العدد 77 - الملف | ||||||||||||||
ابراهيم سيف ربما لم يدر في خلد البروفيسور كلاوس شواب أن دافوس سوف تصبح أحد عناوين الرأسمالية الحديثة، حينما قرر إطلاق لقاء يجمع رجال الأعمال والمال على إحدى القمم السويسرية العام 1970. فمنذ العام 1971، بات منتدى «دافوس» يعقد سنويا وسط الجبال السويسرية، حيث يلتقي الأثرياء ورجال الأعمال والسياسيون المتوافدون من أنحاء العالم كافة. قامت فكرة منتدى داوفوس على أساس جمع أصحاب المصالح (رجال الأعمال)، والمشرعين (رجال السياسة)، في مكان واحد للتفكير معا في كيفية صناعة المستقبل. ولم تكن الفكرة بعيدة عن خيال الأكاديمي الذي كان يرى ضرورة إيجاد قواسم مشتركة بين رجال الأعمال ورجال السياسة، فهم من يساهمون في صياغة السياسات، وهم من يقومون بالاستثمار ويقررون تحالفات الدول، أو ما يطلق عليه البحث في مستقبل «الكرة الأرضية»، وهم الذين يعينون أنفسهم حراسا للمستقبل من دون تفويض واضح من بقية الدول التي ظلت على الهامش في ما يخص «سياسات دافوس». كانت الفرضية الأساسية هي أن هذا النوع من اللقاءات سوف يجمع الأطراف الفاعلة كافة في الدول على افتراض أن هناك مؤسسات ديمقراطية في تلك الدول، لكن اللقاءات توسعت لاحقا لتشمل حضورا مميزا للإعلام وبعض مثقفي البلدان المشاركة، وبات المنتدى يشكل فرصة لتبادل الأفكار، تنفيذ الصفقات، وصياغة السياسات الاقتصادية التي يفترض أن تؤدي إلى مزيد من الانفتاح السياسي، وفي هذا تماه مع التجرية الغربية «الليبرالية»، التي قامت على تحرير الأسواق وتطبيق مبدأ المنافسة، وتطوير عمل المؤسسات. وخلال الفترة الأولى لانطلاق المنتدى، كانت الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي ما زالت متواصلة، لذا وجد المنتدى صدى عبر الأطلسي في الولايات المتحدة، وأقبلت الشركات على دعم المنتدى وتوسيع أجندته من خلال إحالته ليس فقط إلى لقاء بين ر جال السياسة ورجال الأعمال، بل أيضا للترويج للأفكار الرأسمالية والسوق الحرة وإظهار مزايا هذه السوق وعيوب الأنظمة الأخرى، لا سيما الاشتراكية منها، في ذلك الوقت. وكان ذلك يتم من خلال إبراز نجاحات الشركات في أسواق المال؛ من مايكروسوفت، وإنتل إلى شركات النفط وشركات التصنيع العملاقة في عالم التكنولوجيا. من هنا باتت تقتضي المشاركة في المنتدى ميزانية كبيرة، فبدأت ألف من أكبر الشركات في العالم، بحسب تصنيف مجلة فورتشن، تدفع مشاركة سنوية مقدارها 42500 فرنك سويسري (40000 دولار)، للانخراط في عضوية المنتدى، ثم 19638 فرنكاً سويسرياً، (حوالي 15000 دولار) للمشاركة كعضو إدارة في دافوس. كما تدفع نحو مئة شركة متعددة الجنسيات 500 ألف فرنك سويسري سنوياً (400 ألف دولار) باعتبارها من الشركاء الاستراتيجيين. الهدف المعلن للمنتدى الاقتصادي العالمي هو تحسين وضع العالم. ويعتبر اجتماعه السنوي فرصة يعلن خلالها عن العديد من الهبات الخيرية، وخلال المنتدى يزور مدينة دافوس الصغيرة التي تقع في المنطقة الناطقة بالألمانية في سويسرا، 2500 مشارك (رجال أعمال وسياسيون ومنظمات غير حكومية وعلماء) ومئات الصحفيين، في