العدد 77 - اقليمي
 

معن البياري

لا مبالغة في وصف نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في الكويت 16 أيار/مايو الجاري بأنها تاريخية، بالمعنى الذي يؤشر إلى منعطف اجتماعي وسياسي، أحدثته وعبرت إليه هذه الدولة العربية الخليجية، التي عرفت أول مجلس نيابي منتخب العام 1963. ومما استجد في نتائج الاقتراع الثالث من نوعه في ثلاث سنوات، بسبب حل البرلمانين المنتخبين في العامين 2006 و2008، أن أربع نساء أصبحن نائبات في المجلس الجديد، بعد أن لم تتمكن أي مرشحة من الفوز بمقعد نيابي منذ إقرار الحقوق السياسية للنساء العام 2005.

تمثل النساء في الكويت نحو 54 في المئة من الناخبين البالغ عددهم زهاء 385 ألفاً، وخاضت في اقتراع السبت الماضي 16 امرأة من بين 210 مرشحين تنافسوا على 50 مقعداً في خمس دوائر لكل منها عشرة نواب. وعلى ما يفيد متخصصون، فإن الكويتيات فضلاً عن أنهن يشكلن أكثر من نصف الناخبين، فإنهن يمثلن 44 في المئة من القوة العاملة في بلدهن، وهي أعلى نسبة بين دول الخليج. والمعلوم أن الكويت لا تأخذ بنظام الكوتا للمرأة في القانون الانتخابي فيها، الذي عرف تعديلاً سابقاً بشأن الدوائر، حيث كانت البلاد مقسمة إلى 25 دائرة لكل منها نائبان.

اللافت أن الفائزات الأربع في مجلس الأمة (البرلمان) الجديد يحزن تعليماً جامعياً عالياً من الولايات المتحدة، وهنّ ناشطات بارزات في الدفاع عن حقوق المرأة وفي المطالبة بإصلاحات سياسية. وإذا ما لوحظ أن الإسلاميين، السلفيين منهم وغيرهم، نشطوا في الأسابيع الماضية للحض على عدم الاقتراع للمرشحات، وأن القبائل التي نجحت في إيصال 25 نائباً لم تعتدّ أبداً بترشيح أي امرأة، فذلك يؤشر إلى أن الفائزات لم يصلن إلى النيابة بدفع عشائري، بل على النقيض من ذلك، ثمة قوى شبابية وناهضة وتوجهات أصابتها الحداثة الاجتماعية، عملت على عدم الارتهان المسلم به للمواضعات المحافظة الراسخة، التي يمكن الزعم في الحالة المستجدة أنها قد تترجرج أكثر إذا ما تم العمل بهمة وحيوية، وبخطة انتخابية مدروسة وعملية.

أبرز الفائزات معصومة المبارك، وهي أستاذة جامعية تلقت تعليمها في أميركا، وفي العام 2005 أصبحت أول امرأة تعيّن وزيرة في الكويت، وقضت عاماً وزيرة للتخطيط قبل تعيينها وزيرة للنقل العام 2006، ثم وزيرة للصحة بعد عام، واستقالت العام 2007 تحت ضغط من النواب الإسلاميين بشأن تعاملها مع حادث حريق في مستشفى. توصف المبارك بأنها ليبرالية، واعتبرت فوزها وزميلاتها الثلاث بالنيابة انتصارا للكويتيين، وصرّحت أنها ستسعى إلى إرساء الاستقرار في بلدها، بعد سلسلة الأزمات السياسية فيها على مدى السنوات الثلاث الماضية، وأنها سوف تعمل «للحصول على الحقوق المدنية والاجتماعية للمرأة، بعد أن حصلت على حقوقها السياسية». وكانت قبل نحو عامين انتقدت ما اعتبرته نهجاً نيابياً خاطئاً، يأخذ رغبات الناخبين في الرخاء المالي ومطالبهم على محمل التقديس، ويسعى إلى فرضها على الحكومة من دون مراعاة للمصلحة العامة، وتأثيرها في الوضع المالي للدولة.

