العدد 11 - اقتصادي | ||||||||||||||
حسن برواني*
بخلاف حسابات السوق انخفضت أسعار البترول هذا الأسبوع إلى 89 دولاراً للبرميل، بعد أن وصلت بداية العام الحالي مائة دولار، وهو سعر ما يزال مرتفعا من وجهة نظر الدول المستهلكة والمنتجة على حد سواء. دول منظمة الأقطار المصدرة للنفظ أوبك تؤكد أن كمية النفط المتوافرة في الأسواق العالمية كافية، معللة الارتفاع بالمضاربات المالية في أسواق البترول ونقص الطاقة الإنتاجية لمصافي الدول الصناعية. أسعار البترول انخفضت بحدود 11 بالمئة مقارنة بمعدلاتها بداية 2008 والأشهر الأخيرة من 2007 حين لامست 100 دولار للبرميل، رغم حادثة مضيق هرمز والتحرش الإيراني بالبوارج الأميركية في الخليج العربي، وهو الممر الرئيسي لناقلات البترول إلى الولايات المتحدة الأميركية. الأسعار لم تشتعل برغم توفر عوامل تؤدي إلى ارتفاع الطلب على البترول منها تهديد واشنطن لطهران برد عسكري سريع، أحداث التخريب في نيجيريا أكبر الدول المنتجة للبترول وتراجع إنتاجها بحدود 200 ألف برميل يوميا بسبب توقف بعض من منشآتها النفطية عن العمل،وموجة البرد القارص في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط. الذي حدث عكس ذلك ، لاسيما أن الأسعار تراجعت بعد التهديدات التي أطلقها الرئيس بوش ضد إيران ثالث دولة في العالم من حيث احتياطي البترول، عندما زار المنطقة الأسبوع الماضي. السبب الرئيسي للانخفاض التدريجي لأسعار البترول، يعود إلى الخوف من حدوث تراجع في نمو اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، وهي أكبر مستهلك للبترول في العالم وبالتالي سيؤثر سلبا على الطلب العالمي على النفط الخام. ويؤكد ذلك وزير الطاقة الأميركي سام بودمان في زيارته الأخيرة للمنطقة التي بدأها من الأردن، حيث ذكر صراحة أن الاقتصاد الأميركي معرض للكساد في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى. وتدل معظم المؤشرات على تراجع نمو الاقتصاد الأمريكي بسبب أزمة الائثمان الناتجة من أزمة الرهن العقاري. وتشير التقارير اليومية الصادرة في الولايات المتحدة الأميركية الى احتمال حدوث كساد اقتصادي. سبب آخر أدى إلى انخفاض طفيف في الأسعار هو التقرير الشهري لوكالة الطاقة الدولية حول أسواق النفط الذي صدر الأسبوع الماضي، وتوقع انخفاض الطلب العالمي على البترول 130 ألف برميل يوميا هذه السنة وأكثر من ذلك إذا وقع كساد اقتصادي في الولايات المتحدة. الولايات المتحدة الأميركية تعتقد أن السبب الرئيسي في ارتقاع اسعار النفط في الآونة الأخيرة يعود إلى شح في الإنتاج، الأمر الذي تعارضه معظم أقطار أوبك التي تعتقد أن هناك وفرة في الامدادات النفطية حاليا. إلى ذلك أبلغ الرئيس بوش العاهل السعودي الملك عبدالله بن سعود عند لقائه به الأسبوع الماضي في الرياض أن أسعار البترول المرتفعة تؤثر على الاقتصاد الأميركي بشكل كبير، ويطالب الملك الاستمرار بتأمين السوق بالكميات التي يحتاجها من البترول. الى ذلك رد وزير البترول والثروة المعدنية السعودي على النعيمي بالتأكيد على تلبية أي زيادة في استهلاك النفط في حال زاد الطلب. الشيء ذاته، دعا وزير الطاقة الأميركي بودمان السعودية ودول أوبك إلى زيادة الإنتاج عندما تجتمع المنظمة في فيينا الأسبوع المقبل. ستكون منظمة الأقطار المصدرة للبترول أوبك أمام خيار صعب عندما تلتئم الأسبوع المقبل في فيينا حول زيادة الإنتاج أم لا في ظل هذه الضغوط الدولية، بخاصة أن هناك دلائل كبيرة تشير إلى انخفاض الطلب على البترول هذا العام بشكل خاص بعد انقضاء النصف الثاني وانتهاء موسم الشتاء وموجة البرد الحالية. معظم وزراء البترول لمنظمة أوبك أعلنوا أنه لا حاجة للمنظمة أن تزيد إنتاجها الذي يصل 30 مليون برميل يوميا. ويتوقع معظم المحللين النفطيين أن تبقى أسعار البترول محلقة وتتراوح بين 80 و 90 دولاراً للبرميل على الأقل خلال الربع الأول من العام. وقد ذهب قسم منهم للتنبؤ بارتفاع الأسعار لتخطى حاجز 100 دولار في النصف الثاني من العامل لا سيما أن آثار التباطؤ في الاقتصاد الأميركي إذا حصلت ستستغرق وقتا طويلا للظهور. هذه الأسعار العالية جدا لها تأثيرات سيئة على الدول المتقدمة ناهيك عن تأثيراتها المباشرة على اقتصاديات الدول الفقيرة والنامية. فتأثيراتها على الدول الصناعية أصبحت جلية بعدما بدأت اقتصاديات بعضها بالتراجع في النمو. أما الدول النامية فأخذت تؤثر على لقمة عيش شعوبها بعدما ارتفعت أسعار المحروقات بشكل جنوني. فدولة مثل الأردن مثلاً تستحوذ الاستيرادات النفطية على النصيب الأكبر من موزنتها العامة. يبدو أن ارتفاع أسعار البترول وظروف الاقتصاد الأميركي بات يؤثر على سير الانتخابات الأميركية المقبلة. فليس من باب الصدفة أن اسعار البترول الملتهبة أصبحت أهم مادة إعلانية للحملات الدعائية لمرشحي الرئاسة الأميركية لتفوق موضوع الحرب على العراق.
* كاتب وباحث في شؤون البترول |
|
|||||||||||||