العدد 76 - كتاب | ||||||||||||||
لم تنجح الأطراف العربية، ومنها أطراف أردنية أهلية، في استثمار زيارة بابا الفاتيكان بالصورة المأمولة. لقد جرى تذكير البابا بنديكست بخطئه في الاستشهاد بأقوال رجل بيزنطي ربط بين الإسلام والعنف، ومع هذا التذكير جرى القفز عن مشاعر الأسف التي أبداها الحبر الأعظم غير مرة آخرها في عمان، وكأنما المقصود التمترس وراء ذلك الخطأ وتثبيته، بدلاً من السعي للتلاقي على أرضية مشتركة. الخطأ الأكبر لا يكمن هنا، بل في تجاهل خلافات رئيس الفاتيكان مع الدولة العبرية، والتغطية على هذه الخلافات بإثارة سحابة من الدخان. العديد من المسؤولين الإسرائيليين قاطعوا زائر الأراضي الفلسطينية المقدسة منهم رئيس الكنيست روبي ريفلين، ومنهم رئيس الحكومة نفسه نتنياهو الذي قام بتوقيت زيارته إلى شرم الشيخ الاثنين الماضي بالتزامن مع موعد زيارة البابا. الصحف الإسرائيلية الرئيسية حملت على الزائر الكبير، واعتبرت أنه سبق له، وهو الألماني أن انضم إلى «شبيبة هتلر» دون التمحيص إذا كان الانضمام المزعوم للفتى طوعياً أم تم بالإكراه قبل نحو سبعة عقود. علماً أن الفاتيكان نفى الأمر نفياً قاطعاً. بعض الصحف الإسرائيلية التي سبق أن هللت للحرب على أطفال ونساء غزة، أخذت على الزائر ما اعتبرته صمتاً عن عمليات «إرهابية». أبعد من ذلك زج الإسرائيليون بأنفسهم في أمور دينية تنظيمية خاصة بالكاثوليكية تتعلق بتطويب رجل دين مسيحي بزعم أن هذا الرجل، ويدعى ريتشارد ويليامسون، قد صمت عن المحرقة بحق اليهود. يحق لمن شاء توجيه ملاحظات إلى الزائر الكبير، تتعلق أساساً باستحالة الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي في زيارة الأراضي المقدسة المحتلة، التي يخضع شعبها منذ أكثر من ستة عقود لأبشع أشكال التنكيل. ليس فقط عقاباً لهم على تمسكهم بهويتهم وحقوقهم الوطنية، بل كذلك بصفتهم مسلمين ومسيحيين. في القدس حالياً نحو عشرة آلاف مسيحي مقدسي فقط، وكان عدد هؤلاء في العام 1947 نحو ثمانين ألفاً. تهجير المقدسيين، بمن فيهم المسيحيون، هو أحد اشكال التطهير العرقي والتمييز الديني. غير أن التقيد بأدب الخطاب واجب، مع أخذ المقام الرفيع للزائر بالاعتبار، ومع ملاحظة أن ملايين العرب من أبناء جلدتنا يتبعون البابا، ومن لا يتبعه طائفياً، فهو يدين له بالاحترام دينياً. كان الواجب بعدئذ تظهير خلافات الفاتيكان مع تل أبيب، حيث لم تتورع الثلاثاء 11 الجاري صحف إسرائيلية، منها صحيفة «ييسرائيل هيوم» على وصف الزائر الكبير، بأنه ليس معلوماً ما إذا كان «دكتور جيكل أم مستر هايد» في إشارة إلى ازدواجية مزعومة في شخصه.. وبحيث تشكل الزيارة، في محصلتها الواقعية، ضغطاً معنوياً على الاحتلال، لا مناسبة لإظهار خلافات مضخمة مع العالم الإسلامي. قد تكفي الإشارة هنا إلى ضغوط هائلة مارسها الاحتلال لمنع تصوير البابا على خلفية من مقطع لجدار الضم والتوسع في الضفة الغربية.. الضغوط مورست رغم ادعاءات إسرائيلية صفيقة بأن بناء الجدار في عمق الأرض المحتلة «شرعي». |
|
|||||||||||||