العدد 76 - اقتصادي | ||||||||||||||
محمد علاونة بعكس ما قامت به دور نشر وصحف عالمية وعربية، من تقليص صفحات وإلغاء ملاحق، والاستغناء عن موظفين بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، واجهت صحف في الأردن تلك الأزمة بمزيد من التوسع، وتعيين صحفيين جدد، وإجراء تطويرات على الصفحات المنشورة. صناعة الصحافة في البلاد أسعفها زيادة عدد القراء، وفقاً لدراسة أعلنتها أخيرا شركة الدراسات والأبحاث «إبسوس»، كشفت أن عدد القراء اليوميين للصحف اليومية ارتفع بنسبة 21 في المئة بين شهري أيار/مايو وتشرين الثاني/نوفمبر 2008، ووصل إلى 868 ألف قارئ في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، مقارنة مع 715 ألف قارئ في أيار/مايو 2007، وبزيادة 153 ألف قارئ. دراسة «إبسوس» جاءت بعد ثلاثة أشهر من ظهور أزمة مالية عالمية تكشّفت في الولايات المتحدة الأميركية في أيلول/ سبتمبر 2008، وامتدت لتطال أعمال الشركات الأردنية التي خفّضت من حجم إنفاقها على الإعلان في وسائل الإعلان المقروءة والمرئية والمسموعة على السواء. مدير عام المؤسسة الصحفية الأردنية «الرأي»، نادر الحوراني، قال لـ «ے» إن «تراجُع إيراداتِ صناعة الصحافة من الإعلان جرّاء الأزمة، عوّضَهُ انخفاضُ أسعار الوقود والورق»، حيث انخفض سعر النفط إلى أكثر من 40 في المئة، واستقر حالياً عند 58 دولارا للبرميل بعد أن سجل 130 دولارا في العام 2008، وهبط سعر الورق إلى 500 دولار للطن من مستوى قياسي سجله في العام 2008 عندما بلغ 1300 دولار». يضيف الحوراني أن صناعة الصحافة في الأردن لم تلمس الأزمة الحقيقية بعد، ويرى أن آثارها ستظهر في النصف الثاني من العام الجاري. «نتوقع تراجعاً بنسبة 10 في المئة في إيرادات الإعلان خلال 2009. هنالك تراجع حقيقي بنسبة 4.5 في المئة في سوق الإعلان للأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، وكانت تلك النسبة ستكون أكثر من هذا الرقم بكثير لولا أن الصحف رفعت أسعار الإعلانات التجارية بنسبة 10 في المئة، والإعلانات الأخرى 8 في المئة للفترة نفسها». بيد أن الإعلامي جورج حواتمة، يرى أنه قبل الحديث عن تداعيات أزمة مالية عالمية، لا بد من التطرق إلى التطور غير المسبوق الذي شهده الإعلام الإلكتروني. «أسعار ورق، نفقات رأسمالية، تكاليف طباعة وتوزيع»، يقول، «كلها تزول في وجه العالم الرقمي الذي بات يجذب القراء والمستخدمين للإنترنت». يتابع حواتمة: «لا يمكن التساهل مع تلك الموجة العارمة التي يشهدها العالم.. أسعار أسهم الصحف العالمية مثل (نيويورك تايمز) و(ستريت جورنال) هبطت لمستويات متدنية، وهذا ينطبق على أسهم الصحف المحلية». حواتمة الذي شغل منصب رئيس التحرير في «جوردان تايمز» و«الرأي» و«الغد»، يرى تحولا جذريا قادما بالنسبة للصحافة المطبوعة. «أصبح كل شيء يُتداول عبر الموبايل»، ويضيف: «الصحف المحلية توزيعها ثابت ومستقر خلال السنوات القليلة الماضية، بينما التكلفة ارتفعت بما لا يقل عن 25 في المئة»، ويتساءل: «من أين ستعوض الصحف تلك الفروقات؟». إقليمياً، أعلنت الشركة السعودية للأبحاث والنشر في آذار/مارس الفائت إغلاق مجلة «المجلة» بشكل نهائي، بسبب أزمة مالية بعد تواصُل صدورها طوال ربع قرن، بينما أعلنت مجلة «فوربس» العربية الصادرة من دبي، أن عددها الصادر الشهر الجاري سيكون الأخير، وواكب ذلك إقدام المجموعة العربية الإعلامية في دبي التي تضم عدداً من الصحف والمجلات وشركات الدعاية، على إنهاء خدمات نحو 