العدد 2 - أردني
 

ماذا يميز هذه الانتخابات النيابية ؟

لن تنجح هذه المناسبة في فرز برلمان سياسي ، وذلك لأن الطابع السياسي لانتخابات المجلس الخامس عشر بما يتعلق بالمرشحين وحملاتهم يبدو شديد الخفوت والبهوت ، وعلى نحو لا سابق له .

هناك إقبال ملحوظ على هذه المناسبة ، لكن السياسيين والمسيسين في حالة شبه غياب .

مقابل ذلك هناك ثقافة شائعة و"متزايدة "، وتفيد هذه الثقافة أنه لمن شاء حق التعبير عن نفسه وتمثيل غيره ، وعلى من شاء اهتبال الفرصة وتجريب حظه ، وكما يحدث في الإقبال على مسابقات المؤسسات التجارية أملاً بالفوز عبر ضربة حظ .

ليست العشائر فقط من تسعى وتندفع للتعبير عن وجودها ، فهناك رجال دولة سابقون ومتقاعدون ( هل بينهم وزراء سابقون ؟ ) وهناك النخب المالية وهناك العائلات و النساء . وبما أن عدد المتنافسين كبير إذن فالمباراة حامية كما يقول البعض ! . لكنها ليست كذلك .

فلمن شاء بالطبع حق التعبير والسعي للتمثيل ، غير أن المجتمعات المتقدمة تدخل الانتخابات بأجسام سياسية واجتماعية ونقابية وثقافية أساساً وبرؤى سياسية وأيديولوجية ، وليس بالسعي لتمثيل فردي لمناطق وعائلات كبيرة وصغيرة .

الأحزاب باستثناء جبهة العمل الاسلامي هي من ينأى عن هذا الاستحقاق . تكتل" التيار الديمقراطي " الذي يضم اربعة أحزاب تقدم بسبعة مترشحين . هذا جيد . لكن الرقم متواضع ويكاد يكون رمزياً مقارنة بعدد المترشحين الذي اقترب من الألف (965مرشحاً). حتى النقابات التي كان مسيسون فيها ، يطالبون ب "دور وطني" لنقاباتهم والمقصود غالبا دور سياسي ، تراجعت أصواتهم في هذه الانتخابات ، مع أنها شكلت مناسبة للتعبير السياسي الذي طالما طالبوا به ولكن في غير مكانه داخل نقاباتهم المهنية ! .

لهذا تبدو هذه الانتخابات أقرب الى انتخابات بلدية وشديدة المحلية ، بمعنى أنها مناطقية وعائلية وفردية . هناك في مناطق معينة درجة ملحوظة من الحدة أو الحماسة الطاغية ، لكن ذلك لا يضفي بالضرورة طابعاً سياسياً على المناسبة ، بقدر ما يكشف عن مزاج وعن طموح اجتماعي وفردي أحياناً . يقابل ذلك قدر كبير من اللامبالاة تجاه هذا الاستحقاق في العاصمة ومدن أخرى . عدم الاكتراث لا يشي بأن للمناسبة فحوى سياسية .

كان الأمر قبل نصف قرن أفضل في فترة ما قبل فرض الاحكام العرفية . لقد تغيرت الظروف حقاً : كانت المملكة الهاشمية حديثة العهد نسبياً ، والصراع بين معسكرين دوليين وعربيين على أشده . وكان وقع نكبة فلسطين ما زال مدوياً في الضمير والوعي الجمعيين . والطبقة الوسطى في أول تفتحها وتوهجها .

تغيرت الظروف كليا في العام 2007 لكن المقارنة تصح بعدئذ مع انتخابات عام 1989 وانتخابات العام 1993 . فهذه الانتخابات تبدو منزوعة الدسم ، والمفصل الذي يلتقي معنيون ومراقبون كثر على أهميته ، هو قانون الصوت الواحد الذي كبح التغيير والتطوير وحال دون تشكيل تكتلات . ومع الاتفاق على أهمية هذا المفصل ،فالأصح القول إن عربة الإصلاح السياسي سارت ببطء شديد بما يشمل قانون الانتخاب ويتعداه . فلم تتشكل منذ ذاك منذ أحد عشر عاماً حكومات ذات طابع سياسي واقتصر الأمر على تطعيمها بوزير أو اثنين يُحسبان على هذا الاتجاه الحزبي أو على نقابة ما . ولم تتمأسس العلاقة بين السلطة التنفيذية والأحزاب على اختلافها . وظل الإعلام الرسمي يتعامل مع الحياة الحزبية بحذر وحتى باشتباه ، رغم فترات مر بها التلفزيون الرسمي وشهد فيها حالة انفتاح على المكونات السياسية .

