العدد 77 - أردني | ||||||||||||||
محمد شما يبدو أن تأسيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي يعوَّل عليه كضمانة لاستقرار الحياة العمالية الأردنية، لن يمر بهدوء، فقد تصاحبه عاصفة انتقادات، لما سيحمله من رقم جديد في أعداد المجالس والهيئات. يستند تأسيس المجلس إلى ما أسمته منظمة العمل الدولية العام 2000، «مشروع الحوار الاجتماعي»، الذي انضم الأردن له العام 2003، وبدأت الحكومة مواكبة أعماله بتمثيل يضم الحكومة وأرباب العمل والنقابات العمالية، ثم انضم إليها العام 2005، طرف رابع هو المجتمع المدني. المجلس يضم ممثلين عن الأطراف الأربعة: العمال، أصحاب العمل، الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني. ويستند إلى اقتراحات قدمتها منظمة العمل الدولية لوزارة العمل، وافقت عليها الأخيرة بعد إطلاقها مع المنظمة الدولية «المشروع الوطني لتقوية قدرات الشركاء الاجتماعيين لترقية الحوار الاجتماعي». تتلخص مهمة المجلس بتقديم الاستشارة للسلطتين التشريعية والتنفيذية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية. إنشاء المجلس «ضرورة ملحّة»، أسوة بدول العالم، على ما يقوله فتح الله العمراني رئيس نقابة الغزل والنسيج، «المجلس ليس وليد الصدفة، إنما نتيجة دراسات استغرقت ثلاث سنوات. وسيساهم في التخطيط وإشراك العمال في التنمية الاقتصادية». لكن اطمئنان النقيب لا محل له لدى النائب حمزة منصور، رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي النيابية، ومن مبدأ «أيّ جهة تنشأ بإرادة خارجية لا أطمئن لها»، بحسب ما يقول منصور مضيفاً: «الأردن لديه من المجالس ما يغنيه عن تشكيل هيئات جديدة». منصور يتخوف أيضاً من إنشاء المجلس بموجب نظام، ما يعني أن «تأسيسه سوف يتم في غياب السلطة التشريعية ورقابة مجلس النواب». منصور الذي قدم جملة ملاحظات بين يدي إحدى جلسات مجلس النواب تناولت واقع العمال مع تقديم استجوابات لوزارة العمل، يضيف تخوفاً آخر: أن يكون المجلس «تنفيعاً» لجهات معينة. يرد العمراني على بعض مخاوف منصور، بأن المجلس «استشاري اقتصادي يضع الاستراتيجيات لمجلس الوزراء، ولن تكون ملزمة، ليس هناك سحب صلاحيات من الحكومة». المجلس الذي تدعمه المفوضية الأوروبية بمبلغ 35 مليون يورو، تقسَّط سنوياً، سيضمن تعامل «الساحة العمالية» مع مرجع واحد، لا مع حكومة قابلة للتغيير سنويا. فيما يفيد نظام المجلس أن موارده المالية ستعتمد على أموال تخصَّص له في الموازنة العامة، وما يرد إليه من أموال، شريطة موافقة مجلس الوزراء عليها إذا كانت ذات مصدر غير أردني. رئيس اتحاد نقابات العمال، مازن المعايطة، له موقف شبيه بموقف العمري، حيث يرى أن المجلس «سيكون استشارياً، ويشرف على صياغة القوانين وينضجها قبل إرسالها إلى السلطة التنفيذية». يضيف: «إذا طُلب من المجلس أن يقدم الاستشارات، فعليه أن يقدم التوصيات المناسبة لتكون التشريعات والقوانين أكثر نضوجا وبعيدا عن العشوائية والحاجة إلى إدخال تعديلات مستمرة». لكن «إذا كانت الحكومة بحاجة لهذا المجلس، تستطيع أن تتقدم بمشروع قانون تبيّن فيه الأسباب الموجبة له، ومن شأن النواب دراسته، مع الإشارة إلى أن المجلس استشاري والحكومة لديها من الأجهزة والخبرات ما يكفي، ولا حاجة لأعباء مالية جديدة»، يقول النائب منصور. «لا تشكل كل المجالس بالضرورة عبئاً على موازنة الدولة، وهذا المجلس سيكون مظلة للجميع»، وفق رئيس لجنة العمل والتنمية الاجتماعية النيابية، النائب موسى الخلايلة، الذي يتخذ موقفا مغايرا لمنصور. لكن المعايطة يرى أن «فكرة المجلس متجذرة لدى دول سبقتنا في هذا المضمار، وربما ليس لدى بعض وزرائنا القدرة الكافية على صياغة مشاريع القوانين والتشريعات، وهنا تأتي أهمية المجلس الذي يقدم المشورة والنصح للسلطتين بما يتعلق بالتشريعات والقوانين». الأصل في عمل الحكومة أن يكون «تراكمياً» وفق النائب حمزة منصور، وذلك في رده على مقولة إن المجلس مؤهل للحفاظ على استقرار الساحة العمالية في تعاطيها مع الحكومات. يتوقع منصور أن المجلس لن يأتي بالجديد..