العدد 77 - أردني
 

عطاف الروضان

بعيداً عن ما يحمله اختفاء الطفل ورد الربابعة، ابن الخمسة أعوام، من أبعاد جرمية وأمنية كبيرة، ظهر للقضية بعد إنساني، لم يخرج عن منظومة التعاطف الاجتماعي المعهودة، بقدر ما اتخذ شكلاً أكثر تقدّماً هذه المرة.

التعاطف الإنساني الكبير الذي أبداه مواطنون من مناطق المملكة المختلفة، تعدى ذلك ليشمل مغتربين أردنيين ومواطنين عرباً، عبر مشاركاتهم وتعليقاتهم وحتى اقتراحاتهم على المواقع الإلكترونية، حيث استقبلت المواقع مئات التعليقات على أيّ خبر تنشره عن القضية.

وبدا واضحاً تنامي حراك اجتماعي وأهلي منظَّم بموازاة الحراك الأمني، للقيام بحملات تفتيش في قرية الطفل، جديتا، في محافظة إربد شمالي الأردن.

مدير شرطة غرب إربد العقيد خالد الساكت، أشاد في حديثه لوسائل إعلام مختلفة بـ«التطور الاجتماعي الذي تجسّدَ في تعاون المواطنين في البحث عن الطفل»، وأكد «أهمية المعلومة الدقيقة التي توصل إلى حقائق جديدة تتعلق بظروف اختفاء الطفل»، في إشارة واضحة إلى كثرة الإشاعات التي بدأت منذ اليوم الأول لاختفاء الطفل ورد، وكلها تصبّ في العثور عليه تارة في مسجد الجامعة الأردنية، وأخرى في العقبة، وكان آخر الإشاعات وربما أكثرها إيلاماً، ما نُسب إلى مصادر أمنية في مدينة الكرك، عن العثور على جثة الطفل في المدينة، وقد سُرقت قرنيّتاه.

خلال ذلك، لم تهدأ هواتف نقالة لعشرات من المواطنين يتناقلون الخبر في ما بينهم، حتى إن أم محمد (ربة منزل تقطن في عمّان) اتصلت مع أهله للتأكد من صحة ما سمعته. وقد نفى الأهل صحة الشائعة، مؤكدين النفي الذي ورد على لسان مصادر أمنية رفيعة المستوى.

تقول أم محمد التي لا تعرف «ورد» ولا أهله: «لا يمر يوم إلا وأقوم بالاتصال مع أهله للاطمئنان عليهم»، وتسترسل: «بناتي أصبحن يشددن على أولادهن أكثر، حتى الأطفال صاروا يسألون كل يوم: هل تم العثور على ورد؟».

هذه الحادثة، تعيد للأذهان حادثة اختفاء الطفل محمود الشواهين في مدينة إربد، آذار/مارس 2008، حيث عُثر على جثته بعد زهاء شهر في أحد الآبار في شارع فلسطين، في «التركمان»، الحي الفقير الذي تعيش أسرته فيه.

في ذلك الوقت، قام والد محمد بتوزيع صورة ابنه الوحيد على وسائل الإعلام المختلفة، لعل أحداً يعلم مصيره، أو يساعد في إعادته لأهله. واستنفرت شرطة إربد جهودها في التحقيقات بالوسائل المختلفة، كما ناشد الوالد آنذاك بإطلاق حملة للبحث عن محمد.

لكن مستوى التفاعل الشعبي مع تلك الحادثة، لم يصل إلى المستوى الذي وصل له في قضية ورد.

القيام بحملات للفت الانتباه لأي موضوع، اقتصر أردنياً عبر سنوات، على المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية، لكن قضية ورد كسرت حاجز الصمت الشعبي، وفتحت المجال للمبادرة الفردية من مواطنين، لإظهار تعاطفهم، أو رغبةً منهم للمساعدة في البحث عن الطفل المفقود.

المنسقة الإعلامية للّجنة الوطنية لشؤون المرأة، رنا أبو شاور، ترى أن ذلك يعكس «زيادة الوعي في الشارع الأردني، وأن الرؤية تجاه حقوق الأطفال والمهمشين أصبحت أكثر عمقاً».