غير أننا ونحن نعيش ذروة الاستعداد لانتخاب مجلس نيابي جديد ، ونفتقد حضور الأحزاب ، فإنه لا بد من الالتفات الى ظاهرة إعفاء الاحزاب لدورها الذاتي في كبح عربة الاصلاح من الانطلاق .

لقد أدى تكاثر الأحزاب بين ما أدى اليه ، الى انفضاض الناس عن الظاهرة الحزبية لأسباب متعددة من بينها إعفاء الأحزاب ل "نفسها " من القيام بإصلاح داخل بنيتها وفي خطابها .فنشأت أحزاب بلا مسوغات ولا حيثيات وبلا "استهداف" لشرائح اجتماعية بذاتها . وحافظت أحزاب قديمة على خطاب خمسينيات القرن الماضي مع تعديلات طفيفة . انقسمت الأحزاب بين معارضة "أبدية " وبين موالاة أتوماتيكية .وبين تنظيمات لا تتدخل في السياسة الداخلية إلا بما ندر ! .

وخلافا للحال في الديمقراطيات الحية فقلما تنشأ سجالات أو حتى حوارات علنية بين الاحزاب ، بما يبرر تعددها ويغني الحياة العامة والجمهور بالأفكار . لنستذكر أنه بعد انقلاب حماس في غزة أواسط حزيران الماضي فقد نشأ تباين كبير داخل تنسيقية المعارضة ، لكن هذا التباين جرى التكتم عليه والتعبير عنه بنزر يسير ، وكأن الاختلاف ينتقص من صدقية الأحزاب ، فيما هو يغنيها . فما معنى التعددية إذا كان هناك من ينكرها ؟ . وما معنى كثرة الأحزاب إذا كانت الآراء المختلفة يتم كبحها . ولنا أن نتخيل مدى حرية التفكير والتعبير داخل الحزب الواحد ، إذا كان يجري التغطية على تعددية الرؤى بين أحزاب مختلفة متباعدة .

من يطالب بالإصلاح عليه أن يبدأ بنفسه ويعطي القدوة . لكن ذلك لا يحدث، وهو ما يجعل الإصلاح السياسي بعيد المنال، بل يجعل الحياة السياسية فقيرة شبه جدباء .

لقد تجاهلت الأحزاب على سبيل المثال القوة الكامنة والصاعدة للنساء الأردنيات.

الجهات الرسمية ادركت هذه الحقيقة وساهمت في بلورتها عبر الكوتا. وفي النتيجة ترشحت اكثر من مائتي سيدة . هذه القوة النسوية غائبة عن تركيبة الاحزاب وخطاباتها ، وفي النتيجة فإن دخول النساء الى حلبة التنافس الكثيفة ، يمثل افضل سمة لها . رغم إدراك المرء لشيوع ثقافة ذكورية بين النساء تنتقص من حقوقهن ، وما لتأثير الرجال على تنافس المترشحات .

هذا هو المناخ الذي تشارك في صنعه أكثر من طرف ، والذي نزع عن هذه الانتخابات الصفة السياسية ، إلا بحدود ضيقة وشواهد معدودة .وعلى السياسيين أن يواجهوا الواقع بأمانة ، فربما كانت الحاجة قائمة لجيل جديد من السياسيين ، جيل ليس بالضرورة أصغر سنا ، ولكن أكثر تفتحاً و تبصراً بالتحولات الاجتماعية الجارية ‘ وأكثر إصغاء لإيقاع الحياة المتجددة .

تنافس المرشحات أفضل سمة لانتخابات منزوعة الدسم – محمود الريماوي
 
15-Nov-2007
 
العدد 2