«لدينا كفاءات في البلد، ولا نحتاج إلى مجالس تأتي بإيحاءات خارجية وبتمويلٍ خارجي وعلى المقياس الخارجي». الخلايلة يتفق مع آراء نقابيين، ويرى أن وجود المجلس ضرورة ملحّة، «آن الأوان لتأسيس مجلس أسوة بدول أوروبية ومغاربية، أصبحت مشاريع القوانين ومتابعة القضايا جزءاً من أولوياتها، وللحكومة انشغالاتها المتعددة». الحديث عن «تفعيل» الطبقة العاملة وإيصال صوتها سيرتبط بشكل جلي بالمجلس، كما يحاجج العمراني الذي يرى أن الأوان قد حان كي تكون طبقة العمال «فاعلة»، وهو ما يمكن التطلع إليه في حال قام المجلس بتمثيل قطاعات المجتمع كافة. فيما يدعو منصور لتفعيل دور وزارة العمل «التي ساهمت بنقل كل قضايا العمل والعمال إلى المحاكم». الناشط النقابي محمود أمين الحياري، رغم رأيه بأن المجلس «خطوة متقدمة»، فإنه يربط نجاح المجلس «بمن سيختارهم العمال ليمثلوهم في المجلس، وعلى قاعدة اختيار الأمثل». الحياري يبدي تخوفاً من ربط التمويل بمشاريع محددة سيقوم بها المجلس، ويعتقد أن هذا «قد يشكل مقتلاً لطبقة العمال». يتألف المجلس من 45 عضواً و4 مجموعات تضم الواحدة منها 11 عضواً منتخباً؛ الأولى تتكون من 8 أعضاء يمثلون المؤسسات الرسمية ذات العلاقة، و3 من ذوي الخبرة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية. الثانية من ممثلين عن أصحاب العمل، يتم اختيارهم بالتنسيق مع غرفتي التجارة والصناعة ونقابات العمل. الثالثة تتكون من ممثلين عن العمال يتم اختيارهم بالتنسيق مع الاتحاد العام لنقابات العمال. الرابعة من ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة بمهام المجلس، يتم اختيارهم بالتنسيق مع الجهات المعنية. تحدَّد مدة رئاسة المجلس بأربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، فيما يتم تعيين امرأتين في كل مجموعة. ويُشترط أن يكون العضو أردنيا، لا يقل عمره عن 30 سنة. من المتوقَّع أن يبدأ برنامج الدعم المالي للمشروع قبل نهاية العام 2009. في غضون ذلك، ستجري الحكومة الأردنية والمفوضية الأوروبية المزيد من المناقشات حول معايير وتفاصيل العملية. يهدف برنامج الدعم إلى تفعيل قطاع التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني في البلاد، حيث تصل مدته 4 سنوات «من أجل رفع مستوى الأهمية والكفاءة والإنصاف، إضافة إلى الاستدامة المؤسسية والمالية، لنظام التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني الأردني على المدى الطويل». بحسب إعلان المفوضية، فإن «التدخل» في المجلس يسعى إلى «تعزيز فعالية التوظيف وسوق العمل من خلال دعم قدرة وزارة العمل ومجلس التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني في مهمتهم الجديدة لتعزيز التشغيل». تتألف ميزانية البرنامج من: دعم ميزانية القطاع البالغة حوالي 29 مليون يورو (نحو 28.16 دينار أردني)، إضافة إلى تغطية المساعدة الفنية والإجراءات التكميلية تقدَّم بشكل دوري سنوياً. في أوساط المجتمع المدني، تبرز دعوات لعدم الإفراط في التفاؤل أو تضخيم دور المجلس، وهو ما يذهب إليه رئيس مركز الأردن الجديد للدراسات هاني الحوارني، الذي يُعوِّل في الوقت نفسه على نجاح تجربة المجلس، «من أجل أن يكون لدينا إطار مؤسسي حقيقي لصياغة السياسات الاجتماعية والاقتصادية، بمشاركة متكافئة وفاعلة من مختلف الشركاء الاجتماعيين: حكومة وقطاع خاص ونقابات عمالية ومجتمع مدني». تنطلق أهداف المجلس وأنشطته من برامج وطنية، بخاصة من الأجندة الوطنية وإستراتيجية التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني. أما الدعم الأوروبي فيرتبط بالنتائج التي تنفذها المؤسسات الأردنية. إلى أن يظهر المجلس إلى العلن، يبقى العمال يأملون أن يحقق المجلس لهم شيئاً من مطالبهم الحقوقية المتعلقة بتحسين أوضاعهم وأجورهم، وعلى أقلها أن يكون صوتهم مسموعاً بوصفهم أعضاءً في المجلس. |
|
|||||||||||||