العدد 76 - حريات | ||||||||||||||
نور العمد يشتكي طلبة إعلام في جامعة اليرموك من فرض سقف حرية متدنٍّ على تحركاتهم وأنشطتهم المنهجية، ما يؤثر في تحصيلهم العلمي وآفاق انخراطهم لاحقا في مهنة المتاعب، وسط قيود رسمية وذاتية على من سبقوهم خارج أسوار الجامعة. طالب لم يشأ الإفصاح عن اسمه، أكد لـ«السجل» أن أساتذة في كلية الإعلام يحاولون إسكات أصوات طلبة خلال حوارات أثناء المحاضرات، ومنعهم من استضافة شخصيات ناشطة سياسيا أو مجتمعيا بهدف تعزيز مهارات الاتصال لديهم. الطلبة حملوا شكواهم إلى حملة «ذبحتونا»، التي تحمل لواء الدفاع عن حقوق الطلبة والاحتجاج على رفع الرسوم الجامعية، مذ شكّلها مجموعة طلبة قبل عامين. «ذبحتونا» سارعت إلى إصدار بيان احتجاجي نبّهت فيه إلى «خطورة أن يصل قمع طلبة الجامعة إلى كلية الإعلام، لما لها من دور في تخريج الإعلاميين الذين سيمثلون السلطة الرابعة لاحقا». ورأت في هذه الممارسات «محاولة لتخريج جيل من الإعلاميين خائف ولا يمتلك الجرأة في الطرح، ما يؤثر سلباً في حرية الإعلام والقدرة على تطويره والنهوض به». في موازاة ذلك، أرسل طلبة الكلية رسالة إلى رئيس جامعة اليرموك سلطان أبو عرابي، دعوه فيها إلى «التدخل الفوري لرفع سقف حرية النقاش داخل المحاضرات، ومنع أي محاولات لترهيب الطلبة وقمعهم، إضافة إلى فتح المجال أمام طلبة الكلية لإبداء آرائهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالمبحث الذي يدرسونه». «ذبحتونا» جمعت 100 توقيع حتى إعداد هذا التقرير، من بين ما مجموعه 420 طالبا وطالبة في كلية الإعلام، في حملة أُطلق عليها شعار «بدنا نحكي». تتجه الحملة لجمع تواقيع لطلبة تخرجوا في الجامعة ويعملون في الحقل. منذ تأسيسه قبل ربع قرن، خَرّج قسم الصحافة والإعلام (كلية الآداب) الذي تطور لاحقا إلى كلية العام الفائت، عشرات الإعلاميين. قُصَي جعرون، طالب سنة رابعة في كلية الإعلام، يستذكر في حديثه لـ«ے» واقعة حدثت أخيراً. «ردا على تصريحات الكاتب محمد حسنين هيكل وتعرضه للإساءة للأردن، طالبنا نحن كطلبة إعلام أثناء محاضرة (أخلاقيات الإعلام) مناقشة الموضوع، إلا أن الأستاذ منعنا بحجة أنه مصري الجنسية، ولا يريد إثارة أي نعرات حول الموضوع». وأكد جعرون أن هذه المسألة «لم تناقَش قط في أيّ محاضرة أخرى مع أن قادة الرأي ووسائل الإعلام تطرقوا إليها». بل إن قسم العلوم السياسية ناقش تصريحات هيكل، بحسب ما نقل طالب الإعلام عن زملاء له في قسم العلوم السياسية. يرى جعرون أن أساتذة في كلية الإعلام «لا يفضّلون طرح موضوع إذا كان لا يتفق مع آرائهم، ويفضّلون الحديث عن أمورهم الشخصية بدلا من التطرق إلى قضايا سياسية أو تهم الشأن العام». الحظر ينسحب على استضافة شخصيات عامة من خارج الحرم الجامعي. فبعد الاجتياح الإسرائيلي لغزة أوائل العام الجاري، طلب جعرون بـ«صفة شخصية»، استضافة المفكر العربي عزمي بشارة لشرح تداعيات الحرب، لكن «الكلية لم تبدِ أي استعداد لإجراء أي اتصال معه». والحال تندرج على الانتخابات النيابية كذلك أواخر 2007، حيث دعا الطلاب عميد الكلية عزت حجاب إلى استضافة مرشحين للحديث عن برامجهم الانتخابية ومناقشتهم، لكنّه «رفض ذلك بدعوى أنه ليس من اختصاص القسم»، بحسب ما أضاف الطالب الذي يتخرج هذا العام. جعرون، وهو عضو مشرف في حملة « بدنا نحكي»، يتحدث أيضا عن محاولات أعضاء في الهيئة التدريسية «إثارةَ الذعر لدى الطلبة، من خلال استدعائهم لمعرفة من وقّعَ على عريضة التواقيع». أما الطالب كامل لطفي، المتوقَّع أن يتخرج العام الجاري، فيؤكد لـ«ے» أن عددا من الأساتذة «يستهزئون ويتمسخرون على