العدد 77 - ثقافي
 

مراجعة: كارول جي ريفنبورغ*

تعيد دراسة أوزي رابي هذه، تقييم حكم سعيد بن تيمور الذي استمر نحو أربعة عقود (1932 – 1970)، والذي يصوَّر، في العادة، بوصفه فترة غير مهمة في تاريخ سلطنة عُمان، وذات أهمية ضئيلة بالنسبة للأكاديميين. وقد شعر المتخصصون عموما، أن التغيير الذي قام به السلطان قابوس بن سعيد، حاكم عُمان ، العام 1970، وأطاح خلاله بوالده سعيد بن تيمور، بوصفه نقطة تحول تشير إلى تغير منهجي من التقليد إلى الحداثة في التاريخ السياسي لعُمان.

تنطلق دراسة رابي من أن الحكم الحالي يجب أن يُعدّ مرحلة أخرى في سلسلة تقدم مستمرة لبناء الدولة في عُمان. بهذا المعنى، فإن سعيد الحاكم السابق لم يكن طاغية انعزالية قروسطية، بل حاكما معقدا يسعى إلى خدمة مجتمع وحكومة كما يفهمهما؛ فهو يؤمن بأن قدرة عُمان المالية، قد حمت استقلال البلاد، وحلّت مشكلة الإمامة. بينما يوفر الحكم الحالي للسلطان قابوس دمج التجربتين المتنافستين خلال الستينيات: تجربة دولة سعيد القبلية، والتجربة البريطانية.

يستخدم أوزي عدداً كبيراً من المراجع الأرشيفية، إضافة إلى نظرية في تطور الدولة، فيقدم وجهة نظر حول حكم سعيد بن تيمور تستحق النظر. فسعيد، الذي ورث سلطنة ساحلية مفلسة اقتصادياً وسياسياً، وفّر لهذه السلطنة استقراراً للمرة الأولى منذ أيام السلطان سعيد بن سلطان المشهودة (1806 - 1865)، وفي الإطار نفسه، وحد شطرَي البلاد. وترك لابنه قابوس ميزانية متوازنة وبلداً موحداً وبعيداً عن أي مطالبات إمامية.

رغم ذلك، فإن اعتبار سعيد أباً لدولة عُمان الحديثة هو أمر إشكالي. أولاً لأنه ليس لعُمان تاريخ محدد للاستقلال، فهي لم تكن يوماً جزءاً من تركيبة رسمية للإمبراطورية البريطانية، رغم أن نفوذ بريطانيا في البلاد استمر حتى وقت قريب. وثانيا، لأن تركة سعيد لم تكن سهلة أو غير معقدة مؤسسياً، حتى عندما لم يكن من الواجب النظر إلى حكم سعيد بوصفه محطة وقفَ عندها التاريخ، فإن نموذج حكمه لم يستوفِ احتياجات التغيير في البيئة الدينامية للخليج الفارسي بعامة وعُمان بخاصة، ومع أن الواقع العُماني في زمن تسلمه السلطة العام 1932، قد تغير بما يفوق الوصف.

المسح التاريخي التفصيلي لطبيعة التطور الاجتماعي والسياسي لعُمان (وبخاصة دور القبائل)، تحت حكم سعيد بن تيمور، يقدم معلومات تاريخية مهمة، كما يوفر إعادة تفسير محفزة للفكر حول فترة جديرة بالاهتمام في التاريخ الحديث للجزيرة العربية ومجتمعات ما قبل النفط. وسعياً نحو تصحيح للتقييم التاريخي وتوفير وجهة نظر أكثر توازنا، يشير رابي إلى أن الفرق بين فترتَي حكم سعيد وقابوس لم يكن بين فترة بيات قروسطي مقابل ولادة جديدة تحديثية، فقد ساهم سعيد في تطوير عُمان بوصفه بلدا سريع النمو بالنسبة له. وهو لم يكن يتميز ببخل مَرَضي ولا كان انعزاليا هوائيا؛ بل كان يستجيب لتحدّيات أمامه في إطار مقاييس رؤيته للدولة. ويبذل أوزي جهدا ملحوظا للتأشير على مساهمات سعيد في التطور ولتصحيح نقاط عدم الفهم التي أتى بها الخبراء حول تلك المنطقة، بعد العام 1970. ومع ذلك، فإن سعيد يبقى شخصية انتقالية دخلت مسلّحة بوجهة نظر كانت في النهاية قديمة، في مواجهة تغيرات عاصفة أتى بها الارتفاع في عوائد النفط، وظهور الوافدين في عُمان بما لهم من تأثير، من خلال ارتباطهم بصناعة النفط، التي أدت إلى تصاعد التمرد الداخلي في البلاد.

يستخدم أوزي منهجية بناء الدولة لتفسير تطور المجتمع العُماني من العام 1932 وحتى العام 1970 ما بعده. ويتمسك أوزي بـ«وجهة نظر ترى أنه يجب النظر إلى الدولة لا بوصفها قوة فاعلة سياسية مستقلة، بل بوصفها ميداناً سياسياً، أي ساحة تتنافس داخلها القوى الفاعلة المختلفة على التأثير والموارد» (ص 3). يبدو تبنيه لوجهة نظر «غير فيبرية» للدولة بوصفها منظمة مرنة قادرة على التغيير، مناسباً لتلك الفترة من التاريخ العُماني قيد التحليل. وكما هي العادة في العلوم السياسية، فإن من المرغوب فيه، تعداد أنواع الدول التي تذكر والعناصر الحاسمة للتغيير والأداء. ويذكر رابي أنه «خلال حكم سعيد بن تيمور (1932-1970)، مرت الدولة العُمانية بمراحل مختلفة من عملية بناء الدولة؛ وكل من هذه المراحل تم بتسهيلات صنعتها تحديات رئيسية في بيئتها وبنفسها، كانت ناتجا أو اندماجاً لأنوع عدة من الدول - السلطانية، البريطانية، والإمامية- كانت تتنافس على الأفضلية خلال الخمسنييات» (ص 4). وبذلك، فإن القارئ يترك مع ثلاثة أنواع من الدولة، التي توفر عنصر وضوح يتم من حوله ترتيب الأحداث التاريخية بين 1932 و1970 وتفسيرها. إن مثل هذا المنهج يوفر ثروة من المواد تساهم في بناء نظرية متوسطة المستوى، وتتجنب خطأ التعميمات البعيدة.

بالنسبة للطلية والخبراء في عُمان، يوفر هذا الكتاب معلومات شاملة وممتعة حول فترة غير معروفة جيدا، بل ومهمَلة في العادة، من تاريخ عُمان الحديث. وأنصح المكتبات والخريجين من الطلبة والأساتذة والباحثين وصناع السياسة المهتمين بالدراسات الشرق أوسطية المعاصرة بالاطلاع على هذا الكتاب.

* قسم العلوم السياسية، كلية دوباج، غلين إلين.

بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

التاريخ السياسي لعُمان: من التقليد إلى الحداثة
 
21-May-2009
 
العدد 77