعض الشيء بالنسبة له، فالسبب الذي يجعله يفكر ملياً بالمبادرة إلى العمل التطوعي هو عدم وجود عائد مادي، يقول: «لا أوافق على القيام بأي عمل  دون مردود مادي». أحمد كان واضحاً مع الجميع، لذا فالغالبية تتجنب دعوته لـ«القيام بأي عمل تتطوعي» كما يقول.

السلبية التي وجدناها لدى الطلاب في بلدة ثغرة الجب /محافظة المفرق، لم نلاحظها لدى حديثنا مع الطالبات هناك، الأمر الذي يدفع للتساؤل عن مدى تطابق فكرتين: التمييز بين الذكور والإناث الذي ما زال واضحاً في هذه المجتمعات المحافظة من ناحية حرية التحرك والتعبير والقرار والاختيار، والإيجابية التي تتمتع بها الفتيات هناك رغم هذه المعوقات، حيث يبادرن إلى كسر أي عائق لإثبات قدراتهن ومساهمتهن الفاعلة في المجتمع.

رغد، في الصف التاسع في مدرسة ثغره الجب الثانوية للبنات، تقيس مدى الفائدة التي تعود بها مشاركتها بأي عمل تطوعي (تنظيف مدرسة، شارع، مساعدة كبار السن.. إلخ) على المجتمع، تقول: «كلما زادت الفائدة، أتشجع أكثر على القيام بالعمل التطوعي».

تفضّل رغد التطوع في تلك الأعمال التي «تساعد كبار السن، لأنهم قدموا لنا الكثير في شبابهم، ودورنا الآن أن نردّ لهم الجميل».

وكذلك الحال مع ميس، في الصف الثامن، من المدرسة نفسها، فهي تبادر إلى الأعمال التطوعية المختلفة بحسب الفائدة الإنسانية من ورائها.

ترى ميس أنها تحصل على «الرضا عن النفس» حين تقدم مساعدةً لذوي الاحتياجات الخاصة.

فلا محمد 17 عاماً، طالبة سابقة في المدرسة نفسها، جمدت مشاركتها في العمل التطوعي حتى الانتهاء من الثانوية العامة، إذ كانت لها تجارب عديدة ومميزة في العمل التطوعي من خلال  مشاركتها في  سابلة الحسن، واجتازت المستويين: البرونزي والفضي، بنجاح.

«السابلة» أحد برامج جائزة الحسن للشباب، وهي مغامرة شبابية تعتمد على استكشاف البيئة الأردنية وعلاقتها بالمجتمعات الريفية والبدوية والمدنية، بهدف تقديم المساعدة والعون إلى الأشخاص والمجتمعات المحتاجة في البلاد عن طريق تقديم الخدمات العامة أو المعونات الإنسانية المادية والعينية أو المعنوية.

اشتركت فلا في هذا البرنامج التطوعي، بسبب شعورها أن «هناك جدية وتنظيماً في العمل واستمرارية، وحوافز معنوية عبر الجوائز».

تتذكر فلا بعض الأعمال التطوعية التي قامت بها أثناء اشتراكها في البرنامج، مثل ترميم بعض المباني الآيلة للسقوط، تنظيف مناطق التخييم في البادية والمناطق المحيطة، وتقول: «كنا سعداء جداً بهذه الأعمال، رغم أنها كانت متعبة، ولكن الشعور بالرضا قلّل من التعب».

هذه التجربة الجماعية التطوعية، تركت أثراً إيجابياً، تشكّ فلا بإمكانية وجوده لو بادرت لعمل تطوعي فردي، وتبرر هذا الشعور بقولها: «العمل التطوعي من خلال المجموعة منظم أكثر».

مديرة مدرسة ثغره الجب الأساسية المختلطة (من الروضة حتى الصف السادس) هياكل البدارين، تربط الإقبال على العمل التطوعي بتوافر «القدوة الحسنة التي تُعتبر المحرك لأي فعل، فإن وُجدت فإن الجميع يبادر للعمل، والعكس صحيح».

تضيف بدارين: «الشبان مندفعون، إلى حد ما، على العمل التطوعي».

المرشدة التربوية في المدرسة، بشاير، من خلال عملها، وجدت أن الطلبة أنواع في انخراطهم في العمل التطوعي: «مجموعة تعمل من تلقاء نفسها، وهذه هي المجموعة المفضّلة في العمل التطوعي، ومجموعة تحتاج إلى توجيه، وهذه مجموعة لا بأس بها إذا وجدت الموجّه الجيد، وأخرى تحتاج إلى الحث الدائم على العمل التطوعي، وهذه غير مرغوب بها في هذا المجال».

يمكن زيادة الإقبال على العمل التطوعي من خلال رفع الوعي لدى الطالبات عبر «الإذاعة المدرسية وحصص الإرشاد التربوي»، بحسب بشاير.

تقترح المرشدة أعمالاً تطوعية يمكن للطلبة المساهمة بها، وتعود بالفائدة على المجتمع المحلي، مثل «تنظيف شوارع القرية، العمل كمرشدي مرور أثناء دخول الطلبة إلى المدرسة وخروجهم منها، الزراعة في الحدائق العامة».

الشباب يمتلكون حس العمل التطوعي، لكن تعيقه أسباب مختلفة، أهمها الافتقار إلى التوجيه السليم والتشجيع، وانعدام الوعي بأهمية هذا العمل، وعدم تفعيل دور المدرسة في زيادة الوعي لدى الطلاب، الذين يواجهون الانتقادات من المحيط، لأنه لا يثق بقدراتهم وجدّيتهم، مما يؤدي إلى تثبيط عزائمهم، وتراجع مبادراتهم، فضلاً عن افتقار المشاريع التطوعية للدعم المادي.

هذا يدفعنا جميعاً للتكاتف من أجل إنجاح أي مبادرة فردية مهما كانت بسيطة، لأنها ستكون حتماً بداية التغيير.

شهد البدارين

الصف التاسع - مدرسة ثغرة الجب الثانوية للبنات

بدنا نتطوع .. بس كيف ؟
 
21-May-2009
 
العدد 77