تجمع قل نظيره في العالم، وخلال السنوات الأخيرة باتت هناك منتديات موازية تعقد في دول أخرى حول العالم تجمع، بشكل أساسي، عددا من المثقفين والباحثين حول العالم، يركزون على قضايا مثل: الفقر، والبطالة، التهميش الاجتماعي، وهي قضايا عادة ما يتجاهلها الحاضرون في دافوس، بافتراض أن نجاحات الشركات العالمية ستحلها بشكل تلقائي، رغم أن التجربة العالمية تشير بوضوح إلى تعمق فجوة الدخل في الدول النامية بين الأغنياء والأثرياء. مع انهيار الاتحاد السوفييتي وسيادة مبدأ السوق الحرة، تغير الدور المنوط بهذا المنتدى، بحيث أصبح يركز على كيفية إدارة الاقتصاد العالمي والبحث عن الحلول التي تواجه اقتصاديات السوق، وبات هناك إدراك متزايد بضرورة الربط بين السياسي والاقتصادي، ومن هنا جاء التركيز على قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وبرزت أهمية التركيز على بعض المناطق الجغرافية مثل الشرق الأوسط، وضرورة نقل مكان انعقاد الملتقى العالمي إلى دول أخرى، وهو ما حدث للمرة الأولى عندما استضاف الأردن المنتدى في البحر الميت، مرسيا بذلك تقليدا جديدا في المنطقة، وبات هناك تنافس على استضافة المنتدى بين الدول التي تعتبر أنها اتبعت سياسات السوق الحرة. ومع تعمق الأزمة المالية العالمية التي ضربت أسواق المال وانتقلت إلى الاقتصاد الحقيقي، فإن أولويات المنتدى اتخذت شكلا جديدا، فعلى سبيل المثال، حدد رئيس المنتدى كلاوس شواب خمسة أهداف لـ«دافوس 2009»، تتطلب إعادة النظر في قيم وممارسات رجال ونساء الأعمال، إلى جانب الأنظمة الاقتصادية التي أثبتت أنها في حاجة إلى تطوير. وحدد شواب الهدف الأول للمنتدى على أنه: ضمان النظرة إلى عالم اليوم بمجمله وبصورة منتظمة ونمطية. والهدف الثاني: دعم الحكومات، لا سيما مجموعة الـ20، في جهودها الرامية إلى المعالجة الجذرية للأزمة الاقتصادية والمالية والعالمية. والثالث: بدء عملية التعريف بالأجهزة والمؤسسات التي يجب على العالم أخذها في الحسبان، لأن التحديات الحالية هي الأعظم منذ الحرب العالمية الثانية. والهدف الرابع: البحث في «قاعدة القيم الأخلاقية» لرجال الأعمال والمنظمات، مع العمل على تحديد «إجراءات ملموسة» تضمن هذه القيم. والهدف الأخير هو توصل منتدى دافوس لعام 2009 إلى خطوات عملية وملموسة يجب اتخاذها للتغلب على الأزمة وضمان عدم تكرارها. هذه الأهداف تشير إلى أن بريق سياسات دافوس آخذة في التراجع، ومن الصعب على هذا المنتدى الذي حقق نجاحاته المتواصلة على مر السنين أن يعترف بالأخطاء التي تم ارتكابها، والتي ساهمت، في جزء منها، باندلاع أزمة اقتصادية تتوالى فصولها. ولكن من الصعب أيضاً الاستمرار في الترويج لسياسات ثبت أنها وضعت افتراضات خاطئة ولم تحقق الرفاه المطلوب، بل على العكس تماما، فإن «حراس مستقبل الكرة الأرضية» هم من قام بتقويض مقدراتها. والى جانب السياسات المالية والاقتصادية، يبرز الجانب البيئي الذي تجاهله رجال الأعمال. والخلاصة أن دافوس يراجع أجندته بعيدا عن الأضواء، فهل يراجع مروجو دافوس «محلياً» سياساتهم أيضاً؟. |
|
|||||||||||||