العدد 76 - كاتب / قارئ
 

سمعنا مؤخرا عن حملة لمطاردة المتسولين، ولا أعرف مدى جدّيتها، فأنا شخص يتجول كثيرا في الشوارع، ويركب الكثير من الباصات، ويمكنني أن أجزم أنهم زادوا ولم يقلّوا.

إنهم في كل مكان، في الكراجات وعلى الأرصفة، وأمام أبواب المحلات وفي المجمعات التجارية.

الشحاذون أنواع، منهم المتخصصون في الباصات، ويمكن تسميتهم: «شحاذو القصص»، حيث يصعدون إلى الباصات ويبدأون سرد حكاياتهم، فمن المرأة التي توفي زوجها المصاب بالسرطان وترك لها سبعة أطفال، إلى الرجل المصاب بالفشل الكلوي، إلى ابنة مدمن المخدرات التي تطلب ما يساعدها وأخَواتها على العيش ويحميها من الانحراف نحو طريق السوء.

وهناك شحاذو الطريق، وفي الغالب هم من النساء اللواتي يخترن زاوية يجلسن فيها، مستخدمات العدّة التقليدية للشغل: ملابس رثة قذرة، وطفل سيئ التغذية، وسيل من الدعوات بالصحة والنجاح والستر.

أما عارضو العاهات، مثل رجل مقطوع الذراعين يسير مستجديا بذراعيه العاريتين، وآخر يمتلئ صدره وبطنه بكتل لحمية حمراء الواحدة بحجم حبة الليمون، ولا أعرف إن كانت أوراما سرطانية أو أنها نوع من العيوب الخلقية.

من أنواع الشحاذين أيضاً: الشحاذون المقطوعون، وهؤلاء يرتدون ملابس نظيفة مرتبة، وهم لا يختلفون عن أي شخص عادي، يتقدمون بهدوء ويقولون لك: «يا أخ/ أخت ممكن كلمة؟»، وعندما تقف لتسمع يتضح أن هذا الشخص قادم من مكان بعيد، وأنه أضاع محفظته وليس معه ما يعود به إلى مكان سُكناه، ولا يريد منك سوى أجرة الطريق.

وهناك الأطفال، وغالبيتهم من نوعٍ يشبه «العلَق»، فيلتصقون بك، ويحاصرونك إلى أن يحصلوا على مبتغاهم. إذا كنت َ تتمتع بطول البال، فربما تدفعهم إلى اليأس والانصراف في النهاية، لكن بعضهم لا ينصرف بهدوء، فإذا لم تعطه ما يريد، يبتعد عنك مسافة كافية، ثم يبدأ توجيه الشتائم.

منذ سنوات طويلة كففتُ عن التصدق على أي متسول مهما بلغ سوء مظهره. سوء المظهر كما أراه، ليس أكثر من حرْفية عالية، والسبب هو أنني قبل سنوات وعندما كان هؤلاء ما زالوا يثيرون شفقتي، كنت أتصدق بانتظام على فتاة صغيرة ربما كانت في الثانية عشرة، كانت تقف دائما بالقرب من نافذة قطع التذاكر في شركة للحافلات، وكان موقعا استراتيجيا، بسبب توافر الكثير من الفكّة التي كان يعيدها عامل التذاكر للركاب. الطفلة كان منظرها شديد الإيلام، فقد كانت نحيلة مثل هيكل عظمي، وترتدي ملابس يعفّ الناس عن استخدامها مماسحَ، وكانت هذه الملابس نفسها قذرة إلى حد يبدو وكأنها استُخدمت فعلاً مماسح.

هذه البنت رأيتها في يوم بالصدفة في «السيفوي» مع أمها، وكانت الاثنتان ترتديان ملابس نظيفة وأنيقة، ومثل أي أم عادية مع ابنتها كانتا تتسوقان.

كما قلت، لم أعد أعطي أحدا، ومهما بلغ سوء مظهر المتسول، فأنا أفكر في ذلك بوصفه «عدّة شغل».

مازن عبيد

حملة غير مُجْدية لمطاردة المتسولين
 
14-May-2009
 
العدد 76