العدد 11 - اقليمي | ||||||||||||||
سليم القانوني: تصريحات أمين عام الجامعة العربية، الاثنين الماضي، ل«الأهرام» القاهرية، بأن استمرار الأزمة اللبنانية يهدد سلباً القمة العربية المرتقبة، يشكل أوضح إشارة حتى الآن حول مضاعفات هذه الأزمة على العلاقات العربية. وكان الرئيس المصري حسني مبارك، قد تحدث قبل ذلك بأيام بأن «استمرار أزمة لبنان دون حل سوف يجعل الوضع خطيراً في هذا البلد وحوله». هاتان الإشارتان العلنيتان، تنذران بتطورات سلبية تبدأ بتقليل فرص عقد القمة الدورية المقرر عقدها في دمشق في الأسبوع الأخير من آذار مارس المقبل. وتبدو الإشارتان من قبيل الرد الضمني على ما قاله وزير الخارجية السوري قبل ذلك بأن «حكومة بلاده لا ترى رابطاً بين الأزمة اللبنانية وانعقاد القمة العربية». تأتي هذه التطورات بعد فشل مهمة عمرو موسى في لبنان، التي تخللتها زيارة الى دمشق قابل خلالها الرئيس بشار الأسد وعدداً من كبار المسؤولين السوريين. وقد لوحظ أن موسى عقب عودته للقاهرة حاول عبثاً التقليل من وقع إخفاق مهمته بالقول «إن هناك باباً مسدوداً لكنه قابل لأن يفتح» ، فقد اعترف في التصريحات ذاتها «أن التعقيد يكتنف كل جانب من جوانب الأزمة اللبنانية، وأن هناك قدراً من النفوذ الخارجي، وانعدام الثقة بين الفرقاء ، وأعرب عن قناعته بأن وقف كل أشكال ومصادر التدخل الخارجي لا بد منه، لوضع هذه الأزمة على طريق الحل». ويذكر أن مهمة موسى، كانت ترمي الى حمل أطراف النزاع اللبناني على القبول بالمبادرة الصادرة عن الجامعة العربية، بالدعوة لانتخاب رئيس توافقي يعقبه تشكيل حكومة وحدة وطنية لا يستأثر فيها طرف بالقرارات، أو بتعطيل عمل الحكومة ويتلو ذلك وضع قانون انتخاب جديد يسمح بإجراء انتخابات برلمانية جديدة. وقد لوحظ أن المعارضة اللبنانية ممثلة برئيس مجلس النواب نبيه بري رفضت ما أسمته تفسيرات موسى للمبادرة. وقد قام بري إثر ذلك بتأجيل جلسة انتخاب رئيس للمرة الثالثة عشرة، وقد حدد يوم 11 فبراير/ شباط موعداً لجلسة جديدة تدل كل المؤشرات الراهنة على أنها لن تعقد .وذلك بالنظر لإصرار المعارضة على سلة تفاهمات تشمل الحكومة الجديدة، وتسمية قائد جديد للجيش، وقانون انتخاب جديد، وسلاح حزب الله، وأمور أخرى. وهو ما يرفضه الأكثرية التي ترى في ذلك تجاوزاً على الدستور وسلباً لصلاحيات رئيس الجمهورية، وأن انتخاب رئيس توافقي هو قائد الجيش الحالي ميشال سلمان، يشكل مفتاح الحلول وضمانة الاستقرار . يذكر هنا أن المعارضة سبق أن طرحت اسم ميشال سليمان، في بدء حملة الترشيحات وفي وقت كانت فيه الأكثرية قد طرحت مرشحين اثنين من صفوفها هما: النائب بطرس حرب، والسفير والنائب السابق نسيب لحود. فلما قبلت الأكثرية بسليمان عادت المعارضة وطرحت مطالب جديدة، وذلك وفقاً لتكتيك عبر عنه زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون بأن المعارضة لن تتوانى عن طرح بند جديد كل يوم إذا لم تقبل الأكثرية بمطالب الأقلية المعارضة. خارج هذه التعقيدات الداخلية، فمن الواضح أن الأطراف العربية، تؤيد ترشيح سليمان كما بدا من اجتماع القاهرة للجامعة العربية .