ثقافة الطالب. وهذا شكل من أشكال القمع». ويضيف: «الأساتذة يريدون تسيير المحاضرة بناء على ما هو موجود في الدوسية. مثلا، في مادة الاتصال الدولي يفتح الأستاذ باب النقاش، وعندما يبدأ الطالب بالنقاش يتم قمعه وإغلاق الباب، بخاصة إذا تم التطرق إلى مواضيع لها علاقة بالسياسة الخارجية». ينقل القائمون على الحملة عن صحفيين في الإعلام الرسمي والخاص، تأكيدهم أنهم «تعرضوا أثناء دراستهم في قسم الصحافة للقمع على يد أعضاء هيئة التدريس نفسها». محمد كيدان، الذي تخرج العام 2008، يؤكد لـ«السجل»: «أعضاء الهيئة التدريسية كانوا يمارسون نوعاً من التسلط في الرأي حين كنا على مقاعد الدراسة». ويضيف: «لم يكن هناك صدر واسع لتقبّل الرأي الآخر. وإذا فتح باب النقاش يكون الحوار موجها. كما يسود اعتقاد لدى الأساتذة بأنهم أسياد القاعة، ولا يجوز التعدي على هذه الحرمة، وهم فقط من يحق لهم فقط المناقشة». يستذكر كيدان، كيف كان أعضاء في الهيئة التدريسية «يعمدون بشكل أو بآخر للاستهزاء برأي الطالب والتقليل من شأنه أمام أقرانه». نيفين عزمي، التي تخرجت هي الأخرى العام 2008، تشاركه الرأي. وتقول إنها تعرضت للقمع على يد عدد من الأساتذة من النواحي كافة. توضح عزمي: «في إحدى المرات كان لدي امتحان عند أستاذ أعلن أن مادة الامتحان سوف تكون من المقرر نفسه، لكننا تفاجأنا بأن الامتحان جاء مغايرا كليا للمقرر، فحاولت مناقشته بالموضوع، لكنّه أسكتني على الفور أنا وسائر الطلبة الذين أثاروا الموضوع». نيفين تؤكد: «الكثير من الأساتذة كانوا لا يسمحون لنا بإبداء رأينا في أيّ قضية. فقد كنا ممنوعين من الحديث بالقضايا السياسية إلا عند قلّة من الأساتذة». مصادر طلابية مطلعة على حجم المشكلة، رفضت الإفصاح عن هويتها خشية تعرضها للمساءلة، تؤكد أن أساتذة مثل «تركي نصار، شفيق ربابعة، علي نجادات، عبد المهدي غوانمة، وتحسين منصور لا يسمحون للطلبة بالمناقشة داخل قاعة المحاضرة». «السجل» حاولت الاتصال مع تحسين منصور للوقوف على صحة الأمر، إلا انه رفض الإدلاء بأي تصريح. أحد الطلبة أكد أنه سيرفع «لائحة شكوى إلى الديوان الملكي، والمركز الوطني لحقوق الإنسان، واليونسكو»، في وقت رحب فيه طلبة بأي حوار جاد ومعني مع إدارة الجامعة لحل القضايا العالقة منذ سنوات. منسق الحملة الوطنية «ذبحتونا» فاخر دعاس، أكد من جانبه أن الحملة خاطبت نقابة الصحفيين من أجل «التدخل، والضغط على الجامعة لرفع سقف الحرية في كلية الإعلام». ورأى دعاس أن بعض الأساتذة «يمنعون الرأي الآخر، ويحرصون على طرح وجهة نظرهم بشكل واضح لخشيتهم من الخروج عن النص والموقف الرسمي تجاه قضية معينة أو طرح رأي مخالف بجرأة». نائب نقيب الصحفيين حكمت المومني، أكد أن النقابة، التي ينتمي إليها 800 إعلامي وإعلامية، لم تستقبل أي شكوى من طلاب اليرموك. لكنه في الوقت نفسه، دعا إلى «تسهيل أشكال التواصل بين طلاب الإعلام في الجامعات الأردنية وبين وسائل الإعلام». من جهته، أوضح عميد كلية الإعلام عزت حجاب لـ«السجل» أن الكلية «شكلّت لجنة تمثل الطلبة وأعضاء هيئة التدريس للوقوف على تداعيات الموضوع». وقال حجاب: «اللجنة ستباشر عملها في الأيام القادمة برئاسة نائب العميد وعضوية أعضاء في هيئة التدريس وممثلين عن اتحاد الطلبة في الكلية». وأوضح أن اللجنة ستُجري مقابلات مع أطراف القضية لتبيان إذا كان «الموضوع فرديا أم إنه يشكل ظاهرة». حجاب، الذي التزم موقفاً محافظاً، شدّد على «ضرورة التزام الطلبة بسياق المحاضرة» تحاشيا لما وصفه «إضاعة الوقت»، لافتا إلى أن «طبيعة المساق هي التي تحكم سماح الأستاذ الجامعي بإجراء نقاش داخل