العدد 76 - ثقافي
 

مراجعة: مارينا أوتاواي*

أثبتت بلدان الشرق الأوسط العربية أنها شديدة المقاومة للتحول الديمقراطي، فهي خرجت بنظمها السياسية سالمة تماما من موجة الدمقرطة الناجحة وغير الناجحة، التي اجتاحت كثيرا من دول العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. ولم يقتصر الأمر على أنها لم تصبح ديمقراطية – فكثير من البلدان الأخرى لم تنجح في ذلك أيضا - بل إنها، في معظمها، لم تحاول ذلك. ومن المؤكد أن معظم الحكومات العربية تتحدث الآن عن الديمقراطية بوصفها الهدف الأسمى، رغم أنه هدف بعيد المنال – كل بلد بإيقاعه الخاص، وبأسلوبه الخاص.. بالحديث عن الخط الفاصل بين النظم الملَكية والدستورية، فإن الرؤساء يسعون للبقاء في السلطة مدى الحياة، بل بتسهيل الطريق أمام أبنائهم لخلافتهم فيها.

بالنسبة للمحللين الذين يرفضون، عن حق، التفسيرات الغربية المبسطة عن ثقافة سلطوية عربية أبدية، والمزاعم العربية التي لا تقل تبسيطا، التي تعزو الفشل في الإصلاح إلى تأثيرات الصراع العربي الإسرائيلي، كما تمثل مقاومة المنطقة لخروق الديمقراطية تحديا جديا. فما الذي يفسر استمرارية السلطوية في هذه المجتمعات؟.

تسعى نيكولا برات إلى الإجابة عن هذا السؤال، في كتاب يظهر معرفة كبيرة بالنظريات والمصادر المختصة أكثر من معرفة الحقيقة السياسية للعالم العربي، فالكتاب عمل جيد من حيث تلخيصه ومقارناته وتكامله، مع أعمال العلماء المختصين الذين عالجوا قضية السلطوية في النظم السياسية العربية. ومن سوء الحظ أنه لا يقدم الدرجة نفسها من المعرفة المباشرة والمعرفة بالعمليات السياسية والعوامل السياسية الفاعلة في البلدان العربية. وعلى الرغم من أن المؤلفة تنسج، جزئيا، على منوال أبحاثها الخاصة عن منظمات المجتمع المدني الفاعلة في مصر، فإن معظم استخلاصات الكتاب يتم الوصول إليها من خلال الاستنتاج النظري، أكثر من الاستقراء الناجم عن الملاحظة والتحليل لما يجري حقا.

ما يجعل هذا الكتاب يستحق القراءة في النتيجة، ليس ما يأتينا به حول السلطوية والديمقراطية في الشرق الأوسط – فليس عليك أن تقرأ هذا الكتاب لتعرف الكثير حول المعارك السياسية التي تنشب والعناصر السياسية الفاعلة المؤثرة عليها، بل تكمن أهمية الكتاب في ما يقوله لنا حول التحول في تفكير ما كان يسارا عالمثالثيا، متأثراً بنظريات الاعتماد. فمن خلال الاضطرار إلى ترك كثير من الافتراضات القديمة، التي أثبت التاريخ خطأها، وقوضت الأحداث السياسية دفاعاته، كان على هذا اليسار أن يطور نموذجا سياسياً جديداً للبلدان النامية ورؤية جديدة لدور القوى الفاعلة الخارجية. هذا التحول الثقافي تم في موازاة التحول الذي شهدته كثير من القوى الفاعلة العربية، وتحديدا، القوميون العرب القدماء الذين تحولوا عن تمجيد الدولة التنموية القوية، لصالح مجتمع مدني حيوي مشارك – مثلا، من الناصرية إلى إطلاق حركة كفاية في مصر. نيكولا برات أصغر من أن تكون مرت بالتحول شخصيا. ولكن كتابها يعكس تغيرا على أي حال.

بإخلاصها للمنهج العالمثالثي، تشعر برات بالحاجة إلى تفسير المشاكل الراهنة من خلال أثر التغلغل الأوروبي في المنطقة وما تلاه من اندماج في النظام الاقتصادي العالمي، كما لو أن التاريخ قد بدأ عند ذلك. ومثل كل العالمثالثيين الجدد، فإنها تعترف أيضا بأن العلاج الذي اختاره القوميون العرب في الماضي – الاعتماد على قوة الدولة والتدخل من دون مشاركة المواطنين – قد «طبع» السلطوية من خلال تغذية ثقافة قبلتها باسم مشروع التحديث القومي. لقد فشل المشروع، لكن السلطوية بقيت.

تلك السلطوية تواجه اليوم تحدّياً يتمثل في صعود قوى فاعلة في المجتمع المدني الجديد، تدعو إلى إصلاحات سياسية وإلى حقوق المرأة وحقوق الإنسان، كما تقول برات. وجنباً إلى جنب مع قوى التحول التي دعمتها – تذهب برات بعيدا في محاولاتها لإثبات أن منظمات المجتمع المدني المتحولة تؤدي دورا مهما ومشروعا في الترويج للإصلاح – فمنظمات المجتمع المدني العربية تمتلك إمكانيات لتحويل البلدان العربية، في النهاية، من السلطوية إلى الديمقراطية.

هنا تصبح نقاط ضعف الكتاب في أقصى درجات وضوحها، فبرات تنظر إلى القوى الفاعلة في المجتمع المدني من خلال عدسة النظرية، لكنها تنسى حقيقة ما تمثله هذه الجماعات، وما إذا كانت تمتلك القدرة على القيام بالدور التاريخي الموكول إليها. نعم، هنالك كثير من منظمات حقوق المرأة وحقوق الإنسان في العالم العربي، ولكن كم من الناس تصلهم هذه المنظمات؟ وما حجم الدعم الذي تتلقاه؟ ومن يمولها؟ وأيها الجماعات التي تمتلك جماهيرية، وأيها النخبوية التي لا توجد إلا لأن منظمات غربية تدعمها؟ وما نوع الرابط الذي يربط بين الإسلاميين ومنظمات المجتمع المدني؟ النظرية لا تجيب عن هذه الأسئلة، والبحث التجريبي الجدي قد يساعد، وهنا تكمن نقطة ضعف هذا الكتاب.

برنامج الشرق الأوسط، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، واشنطن العاصمة.

* بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

إلمام بالنظريات ونقص في إدراك الحقائق السياسية
 
14-May-2009
 
العدد 76