العدد 77 - أردني | ||||||||||||||
محمود الريماوي وسعد حتر
مرة أخرى يتشابك الاقتصادي بالسياسي، إذ فرضت مأساة الفلسطينيين، بؤرة توتر العالم الأطول اشتعالاً، أجندتها على اجتماعات و«كولسات» مئات السياسيين، رجال الأعمال والاستثمار الذين تجمعوا على شاطئ البحر الميت آخر الأسبوع الماضي، تحت مظلة المنتدى الاقتصادي العالمي. المنتدى، الذي التأم وسط تداعيات أعنف أزمة مالية منذ العام 1929، لم يرسم خريطة طريق أو يقدم نصائح إلى قادة العالم، حول سبل الخروج من متاهة الانكماش الاقتصادي، الذي ضرب واشنطن وهزّت توابعه سائر عواصم العالم، على ما يرى مستثمرون ودبلوماسيون شاركوا في أعمال المنتدى. فيما يرى آخرون أن مهمة المنتدى لا تكمن في وضع الحلول واجتراح السياسات، بقدر إثارة النقاش وتشجيع الاستثمار. تميز الإبداع التنظيمي في المنتدى في ترتيب لقاءات ثنائية وحلقات نقاشية حول الطاقة البديلة، حماية البيئة، توفير المياه وغيرها من العناوين المفيدة لبرامج الحكومات حيال هذه القضايا. في موازاة ذلك حملت أنشطة أخرى عناوين تحت شعار «صناعة السلام»، مثل «سلسلة إعادة التخطيط الكوني: مستقبل صناعة السلام في الشرق الأوسط»، أو «كلفة الصراع» العربي الإسرائيلي، الأطول في التاريخ الحديث. يقدّر القائمون على المنتدى خسائر المنطقة نتيجة تواصل الصراع، بـ 12 تريليون دولار على شكل فرص مهدورة، هروب رساميل، صفقات أسلحة، حروب، وإعادة بناء. بخلاف المنتديات السابقة، غابت عن مسرح النقاش السياسي قضايا ساخنة في المنطقة من قبيل العراق، فيما انفردت القضية الفلسطينية الأكثر استعصاء باستقطاب السياسيين، الاقتصاديين وأضواء الإعلام. المعارضة اليسارية للمنتدى لم تتوقف، غير أن لقاءات الرئيس أوباما مؤخراً برؤساء أميركا اللاتينية وبدء التحضير لحوار أميركي كوبي، انعكس على هذه المعارضة المحلية والخارجية التي بدت في حال انتظار للتطورات. هذه التظاهرة الموسمية، يشارك بها أكثر من 1400 شخصية ينتمون لـ 85 دولة. منتدى دافوس اتسم منذ انطلاقته بالبعد الاقتصادي، مع ظلال سياحية تتعلق بالمنتجع السويسري الساحر الذي احتضنه للمرة الأولى العام 1970. على أن أبعادا سياسية سرعان ما ظهرت أولاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وما بدا من سقوط للخيار الاشتراكي أواخر الثمانينيات، ثم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك، حيث عقد المنتدى أول اجتماع له خارج موطنه، في العاصمة الأميركية الثانية في حزيران/يونيو 2002، تضامناً مع ضحايا تلك الأحداث ومع الدولة المتضررة. في موازاة مواسم الهجرة إلى أميركا والشرق، تواصل انعقاد الدورة السنوية الشتوية في المنتجع السويسري. بعد الغزو الأميركي للعراق العام 2003، نجح الملك عبدالله الثاني في استضافة هذا المحفل العالمي للمرة الأولى في المنطقة، وذلك بعد خروجها من عاصفة تدميرية كلفتها مليارات الدولارات. الأردن تلقى في ذلك الوقت إسناداً أميركياً وغربياً لإخراجه من عنق زجاجة، إذ كان الأكثر تضرراً بعد العراق، الذي كان يزوده بجل احتياجاته النفطية بأسعار تفضيلية. الإضافة السياسية للمنتدى تمثلت في إشهار الربط الوثيق بين الطموحات الاقتصادية والاستقرار السياسي في العالم، وفي تظهير رجال الأعمال في مختلف أنحاء العالم باعتبارهم صانعي قرارات وشركاء للفاعلين السياسيين. لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد بات الملتقى وبالذات منذ انتقال غالبية دوراته إلى المملكة الأردنية الهاشمية (خمس دورات) منبراً لتوجيه الرسائل السياسية، وأخذ هذا المحفل يجتذب زعماء سياسيين لحضوره إلى جانب رجال الأعمال. اختار الأردن شاطىء البحر الميت لاستضافة المنتدى، بهدف التأشير إلى منطقة الغور التي انعكست عليها نتائج توقيع المعاهدة الأردنية الإسرائيلية العام 1994، ولم تعد منطقة عسكرية، وإلى كون