المحاضرة. فهناك مساقات في طبيعتها علمية بحتة، ومن غير المقبول أن يتم فتح باب الحوار فيها على أمور سياسية». وقال: «الطلاب يريدون أن يُفتح باب الحوار في المساقات كافة، وهذا مستحيل». في المقابل، يرد أكاديمي طلب عدم نشر اسمه لارتباطه بعلاقات شخصية مع بعض أعضاء هيئة التدريس في الكلية، أن ما يقوله حجاب «غير مقبول من وجهة نظر أكاديمية»، وأن العميد «يمارس فعلياً دوراً رقابياً تجهيلياً». رئيس قسم الإعلام في الكلية محمد القضاة، التزم هو الآخر موقفاً محافظاً أسوةً بالعميد، مؤكداً «ارتفاعَ سقف الحرية في الكلية»، لكنه أوضح أن طالب الإعلام لا بد أن يكون مميزا ضمن «حرية مسؤولة» وليس «حرية مطلقة» بحسب تعبيره. ورفض القضاة الدعاوى بأن كلية الإعلام تمنع الطلبة من استضافة شخصيات سياسية، قائلا: «ضمن مؤسسة تعليمية محترمة يتم تنفيذ أي اقتراح للطلبة حول استضافة أي من الشخصيات. ففي القسم نعقد باستمرار لقاءات مع شخصيات، ولكن ضمن إمكانيات الجامعة». ولفت إلى أن «الحق ليس فقط على الأساتذة، فهناك حق على الطلبة أيضا». الأكاديمي الذي طلب عدم نشر اسمه، يرى أنه «من الأكرم للزملاء عدم التنطح في الدفاع عن المواقف الخاطئة، بل الاعتراف أن دعوة محاضرين من الخارج ليست من صلاحياتهم أو من صلاحيات إدارة الجامعة، فالجامعة تشاور الجهات الأمنية دائماً في هذه الحالات». خبير في مجال التدريب الإعلامي يؤكد أن أفضل وسيلة لصقل الخبرات الأكاديمية لدى طلبة الإعلام تكمن في «التفاعلية والتمارين الحيّة، سواء كانت مادة مكتوبة أو مرئية أو مسموعة». ويرى الخبير، الذي فضّل عدم نشر اسمه، أن النقاش والحوار يجب أن يوَظَّفا لمساعدة «مشروع الصحفي» على اكتساب مهارات الكتابة الصحافية. رئيس لجنة التربية النيابية محمد الشرعة، تبنى موقفَي الطلبة وإدارة الجامعة معاً، وأكد أن النواب «يؤيدون حق الطلبة كافة بالتمتع بكامل حرياتهم التعليمية والشخصية داخل حرم الجامعات»، نافياً مع ذلك وجود «أي قمع داخل أسوار الجامعات». يستدرك الشرعة: «من الممكن وجود قضايا كهذه، لكنها فردية وليست جماعية». ويدعو إلى «تعزيز مستوى الوعي، بخاصة السياسي، قبل تمتع الطالب بهذه الحريات، وذلك بأن يكون مبادرا ومشاركا، وأن لا يكون ضمن ولاءات ضيقة عشائرية أو غير عشائرية». في المقابل، وفي موقف داعم للطلبة، طالبَ رئيس تحرير صحيفة «الغد» موسى برهومة، «بمنح الطلاب مزيدا من الحرية، وفرصة الاطلاع على هواجس المجتمع ومشكلاته والالتقاء مع القيادات السياسية ومناقشة المسائل كافة». يضيف برهومة: «لا بد من القيام بذلك، لأن هؤلاء الطلبة سيقودون المستقبل في المؤسسات الإعلامية التي سيعملون بها، فلا بد أن يتمتعوا بثقافة سياسية كبيرة ويمارسوا حقهم بمناقشة أي قضية من دون أي رقيب عليهم، ما دام أن النقاش يدور في فلك المادة التي يدرسونها». لكن برهومة في الوقت نفسه ألقى بعض اللوم على الطلبة، فالغالبية منهم لديهم «ثقافة الخوف»، على حد تعبيره. «الخوف يمنعهم من التحدث بحرية، ويفضّلون الصمت وعدم الدخول في جدل سياسي يمكن أن تكون له عواقب على مستقبلهم الوظيفي»، بحسب ما يضيف. تقرير حالة الحريات الإعلامية للعام 2008 الصادر قبل أسبوعين عن «مركز حماية وحرية الصحفيين» يكشف أن 94 في المئة من الصحفيين يُخضعون أنفسهم لرقابة ذاتية. حملة «ذبحتونا» نَفّذت الأربعاء (13أيار/مايو الجاري) اعتصاما أمام مجلس النواب في يوم الطالب. الحملة وزعت بيانا تؤكد فيه عزمها اعتماد ذلك اليوم ليكون «مناسبة سنوية لتذكير المجتمع الأردني بشكل عام، وأصحاب القرار بشكل خاص، بالشأن الطلابي وبقضايا هذا القطاع». |
|
|||||||||||||