وهو ما تم التوافق عليه بين وزراء خارجية عرب على هامش اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي، وقد ضم الاجتماع آنذاك وزراء خارجية مصر والسعودية والأردن والإمارات ودول عربية أخرى. وارتبط سليمان بعلاقة جيدة مع سائر أطراف النزاع الداخلي، كما ينسج علاقات جيدة مع دمشق وواشنطن على السواء . الأطراف الدولية، وبالذات فرنسا وأميركا، تؤيد هذا المرشح التوافقي، وليس هناك من طرف دولي يعترض عليه .وسبق في العام 1958 أن توافقت أطراف عربية ودولية على ترشيح قائد الجيش فؤاد شهاب لرئاسة الجمهورية خلفاً لكميل شمعون إبان ما عرف ب«الثورة» في ذلك العام بعد مشروع «ايزنهاور» لملء الفراغ في المنطقة.وقد عرف لبنان أفضل فترات ازدهاره في أثناء ولاية شهاب، وإن كانت هناك شكوى شهيرة من نفوذ «المكتب الثاني» وهي الاستخبارات في عهده . بينما كان الرئيس السابق، اميل لحود، عسكرياً بدوره وقائداً للجيش. وقد دعمت دمشق بقوة في أثناء فترة الوجود السوري في لبنان، وصوله الى الرئاسة لأهداف منها على الخصوص لتنظيم علاقات جيدة مع حزب الله الذي كان وما زال يحظى بدعم تام من دمشق غير أن الرئيس السابق لم يقدم دعماً كافياً للجيش اللبناني، الذي ظهر بحجم متواضع في عديده وعتاده في أثناء حرب تموز عام 2006 . الآن تبدو هناك عقبات أمام وصول قائد الجيش الحالي لرئاسة الجمهورية، فظلال خلافات دمشق مع المجموعة العربية ومع الأكثرية النيابية تلقي بثقلها. ترغب دمشق برئيس يتفاهم معها على كل المفاصل السياسية، وعلى الخصوص سلاح حزب الله، التنسيق التام مع دمشق في جوانب السياسة الخارجية، وتمتين العلاقات اللبنانية مع طهران، وهو ما تراه المجموعة العربية انتقاصاً من سيادة لبنان، وتنكر على أي طرف عربي أو غير عربي حق التدخل في شؤون بلد مستقل وعضو مؤسس في الجامعة العربية، وفي طليعة الدول العربية التي انضمت للأمم المتحدة . وأبعد من ذلك، فإن استمرار التحالف الإيراني - السوري، لا يمثل في نظر غير طرف عربي الرد الصالح على الحلف الأميركي - الإسرائيلي، بل ينذر باستقطابات إقليمية دولية تجعل من المنطقة العربية ساحة نفوذ لقوى خارجية، ويغيب في النتيجة وجود «الكتلة العربية» وأياً كانت المؤاخذات على فاعليتها . وبما أن انعقاد القمة في دمشق إذا عقدت سوف يشهد فراغاً في مقعد لبنان دون مبرر مع تحميلها جانباً من المسؤولية عن هذا الواقع، فذلك يحمل على عدم الحماسة تجاه عقدها في العاصمة السورية، وهو ما يفسر صدور التصريحات القوية للرئيس مبارك بشأن مخاطر استمرار الأزمة اللبنانية، وما يبدو من فتور وتحفظ حيال القمة في سائر العواصم العربية. وهو ما سوف يؤدي، في المحصلة، الى تكريس التباعد بين دمشق وغالبية المجموعة العربية. مع تشبث دمشق بما تسميه «أوراقاً» في العراق ولبنان وفلسطين. وإذا كان إطار القمة، لم يثبت خاصة في السنوات الأخيرة جدواه، ولم يترجم الى عمل استراتيجي مشترك وإلى إرساء مرتكزات أمن جماعي، فإن البديل عن ذلك لا يكون بفرط هذه المنظومة، وعقد تحالفات استراتيجية مع دول الجوار غير العربية أو أية دول أخرى. |
|
|||||||||||||