هذه المنطقة تتاخم الأراضي المحتلة التي لم تنعم بالسلام بعد. كذلك قدّمَ هذه المنطقة البكر بوصفها جاهزة لاحتضان فرص التنمية، مع الإشارة الضمنية للمخاطر التي تتهدد البحر الميت (بحيرة لوط) بانخفاض منسوب مياهه والحاجة إلى تنفيذ مشروع الربط مع البحر الأحمر. مع ذلك ظلت إسرائيل ترفض تنفيذ مشروع أنابيب البحر الأحمر - الميت وسط معارضة إقليمية لا سيما من مصر، مع أن الأردن حذّر مراراً من أن تأخير هذا المشروع الحيوي، سيقضي على ما تبقى من مياه البحر خلال عقود قليلة. الدورة الأخيرة، شهدت إطلاق منطقة تنموية على شاطىء البحر الميت في سياق محلي، كما وقّع الأردن اتفاقات قروض بقيمة 200 مليون دولار للمساهمة في تمويل مشروع ضخ مياه الديسي إلى عمان، المتعطّل منذ عقدين. وهكذا بارتباطه بالقضايا السياسية، أخذ بريق المنتدى يخبو، وسط التدهور الإقليمي العام، ونتيجة الإخفاق في ترجمة المطامح الكبيرة إلى عالم خال من الحروب والتوترات. لقد انشغل المنتدى في إحدى دوراته بإعمار العراق، دون الوقوف عند تخطئة الحرب على هذا البلد العام 2003.في النتيجة لم يتوقف العنف في بلاد الرافدين، بما أعاق مشاريع الإعمار التي عانت من مشكلة أخرى، وهي استشراء الفساد في أوساط الطبقة الحاكمة الجديدة، كما في صفوف القوة الأميركية المحتلة. وبينما بحث رجال أعمال فلسطينيون وعرب عبثاً، عن فرص استثمارية في الضفة الغربية وقطاع غزة، عمدت السلطة المحتلة إبان حكومتي شارون وأولمرت، إلى إغلاق منافذ السلام، ولم تتورع عن تدمير منشآت ومرافق أقيمت بدعم دولي. وبينما كانت تلوح فرص سياسية شحيحة في المنطقة، مع انكشاف المأزق الأميركي في العراق، فقد عمدت كل من سورية، وايران للمشاركة في المنتدى في البحر الميت قبل عامين، وكانت مشاركة يتيمة فقد طغى التطرف والسِّجال الإيراني الأميركي على كل شيء، مع تسنم قيادتين متشددتين سدة الحكم في طهران(نجاد)، وواشنطن(بوش). دورة هذا العام وهي الثامنة، عقدت محفوفة ببعض الآمال التي واكبت انتقال رئيس ديمقراطي شاب إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، غير أن صعود أقصى اليمين في تل أبيب مع فوز نتنياهو في الانتخابات، ألقى بظلاله على المنتدى، ودفع الملك عبدالله الثاني لاعتماد نبرة حازمة في رفض «عملية سلام بلا نتائج». عمرو موسى، الذي قلما غاب عن دورات المنتدى، دأب على خطف الأضواء، وفي هذا العام شدّد على أن الخطر النووي الإسرائيلي يتقدم على الملف النووي الإيراني. فيما واصل شيمون بيريز حضوره المنتدى، ولم يجد رئيس الدولة العبرية المنزوع الصلاحيات، ما يستحق التوقف عنده في صعود قوة إسرائيلية ذات خطاب مناوىء للسلام وللمرجعيات الدولية، وسعى للتحشيد ضد إيران وحماس، مع محاولة الإيهام بأن طريق السلام مفتوحة على الجانب الإسرائيلي. في الجانب الاقتصادي، كان الوضع أشد قتامة. فالمنتدى الثامن عُقد على وقع الأزمة المالية العالمية التي عصفت باقتصادات الدول الرأسمالية الكبرى. مؤسسات اقتصادية في قطاعات البنوك والتأمين والعقار وصناعة السيارات والبورصة، مُنيت بخسائر كبيرة وبعضها أعلن إفلاسه، ما ألقى بظلاله على فلسفة المنتدى القائمة على التنافسية في إطار السوق الحر، وبذر شكوكاً في قدرات دول ومؤسسات كبرى على انتشال اقتصاد الدول النامية، ذلك أن المريض حتى لو كان عالي المؤهلات لا يسعه مد مريض آخر بالعون أو إملاء دروس صحية عليه. وقد انبعث في الأثناء مجدداً خيار الدور التدخلي للدولة لضبط أداء المؤسسات وامتلاك بعض أصولها أو شطر كبير من اسهمها، بما يدلل على أن خيار التأميم ليس شراً كله، وبخاصة إذا لم يعرقل آليات السوق الحر، وضمن تقديم الخدمات الأساسية للفقراء وحفظ حقوق الطبقة الوسطى. وهو مما لم ينشغل به منتدى دافوس سواء في صيغته الأصلية في المنتجع السويسري، أو في نسخه الإقليمية في الشرق الأوسط. |
|
|||||||||||||