العدد 77 - بورتريه
 

سليم القانوني

يروي زملاء للكاتب الصحفي معن البياري (44 عاماً)، منهم الناشر جهاد أبو حشيش مدير «دار فضاءات»، أن البياري في أثناء دراسته الصحافة في جامعة اليرموك منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كان معنياً بظاهرة احتشاد الأحزاب والمنظمات في الجامعة، دون أن يكون عضواً في هذه التيارات.. ولكن باهتمام معرفي يفوق اهتمام الناشطين والمحازبين أنفسهم. كان يصغي للجميع دون أن أن يتوقف عن توجيه الأسئلة والملاحظات ومتابعة النشاطات والسجالات وبينها مواقف إدارة الجامعة، فقد اتخذ هذا الشاب لنفسه منذ ذاك، موقع الصحفي الممارس المتقصي قبل احتراف المهنة، وتسلّح بأدوات الدارس للحركة الطالبية والسياسية، وقد ضن بنفسه الالتحاق بأحد مكوناتها، وذلك لضمان رؤية رحبة وموضوعية لها بعيداً عن قيود وحجاب الإنضواء.عن دراسته في جامعة اليرموك، يستذكر أساتذة كثر بالفضل عليه يخص منهم نبيل حداد، الخبير الإعلامي والناقد الأدبي.

قبل أيام فاز البياري بجائزة الصحافة السياسية في منتدى دبي للصحافة العربية، عن تحقيق سياسي مطول نشرته له صحيفة «الخليج» الإماراتية عن أبعاد وجوانب أزمة إقليم دارفور في نيسان/أبريل 2008، بعد أن قام الكاتب بجولة ميدانية شاقة في الإقليم، إضافة إلى وقوفه على حال الوطن السوداني بما في ذلك أوضاع لاجئي الإقليم قرب العاصمة الخرطوم.جاء هذا الفوز تزكية رفيعة للنهج الذي اختطه الصحفي الشاب منذ بواكيره. وفي حيثيات الفوز أن لجنة التحكيم «قررت منح الصحفي المرتبة الأولى، لكون فكرة الموضوع ذات قيمة عالية في الراهن السياسي، وقد عبّر كاتب الموضوع عن الفكرة بأسلوب سلس جذاب، وبلغة سليمة مباشرة ودقة معرفية، وبذل فيها جهداً بحثياً طيباً اتسم بالعمق، وقاد إلى استنتاجات منطقية خلاقة».

يلاحظ البياري أن احتفالية دبي الأخيرة «شهدت في تقليد محمود استذكار صحفيين عرب رحلوا العام 2008 وهم: المصريان صلاح الدين حافظ وكامل زهيري، السوداني حسن ساتي، السعودي طلعت وفا، والسوري محمد خالد قطمة، وكان محزناً تناسي ونسيان بدر عبدالحق ومحمد طمليه،الأمر الذي لم يثره أي من الضيوف الأردنيين وهم كثر».

نشأ معن في أسرة عصامية لجأ فيها الأب إلى الأغوار العام 1967 بعد عامين على مولد معن في مخيم قرب أريحا. الأب علي غرس الطموح العلمي في نفوس أبنائه، وهو المعلم وخريج دار المعلمين في ناعور. غير أن الطموح المعرفي لأكبر الأبناء معن، قاده بخطوات حثيثة إلى التحصيل العلمي والثقافي معاً، وهو ما يخبره جيدا زملاؤه وأصدقاؤه الكثر في عمان، والزرقاء، وإربد طيلة ربع القرن الأخير. حيث أقبل الشاب الفتي على متابعة الدوريات السياسية والثقافية، وبدأت أولى محاولاته للكتابة على صفحات «الرأي» قبل أن يلتحق بصحيفة «اللواء» الأسبوعية لمؤسسها المرحوم حسن التل العام 1988. يدين البياري للتل بفضل كبير عليه، وبخاصة لما تمتع به الراحل من رحابة أفق، ونزوعه للتجديد الإعلامي، في وقت لم تكن فيه قد برزت ظاهرة الأسبوعيات.