حلّت معصومة المبارك الأولى في دائرتها الانتخابية بين الفائزين العشرة، فيما حازت زميلتها أسيل العوضي (40 عاماً) المرتبة الثانية في دائرة أخرى، وهي تلقت تعليمها في جامعة تكساس، وتعمل أستاذة للفلسفة السياسية في جامعة الكويت، وخاضت انتخابات السبت الماضي بوصفها مرشحة مستقلة، وكانت قد تنافست في انتخابات العام الماضي ضمن كتلة التحالف الوطني الديمقراطي، وجاءت متأخرة بمركز واحد عن الفائزين العشرة. ووصفت فوزها وزميلاتها بأنه انتصار للمرأة الكويتية وللديمقراطية، و«خطوة جبارة إلى الأمام».

وفي الدائرة نفسها التي تنافست فيها العوضي، فازت بالمرتبة السابعة بين الفائزين رولا دشتي، وهي خبيرة اقتصادية، تحمل الدكتوراه في الاقتصاد السكاني من جامعة جونز هوبكنز، وعضو في المجلس الأعلى للتخطيط، وعملت مستشارة للبنك الدولي، وانتخبت رئيسة للجمعية الاقتصادية الكويتية. وتوصف بأنها ناشطة بارزة في مجال حقوق المرأة، وتعتبر من أبرز الوجوه التي ناضلت من أجل حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية، وهي إلى ذلك مدافعة عن الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية. وكانت صحيفة «فاينانشال تايمز» العام الماضي أدرجتها ضمن قائمة لأبرز 20 امرأة عربية. وخاضت الانتخابات النيابية في العامين 2006 و2008 ولم تحقق النجاح. وصرحت دشتي لإذاعة «بي بي سي» أن «أهل الكويت صوتوا من أجل التغيير، وبناء وطنهم بمشاركة المرأة، وأن التصويت لصالح المرأة جزء من التغيير الإيجابي المطلوب». وقالت إن المرأة «ستشارك بفعالية في مناقشات البرلمان الجديد، وستقترح حلولاً للقضايا الملحة، مثل: التوظيف، والإسكان، والتعليم، والصحة».

رابعة المنتخبات للبرلمان الجديد هي أستاذة التربية في جامعة الكويت سلوى الجسار، تلقت تعليمها في الولايات المتحدة، وتترأس مركز تمكين المرأة، وهو مؤسسة غير حكومية، وتعدّ ناشطة بارزة في الدفاع عن حقوق المرأة. وكانت قد خاضت انتخابات 2008، ولم تفز، واعتبرت الانتخابات الأخيرة «لحظة تاريخية».

معصومة المبارك، وآسيل العوضي، ورولا دوشتي، وسلوى الجسار، أربعة وجوه نسائية من بين 21 نائباً جديداً في مجلس الأمة الثاني خلال عام، ويراهن عليه كثيرون بأن يقوم بأداء تشريعي ورقابي، يتجاوز ما ظل معهوداً في برلمانات سابقة من أسباب لتأزيم العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وجاءت نسبة المشاركة في انتخابه أقل من سابقاتها في السنوات الماضية، فبلغت 58 في المئة، وأفيد أن أنصار الإسلاميين السنة لم يبدوا حماسة كبيرة للمشاركة، فتراجعت مقاعد المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين من 21 مقعداً إلى 11 فقط، بالتوازي مع ارتفاع عدد مقاعد النواب الشيعة إلى تسعة، وكانوا أربعة في المجلس السابق، فأصبحت نسبتهم نحو 18 في المئة، بعد أن كانت 10 في المئة في المجلس المنحل. يؤتى على هذه الإشارة مع التذكير بأن المواطنين الشيعة هم ثلث الكويتيين.

أكثر من قراءة تحليلية ممكنة لنتائج الانتخابات التي جاءت بعد شهرين على حل الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح مجلس الأمة السابق، لكن الأهم معاينة البرلمان الجديد وأدائه، لا سيما وأن من سُموا «نواب التأزيم والتعطيل» احتفظوا بمقاعدهم، وأن مرشحي القبائل التي ينتمي إليها نحو نصف الكويتيين فازوا ب 25 مقعداً، وبعضهم مقربون من الإسلاميين. وتلزم الإشارة إلى هذه المعطيات مع الالتفات إلى زيادة مقعد للنواب الليبراليين، وهذه تفاصيل في الخريطة العامة للبرلمان الجديد الذي سيعد تاريخياً، أيّاً كانت أحواله المرتقبة بالنظر إلى وجود أربع نساء منتخبات فيه.

برلمان الكويت الجديد .. اقتحام نسائي وشيعة أكثر
 
21-May-2009
 
العدد 77