تشير أبو شاور إلى أهمية ما يقوم به الإعلام، من حيث «تناول ما يجري خلف الأبواب من قضايا العنف والإساءة، وتوفير المعرفة القانونية حولها بتشجيع الجميع للحديث، ورفض هذه القضايا، ومحاولة الحد منها بالطريقة المتاحة له».

الاهتمام الإعلامي في متابعة قضية ورد، كان من أبرز العوامل التي ساهمت في تزايد الاهتمام الشعبي بهذه القصة. يقول الكاتب الصحفي ماهر أبو طير: «سببُ التركيز الإعلامي أن قصة ورد جاءت بعد سلسلة حوادث شبيهة سبقتها: محمود الشواهين، عمر المجالي، ويزن، وغيرهم».

يرى أبو طير أن الاهتمام الشعبي بهذه القصة، يكشف أن الجو العام في المجتمع الأردني مشبع بموقف رافض للعنف تجاه الأطفال، وهو ما لمسه الناس في الخطاب الملكي أكثر من مرة.

في الذاكرة، تأكيدات ملكية على ضرورة الاهتمام بقضايا الطفولة، تضمنها خطاب العرش في تشرين الأول/أكتوبر 2008، الذي ألقاه الملك عبدالله الثاني في افتتاح مجلس الأمة.

يعلّق أبو طير على المبادرات الأهلية والشعبية المنظِّمة لحملات مختلفة بحثاً عن ورد، ويرى أن سبب هذا التوجه هو ارتفاع نسبة التعليم واستخدام التكنولوجيا بالأردن على مستوى المنطقة، ما دفع المواطنين لتسخير هذه المعرفة للتفاعل مع قضية ورد، ومؤازرة أهله في هذه المحنة، للتعبير مرة أخرى عن رفضهم لحادثة اختفائه المأساوية».

بلدية برقش نفذت حملة ميدانية للبحث عن ورد، شارك فيها موظفو البلدية ومواطنون، وشملت غابات ومناطق زراعية في محيط البلدة، وبخاصة الشرقية منها.

الحملة تعبّر عن مساندة المجتمع المحلي في البلدة مع أهل الطفل، بحسب رئيس البلدية محمد خطاطبة.

بدأت الحملة بتوزيع نحو 1000 صورة لورد في مداخل جامعات، ومؤسسات علاجية، ودور عبادة في مدينة إربد. ووزعت البلدية صباح الأحد (17 أيار/مايو) صورة ورد في مدن رئيسة أخرى.

شارك في الحملة النائب ياسين بني ياسين، سبقه النائب نصار القيسي الذي رصد بدوره مبلغاً مالياً لمن يعثر على ورد، وقوبلت هذه المبادرة بمبادرات فردية من مواطنين، زادوا المبلغ المرصود من حساباتهم الخاصة، بحسب تعليقات نشرتها مواقع إلكترونية.

كما وزع نادي المعلمين في لواء الكورة 10 آلاف صورة للطفل المفقود، على طلبة مدارس أساسية وثانوية في اللواء، في إطار حملة بدأها النادي نهاية الأسبوع الماضي للتضامن مع الطفل وذويه، ولتعزيز الجهود المبذولة في العثور عليه.

موظفة في دائرة حكومية في المفرق، بادرت هي وثلاث من زميلاتها، بإرسال صور ورد عبر الهاتف إلى أكبر عدد من المعارف. «ربما يراه أحدهم مصادفةً»، تقول.

كما قامت بمبادرة فردية للاتصال بإحدى الشركات المشغّلة للهواتف النقالة، والاقتراح عليها بإرسال صورة ورد إلى مشتركيها، وحثهم على البحث عنه، إلا أنها كما تقول لم تتلقَّ ردّاً بعد على اقتراحها.

كما بادرت مجموعات من الشبان لتوزيع صور الطفل، ومناشدات للبحث عنه في منتديات إلكترونية، أو مواقع، أو موقع الفيس بوك.

حتى ساعة إعداد هذا التقرير، وبعد مرور زهاء أربعة أسابيع على خروج ورد من بيت أهله لشراء «الحمّص» دون أن يعود، ليس هناك معلومات مؤكدة تكشف لغز اختفاء ورد.

اختفاء ورد: حلقة في سلسلة مؤلمة
 
21-May-2009
 
العدد 77