طموح الشاب قاده بعدئذ للتوجه إلى الرباط، رغم تواضع أحوال العائلة. وقد كانت له «مآرب» أخرى وراء هذا التوجه، فقد كان مهجوساً بغنى الحياة الثقافية والسياسية في مملكة المغرب، ومتشجعاً بانخفاض كلفة المعيشة فيها. هناك أعد العدة لوضع رسالة ماجستير في الإعلام، وبادر لمراسلة صحيفة «الاتحاد» الإماراتية وصحف خليجية أخرى، دون أن يفقد ارتباطه العميق بالأردن، وقد خصص أطروحته لـ«حرية الصحافة مفهوماً وواقعاً: قوانين النشر والمطبوعات الأردنية نموذجاً». وكان لموضوع الرسالة ومضمونها فضل تعريف قطاع أكاديمي وإعلامي كبير في المغرب الأقصى، بالحياة الإعلامية والقانونية الأردنية، وبخاصة أن الرسالة نوقشت العام 1994، بعد نحو عام على صدور قانون المطبوعات «الليبرالي» الذي وضعه الراحل محمود الشريف بالتعاون مع صديقه الوزير السابق إبراهيم عزالدين.

للبياري صداقات واسعة في صفوف الأنتلجنسيا المغربية، ويرون فيه أحد مراجعهم للوقوف على أحوال «المشرق». وهو إلى ذلك من الخبراء الإعلاميين في نزاع الصحراء الغربية، التي سبق أن زارها وتعرف إلى بعض رموزها السياسية ووجوهها الاجتماعية.

يقول البياري: «لا أعتد كثيراً بالشهادة والماجستير، وأزعم أن الصحافة دربة وموهبة وخبرة في المقام الأول». في واقع الأمر أنه بادر لممارسة الصحافة ولم ينتظر تخرجه الأول والثاني. فقد انتقل من الرباط إلى الدوحة ليشارك في تأسيس صحيفة «الوطن» القطرية العام 1996، وأمضى في الدوحة أربع سنوات محرراً للشؤون العربية وفي سكرتارية التحرير، لينتقل بعدئذ إلى الشارقة ملتحقاً بصحيفة «الخليج» أوسع الصحف انتشاراً في دولة الإمارات، التي نشرت له مئات التقارير والكتابات على مدى ثمانية أعوام، قبل أن ينتقل سكرتيراً لتحرير صحيفة «الإمارات اليوم».

يصف أستاذ أكاديمي رغب في كتم اسمه لقربه منه، البياري بأنه «ذو نزعة موضوعية، مفعم بروح التقصي والبحث، يتفادى التخندق الأيديولوجي وينفر منه، ويميل لمزج الوقائع التاريخية مع الحقائق السياسية في تفحص أية ظاهرة سياسية، ويتخفف من أية نزعات عاطفية سلبية تجاه أي أحد او أي فريق».

بينما يصفه أصدقاء له، بأنه مولع بالتحري عن المعلومات والتدقيق بها بمناقشة ناقليها عما ينقلونه، والوقوف على التطورات سواء كانت سياسية أو إعلامية او ثقافية لحظة وقوعها دون تأخير، فإذا تأخر لسبب قاهر انتباهه لوقوع تطور ما، ينتابه على الفور شعور عظيم بالذنب والخسران..لا يقل عما ينتاب المحققين في المسلسلات البوليسية من شعور بالتقصير في مثل هذه المواقف.

والزميل البياري إلى ذلك قاص مجرب ومجدد يكتب القصة القصيرة منذ نحو عقدين، لكنه يتريث في اصدار كتابه القصصي الأول، لفرط تدقيقه بما يكتب ولقسوة أحكامه على كتابته.

التقدم الذي حققه الزميل البياري، يمثل شهادة رفيعة لجيل عصامي شاب من أبناء الأردن،جال ببصره واهتمامه في أنحاء العالم العربي وبحث له عن موقع في الصحافة العربية وناله عن جدارة، ومازال يشارك بالكتابة في الصحافة الأردنية عبر «السجل» وملحق «الدستور الثقافي».

أما آخر أخباره فهي تعاقده مع قناة «الجزيرة»، لينضم، كما هو مرتقب ومأمول، إلى نخبة من الإعلاميين العرب، منهم أردنيون كثر في هذه القناة المتميزة رغم ما تثيره من جدل.

معن البياري: الطموح المعرفي يصيب نجاحات
 
21-May-2009
 
العدد 77