العدد 77 - اقتصادي
 

محمد كامل

لم يحسم محمود النجار بعد، ما إذا كان سيقضي عطلة الصيف في الأردن لرؤية أقاربه ومعارفه، أم لا، لأنه بانتظار ما سيحصل عليه من سيولة بدل راتب ثلاثة شهور، وهو ما اعتادت أن تفعله الشركات في الكويت، لكن العام الجاري كان مختلفاً بحسْب النجار، الذي قال إنهم أبلغوه بإمكانية تقليص تلك السيولة لتصبح بدل راتب شهرين فقط.

زوجته، أم عدنان، تحاوره وتلحّ عليه لقضاء الإجازة في عمّان. وقد تعهدت له بتقليص الإنفاق، فهي توّاقة لرؤية والديها بعد عام على غيابها.

كان زوجها ألغى سفرَ العائلة في منتصف العام، حيث اعتاد المواطنون الأردنيون في الخارج زيارةَ البلاد مرتين في العام صيفا وشتاء.

الجدل الذي يدور بين الزوجين، سببه أزمة مالية عالمية تكشّفت في الولايات المتحدة الأميركية في أيلول/ سبتمبر 2008، وامتدت تداعياتها لدول الخليج، ومنها الكويت التي تأثرت عائداتها النفطية سلباً بشكل كبير، وتعرضت الشركات العاملة في البلاد إلى تراجع أرباحها، ما انعكس على العاملين فيها.

الخبير الاقتصادي محمد البشير، يعتقد أن الصيف الجاري سيكون مختلفا بالنسبة للأردنيين في الخارج، الذين فقد بعضهم وظيفته، بينما تقلصت رواتب آخرين.

بيانات وزارة الخارجية تفيد بأن هنالك نحو نصف مليون أردني يقيمون في دول الخليج، معظمهم في السعودية.

مسؤولون خليجيون أكدوا عدم تسريح أردنيين في بلدانهم. وزيرة التجارة الخارجية الإماراتية لبنى القاسمي، قالت خلال مشاركتها بالمنتدى الاقتصادي العالمي الأسبوع الجاري، إنه ليس هناك إنهاءٌ لخدمات لموظفين أردنيين يعملون في دولتها، إلا أن قادمين من هناك تحدثوا عن إنهاء خدمات كثير من الأردنيين.

أحمد عايش الذي كان يعمل مهندسا في أبو ظبي، اُستُغني عنه أيار/ مايو الجاري، بحسب ما صرّح لـ«ے».

عايش أبلغه أصدقاؤه الذين ظلوا هنا، أنهم لا يرغبون في زيارة البلاد الصيف الجاري، لأنهم لم يدّخروا الأموال الكافية منذ بداية العام بسبب تآكل مدخراتهم مع موجة ارتفاع شهدتها معظم السلع في الخليج؛ ولخشيتهم من فقْد عملهم.

رغم عدم توافر دراسات دقيقة عن طبيعة أعمال الأردنيين في الخارج، إلا أن قادمين يؤكدون أن الغالبية يعملون في الإدارات المتوسطة، ورواتبهم تراوح ما بين 1000 و2500 دينار.

الخبير الاقتصادي منير الحمارنة، قلّلَ من مخاوف تسريح أردنيين في الخارج، لكنه يرى أن الأردنيين لم يعودوا يدّخرون كما في السابق، بسبب ارتفاع معدلات التضخم في الخليج، وهو ما يؤكده تراجُع حجم حوالات العاملين في الخارج. يقول: «يمكن أن لا يكون تراجع الحوالات مؤشرا على تسريح عاملين، لكنه مؤشر أكيد على انخفاض المدخرات»، ويضيف: «هذا سيؤثر في زيارات العائلات خلال الصيف».

البشير ذكر سبباً آخر لإحجام كثيرين عن زيارة البلاد خلال موسم الصيف: «تكلفة الزيارة باتت تثقل كاهل المغتربين، الذين أصبحوا يشكون من ارتفاع أسعار السلع، ويعدُّون بقاءهم في البلاد التي يعملون فيها أجدى لهم اقتصاديا».

التضخم انخفض مع نهاية العام الفائت، من أعلى مستوى سجله عند 15 في المئة، بحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة، إلا أنه بدأ يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الشهور الأولى من العام الجاري.

البيانات تفيد أن متوسط أسعار المستهلك للأشهر الأربعة الأولى من العام 2009، ارتفع بمقدار 1.7 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

من أبرز المجموعات السلعية التي ساهمت في هذا الارتفاع: «اللحوم والدواجن» بنسبة 9.5 في المئة، «الحبوب ومنتجاتها « بنسبة 16.7 في المئة، «التعليم» بنسبة 7.2 في المئة، «الملابس والأحذية» بنسبة 7.1 في المئة، و«الزيوت والدهون» بنسبة 18.0 في المئة . في حين كان من أبرز المجموعات السلعية التي انخفضت أسعارها: «النقل» بنسبة 14.0 في المئة ، «الوقود والإنارة» بنسبة 5.3 في المئة ، و«الخضراوات» بنسبة 8.6 في المئة.

هذه البيانات تشي بموجة تضخم مقبلة، بحسب البشير الذي بيّن أن بقاء أسعار النفط فوق 57 دولارا للبرميل لشهرين متتالين، يعطي الفرصة لمزيد من الارتفاع خلال الأشهر المقبلة، وبالتالي انعكاس ذلك على قطاعات اقتصادية حيوية أبرزها النقل وتجارة السلع.

وكما بدأت معدلات التضخم باتخاذ نهج صعودي في البلاد، ما يمثّل عقبة أمام زيارة المغتربين، بحسب البشير، فإن ارتفاع ذلك المؤشر أيضا في الخليج يمثل عقبة أخرى، بسبب انخفاض المدخرات التي يحتاجها الأردنيون للإنفاق في البلاد خلال زياراتهم.

تقرير صادر أخيراً عن بيت الاستثمار العالمي، مقره الكويت، يفيد أن معدل التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي ارتفع إلى 11.5 في المئة بالمتوسط للعام 2008، ومن المتوقع أن تصل معدلات التضخم العام الجاري إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. على سبيل المثال، من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم في الكويت 11.3 في المئة، عُمان: 11.2 في المائة، قطر: 15 في المئة، السعودية: 11.5 في المئة، الإمارات: 12.9 في المئة، والبحرين 4.5 في المئة.

أما تقرير صندوق النقل الدولي الأخير، فيبين أن معدل التضخم العام في دول الشرق الأوسط ووسط آسيا النامية (التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي)، بلغ 15.9 في المئة، على أساس أحدث البيانات المتوافرة من هذه الدول.

«كانت أسعار المواد الغذائية محركا رئيسا للتضخم، وبلغت مساهمة هذا البند 20.4 في المئة من مجمل التضخم»، وفقاً لتقدير الصندوق، في حين بلغ التضخم الناتج عن بنود الطاقة 18.2 في المئة. وكما كان متوقعا، كان معدل التضخم الأساسي، الذي لا يشمل بندَي الطعام والطاقة أقل من معدل التضخم العام بنسبة 4.9 في المئة.

بالتالي، كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية مصدرا رئيسا للتضخم في دول مجلس التعاون الخليجي.

تقلص المدخرات وارتفاع الأسعار يحد من زيارة المغتربين للبلاد
 
21-May-2009
 
العدد 77