العدد 76 - سينما وتلفزيون
 

محمد جميل خضر

تنتشر محلات بيع أقراص الأفلام السينمائية المضغوطة أو المدمجة (DVD)، بغزارة وسط عمّان. ويستطيع المرء الحصول على ستة أشرطة سينمائية من هذا النوع بسعر خمسة دنانير فقط، وهو السعر الذي يرى أصحاب دور عرض سينمائية أنه يشكل إغراء لعشاق الفن السابع الراغبين بمشاهدة آخر أفلامه، ويتسبب بانفضاض الناس عن الصالات التي يبلغ معدل ثمن التذكرة فيها نحو خمسة دنانير للشخص الواحد. حتى إن بعض هذه الأفلام، يكون متاحاً في المحلات قبل عرضه في دور السينما، كما يؤكد مدير صالات «برايم سينما» داخل «البركة مول» في منطقة الصويفية، إيدي أسمر.

يُرجِع أسمر حصول أصحاب محلات بيع (دي في دي) على الأفلام بهذه السرعة إلى استخدام وسائل «غير مشروعة»، منها «تنزيل الفيلم عن مواقع على الإنترنت، أو الحصول على نسخة مهربة منه».

موسى، صاحب محل دي في دي وسط العاصمة، يدافع عن مشروعية ما يقدمونه من منتج للناس، بقوله: «إن لم ننزّل الفيلم عن الإنترنت، فسيقوم الزبون بتنزيله بنفسه». ويضيف أن الأزمة الاقتصادية التي تجتاح العالم، قلّصت نسبة الإقبال على دور السينما، «تماماً كما قلّصت عدد مشتري الأفلام من محلاتنا».

«كثير من الناس يحتاجوننا، كون أسعارهنا في متناول يد الطبقات ذات الدخل المحدود، والشرائح الاجتماعية التي لا تفضّل أجواء السينما، وتحبذ تحقيق خصوصية ما وهي تشاهد فيلماً سينمائياً» يقول موسى.

حسين الحسيني، أحد روّاد المحل، يوضح أن كثيراً من الشبان، يأتون إلى محلات (دي في دي) في قاع المدينة، كجزء من حزمة متكاملة يقومون بها، فهم ينزلون لأسواق البلد للتنزه، وتناول وجبة عشاء في أحد المطاعم الشعبية، وتدخين الأرجيلة في أحد المقاهي المنتشرة في (الداون تاون)، وأخيراً يعرّجون على محلات (دي في دي) للسؤال عن آخر الأفلام فيها.

شابٌّ آخر يقول إنه من عشاق الأفلام القديمة، وهو ما لن يحصل عليه من أي دار عرض سينمائي، لتسابق تلك الصالات على آخر أفلام السوق، وآخر ما تطرحه شركات التوزيع العالمية. فيما يتحدث شاب ثالث عن ظروف عرض مريحة يتحكم هو فيها لا العكس. «أنا أشاهد الفيلم وقت ما أشاء، وأوقفه متى اضطررت، أفعل ذلك وأنا مرتاح على أريكة واسعة مقابل التلفزيون، وأمامي ما أرغب من المسلّيات والمكسّرات».

الناقد السينمائي رسمي محاسنة، أشاد بدور العرض السينمائية المحلية، وأضاف أنها موجودة داخل مجمعات تجارية تتوافر فيها معظم السلع الخدمية ووسائل التسوق المختلفة. كما أن الصالات تحتوي على أحدث تقنيات العرض الحديثة من أنظمة صوت ومؤثرات، ما يجعل مشاهدة فيلم سينمائي في واحدة من تلك الصالات، تشتمل على امتيازات غير متوافرة داخل جدران البيوت.

محاسنة يضيف أن لمشاهدة الفيلم داخل السينما طقوساً ما زال كثيرون يفضّلونها ويعشقون أجواءها. ويربط بين تلك الصالات وبين الشبان في مقتبل العمر، الذين يرون في الذهاب إلى صالة عرض سينمائي مشروعَ ترويحٍ لا بأس به حتى لو كان ذا تكلفة مالية.

صاحب أحد محلات (دي في دي)، يبيّن أن زبائن كثراً يرتادون محله للحصول على أفلام تعليمية لأبنائهم، وهو ما لن يجدوه في صالات العرض السينمائي. وعلّل تعامل كثير من الزبائن مع أفلام (دي في دي)، في رغبتهم بمشاهدة فيلمهم المفضّل دون ترجمة عربية مصاحبة له، لتقوية لغتهم الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرها.

ويشير زبون لديه إلى أن الرقابة التي تتعرض لها أفلام سينمائية معروضة في الصالات قد تؤدي إلى تشويه قصة الفيلم إذا كان مقص الرقيب لا يمتلك حساسية نقدية. لذلك يفضّل أفلام محلات (دي في دي) لعدم تعرّض معظمها لمقص ذلك الرقيب.

مدير صالات سينما «زارا»، عمر أبو عمر، يقرّ بتأثير تلك المحلات على نسبة الإقبال على صالات السينما. ويردّ على دعاوى مقص الرقيب، بأننا في الأردن «نحظى برقابة غاية في الرقيّ والتفهم».

وهو يرفض معظم المبررات التي أوردها أصحاب تلك المحلات، وحذّر من خطورة «إدخال حرمات البيوت أفلاماً لم تخضع للرقابة الشفافة»، وهي خطورة «لا تقتصر على المحتوى الأخلاقي، لكن أيضاً المحتوى السياسي والقيمي وحتى الجمالي»، بحسب تعبيره.

أبو عمر يوضح أن محلات بيع الأقراص المضغوطة الأصلية، تُخضِع الأقراص للرقابة، وتعرضها على هيئة الإعلام المرئي والمسموع، وتحصل على إجازة وضعها قبل أي شيء، وتلتزم بالمواعيد المخصصة لها بعد أن يأخذ الفيلم نصيبه من العرض في الصالات. ويتساءل في السياق نفسه عن مصير «لجنة إنفاذ القانون» التي تشكّلت من ممثلين عن هيئة الإعلام المرئي والمسموع، والمكتبة الوطنية، والجهات الأمنية، لدراسة أوضاع تلك المحلات ومدى قانونيتها.

هناك خمس صالات عرض سينمائي رئيسية في عمّان، تضمّ كلٌّ منها من ثلاث إلى أربع صالات فرعية. وقد تعرضت دور العرض متوسطة المستوى (أو الشعبية) إلى ضربات قاصمة في الآونة الأخيرة، ما أدى إلى إغلاق معظمها، ولم تصمد أمام التغيرات المدينية التي شهدتها عمّان سوى صالات «الخمس نجوم».

محلاّت “دي في دي” تبثّ الروح في قاع المدينة
 
14-May-2009
 
العدد 76