300 موظف في الأقسام المساندة والفنية والخدماتية والمطبعة. بعكس ذلك، نفذت صحف محلية خططَ توسع وتطوير. فظلت صناعة الصحافة المحلية في صحة جيدة، وبقي الإعلان صامداً، ولم يشهد القطاع إنهاء خدمات، بل إن هنالك قرارات بتوظيف عاملين جدد في بعض الصحف، كما أن التوزيع لم يتراجع، بل زاد بحسب دراسة صدرت بداية العام الجاري أعدها المعهد الإعلامي المتخصص، من 750 إلى 850 ألف نسخة يومياً، في الوقت الذي خرجت فيه إلى النور صحيفة «السبيل» اليومية بعد أن كانت أسبوعية. بيد أن الحوراني يرى أن لا زيادة في حجم التوزيع، إذ يقول: «بيّنت دراسة صادرة عن اتحاد الموزعين العرب، تراجعاً في توزيع الصحف العربية بنسبة 8 في المئة العام الفائت». حجم الإنفاق على الإعلان في الأردن ارتفع في نهاية العام الفائت وبعد مرور ثلاثة أشهر على ظهور الأزمة المالية العالمية بنسبة 8.7 في المئة، وبلغ 303 مليون دولار مقارنة مع العام 2007، عندما سجل 275 مليون دولار، بحسب نائب رئيس جمعية الدعاية والإعلان الأردنية نعيم الحوراني. لكن معدل نمو ذلك الإنفاق للعام المذكور كان 3 في المئة، وهو أدنى معدل له منذ 8 أعوام، حيث راوحت نسب النمو في حجم الإنفاق الإعلاني منذ العام 2000 وحتى العام 2007 ما يقارب 20 في المئة. نعيم الحوراني، أقرّ في تصريح لـ«ے» بأن الأزمة المالية العالمية التي تفاقمت في الربع الأخير من العام 2008، ستكون لها الأثر الملحوظ في العديد من القطاعات على المدَيين القريب والمتوسط، إلا أن توقعاته بالنسبة لعوائد الإعلانات «إيجابية». ولما كان الإعلان مرتبطا بشكل وثيق بأداء الصحف وتوسعها، فقد بدت ردة فعل الصحف المحلية متناقضة مع تأثيرات الأزمة في الإعلان، فخرجت «الرأي» بمحلق إعلاني منفصل منذ مطلع أيار/مايو الجاري أطلقت عليه اسم «الرأي الإعلانية»، وبدأت صحيفة «الغد» تنفيذ حملة إعلانية للترويج لنفسها، واكبها تعيينات لصحفيين جدد، مع إعلان نيتها إصدار ملحق خامس، يُضاف لما تصدره من ملاحق، ورغبتها في فتح مكاتب لها في محافظات المملكة كافة. أما «الدستور» فبدأت عملية تغييرات داخلية، تمثلت بترقيات لعدد من كوادرها مع تعيين مدير تحرير تنفيذي، ومدراء تحرير في أقسام أخرى، وامتدت التغيرات إلى شكل الصحيفة، حيث أعطيت تصميما مختلفا في خطوة لجعلها أكثر جاذبية ومواكبة لصحف قائمة تعتمد الصورَ كبيرة الحجم وزيادةَ عدد الصفحات الملونة. البيانات الصادرة عن المؤسسة الصحفية الأردنية «الرأي» أظهرت تراجعا في الأرباح، حيث حققت أرباحا صافية للعام الماضي بلغت 8.12 مليون دينار، مقابل أرباح صافية بلغت 11.53 مليون دينار العام 2007. أما «الدستور»، فحققت أرباحا صافية بلغت نصف مليون دينار العام الفائت، وبيّنت حسابات الشركة انخفاضاً في إيرادات الإعلان بمبلغ 562 ألف دينار، لتصل إلى 5.5 مليون دينار نهاية العام 2007. وبما يتعلق بالإنفاق الإعلاني خلال الشهر الأول من العام الجاري، بينت دراسة أن حجم الإنفاق الإعلاني ارتفع قبل الخصومات نحو 1.1مليون دينار، ووصل إلى 14.1 مليون دينار خلال شهر كانون الثاني/يناير الفائت، مقارنة مع 13 مليون دينار في شهر كانون الثاني/يناير 2008. وكشفت الدراسة أن الحصة الأكبر من هذه الزيادة من نصيب الصحف اليومية، حيث ازداد حجم الإنفاق الإعلاني فيها في الفترة نفسها بنسبة 16.5 في المئة، ووصل إلى نحو 8 ملايين دينار مقارنة مع 6.9 مليون دينار بنهاية كانون الثاني/يناير 2008. الدراسة التي تشمل تركيبة قراء الصحف اليومية حسب المتغيرات الديمغرافية المختلفة من الجنس والعمر ومنطقة السكن وغيرها، خلصت إلى أن نسبة قراء الصحف اليومية الذكور بلغت 71 في المئة من المجموع الكلي لقرّاء الصحف اليومية. وأوضحت أن نسبة 35 في المئة من قراء الصحف اليومية يتركزون في الفئة العمرية 15-24 عاما، و26 في المئة في الفئة العمرية 25-34 ، و16 في المئة في الفئة العمرية 35-44 ، و11 في المئة في الفئة العمرية 45-54 ، و12 في المئة في الفئة العمرية 55 عاما فأكثر. الأردن حافظ على ما نسبته 3 في المئة من حجم الإنفاق الإجمالي على الإعلانات للدول العربية، بحسب جمعية الدعاية والإعلان الأردنية، حيث تتصدر الإمارات الدولَ العربية في حجم الإنفاق بنسبة 22 في المئة، تليها السعودية بنسبة 10 في المئة، ثم لبنان (7 في المئة)، والكويت ومصر بنسبة 6 في المئة لكل منهما، بينما تستحوذ قطر على 2 في المئة، في حين بلغ نصيب كل من البحرين وعُمان 1 في المئة. نادر الحوراني يؤكد أن المنافسة بين الصحف المحلية شديدة، ما يستوجب تقديم مادة صحفية جاذبة، وبالتالي زيادة الإعلانات، في إشارة منه إلى أن التركيز حاليا في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية سيكون على تنمية سوق القراءة، وإجراء عمليات تطوير في الصحف، وهو ما تنوي «الرأي» تنفيذه بإنفاق نحو 20 مليون دينار على خطة تطوير شاملة، مستفيدةً من تراجع أسعار المواد العالمية، وهي «فرصة سانحة»، كما يقول الحوراني قبل أن ترتدّ الأسعار باتجاه الصعود مرة أخرى.
صحف خليجية تأثرت صناعة الصحافة في دبي كانت الأكثر تأثراً بالأزمة المالية العالمية، فمعظم الشركات الخدماتية أغلقت أقسام العلاقات العامة والدعاية، في حين تعثرت بعض القنوات الفضائية التي مُنحت تراخيص من المدينة الإعلامية الحرة، ولم تتمكن من دفع رواتب موظفيها منذ أشهر. المجموعة العربية الإعلامية في دبي، التي تضم عدداً من الصحف والمجلات وشركات الدعاية، أقدمت على إنهاء خدمات نحو 300 موظف في الأقسام المساندة والفنية والخدماتية والمطبعة. وأقدمت صحيفة «البيان» على إلغاء ملاحق أسبوعية تابعة لها، وتخفيض عدد صفحاتها، وشهد الإعلان تراجعاً بلغت نسبته ما بين 40 و50 في المئة. أما صحيفة «الخليج» التي تصدر بالشارقة، فكانت أحسن حالاً، حيث قُدّر حجم الانخفاض بالإعلان فيها بنحو 10 في المئة. وعموماً بقيت صحف أبو ظبي والشارقة بمنأى عن الهزات العنيفة، وهي هزات جعلت إمارة عجمان تحجم عن إصدار صحيفة «الرؤى» الاقتصادية الموعودة. في البحرين، انخفض الإعلان بين 50 و60 في المئة، بعدما كان يبلغ سنوياً نحو 125 مليون دولار تتوزع على عدد من الصحف اليومية، بحسب أرقام جمعية الدعاية والإعلان الدولية. واتفق أصحاب الصحف البحرينية منذ أربعة أشهر، على إيقاف الملاحق، والالتزام بـ42 صفحة لكل صحيفة، تحسباً لارتفاع أسعار الورق في الأسواق العالمية. وتُرك الخيار لكل صحيفة بمفردها، للقيام بإجراءات بهدف تخفيض المصروفات، وتحولت صحيفة «الميثاق» من يومية إلى أسبوعية، وتواجه مجلة «الأسواق» الأسبوعية الصادرة حديثا صعوبات تحول دون استمرارها. وأقدمت «الراية» القطرية، وهي من كبريات الصحف، على إنهاء خدمات نحو 100 موظف وموظفة، وبقيت صحف «العرب» و«الوطن» و«الشرق» بعيدة عن الأزمة، وتراجعَ الإعلان فيها بنسبة 30 في المئة، مما ترك أثره المباشر في عدد الصفحات، التي تفاوتت بين 50 و70 صفحة، وتراجعت معدلات التوزيع بنسبة تزيد على 10 في المئة، بحسب الجمعية الدولية للإعلان. |
|
|||||||||||||